اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
العربية
المؤلف | أحمد بن ناصر الطيار |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الأديان والفرق |
كنا نصومه ونصبر على الطعام والشراب, فلْنصمْ ما يُستحب في غير رمضان, كصيام الست من شوال, وغيرِها من الأيام الفاضلة. كنا نقرأ القرآن ونتلذذ به, ونمكثُ الساعاتِ الطويلةَ معه, فلْنستمرَّ على ذلك, ولْنخصصْ وقتًا لقراءته والمكثِ معه, فننن خصّصنا أوقاتًا نقضيها مع الناس, أفلا يستحقّ كتاب الله أن نخصص له وقتًا ولو يسيرًا؟
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق: 4].
معاشر المسلمين: ها نحن ودَّعْنا هذا الشهر الْمُبارك, الذي أحيا اللهُ بتنوِّعِ العباداتِ فيه قلوبَنَا, وأصَحَّ بالإمساك عن الطعام أبدانَنا, وعطّر بكثرة الذكر فيه آذاننَا.
وإنَّ العبرة بدوام العمل لا بكثرتِه, فلْنعزم على الْمُداومة على الأعمال الصالحة التي عملناها في رمضان, ولتكن دائمة ولو كانت قليلةً, فذاك أحبّ إلى الله تعالى.
فقد كنا نقوم من الليل ما تيسر, فلنستمرَّ على قيام الليل وإحيائه ولو بالقليل. كنا نصومه ونصبر على الطعام والشراب, فلْنصمْ ما يُستحب في غير رمضان, كصيام الست من شوال, وغيرِها من الأيام الفاضلة.
كنا نقرأ القرآن ونتلذذ به, ونمكثُ الساعاتِ الطويلةَ معه, فلْنستمرَّ على ذلك, ولْنخصصْ وقتًا لقراءته والمكثِ معه, فلئن خصّصنا أوقاتًا نقضيها مع الناس, أفلا يستحقّ كتاب الله أن نخصص له وقتًا ولو يسيرًا؟
كنا في رمضان مُتعلقين بالمساجد, نُبكر ونشتاق إليها, وحال الكثير من الناس كما قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, في السَّبْعَة الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ".
أي: شَدِيدُ الْحُبِّ لَهَا, وَالْمُلَازَمَةِ لِلْجَمَاعَةِ فِيهَا.
فلْنحرص على دوام التبكير إليها, والتعلق بها, حتى نكون ممن يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ.
ودوام العمل هو من أحب الأعمال إلى الله تعالى, فقد سُئِلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» (متفق عليه).
ولهذا قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: كَانَ عَمَلُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِيمَةً.
يعنى دائمًا، وأصل الديمة: المطر الدائم مع السكون.
فشبَّهت عائشةُ عملَ وعبادَةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, في دوامِه مع الاقتصادِ وتركِ الغلو: بديمةِ المطر.
وهذا الحديث منهجٌ وقاعدةٌ في حياة الإنسان, يسير عليه في جميع شؤونه, فالذي يُريد مُمارسة الرياضة, أو تخفيفَ وزنِه, لا يبدأ بالعمل الشاق فَيَمِلُّ وينقطع, بل يمشي في اليوم وقتًا قصيرًا, ويحتجب عن بعض الطعام, ويزيد شيئًا فشيئًا مع مرور الأيام, ويستمر على ذلك.
والذي يُريد قيام الليل: لا يبدأ بقيام ساعةٍ مثلاً, بل يقوم وقتًا قليلاً حتى يَعْتادَ ويتمرّنَ على القيام, ثم يزيد بعد ذلك شيئًا فشيئًا, ثم يثبت عليه.
وما أكثرَ من رغب في عملٍ صالحٍ فبالغ فيه, وأرهق نفسه في القيام به, ثم يكسل بعد ذلك ويفتُر, وهذا من حيل الشيطان ومكره, وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله-: "أنَّ الشيطان يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير, إمَّا ليتوصَّل بها إلى بابٍ واحدٍ من الشر, وإما ليفَوِّت بها خيراً أعظمَ, وأجلَّ وأفضل من تلك السبعينَ باباً". ا.هـ.
وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يكره إرْغامَ النفس على العبادة, ويأمر الناس بعدم تكليفها ما لا تطيق.
دَخَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَسْجِدَ، وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟» قَالُوا: لِزَيْنَبَ تُصَلِّي، فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ، فَقَالَ: «حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» (متفق عليه).
كل هذا حرصًا على دوام العمل وعدم انقطاعه, لأنه يعلم أنّ من فعل ذلك: فسوف يفتر ويكسل ويدع العبادة, أو يغلو ويتنطّعُ.
قال النووي -رحمه الله-: "فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَةِ, وَالنَّهْيُ عَنِ التَّعَمُّقِ, وَالْأَمْرُ بِالْإِقْبَالِ عَلَيْهَا بِنَشَاطٍ, وَأَنَّهُ إِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ". ا.هـ.
بارك الله لي ولكم....
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: معاشر المسلمين, في الأيام القليلة الماضية, وصل إجرام الخوارج إلى حدٍّ لم يصل إليه أسلافُهم, ولا يُظنّ أنْ يصل إليه من بعدهم.
فمن كان يظنّ أنْ يأتي زمانٌ, يقتل فيه الولدُ والديه المسلِمَيْنِ باسم الإسلام, ومن يُروِّعُ المسلمين في المدينة النبوية قرب المسجد الحرام؟
ولكن صدق شيخ الإسلام -رحمه الله- حين قال: "لَكِنَّ الْخَوَارِجَ دِينُهُمْ الْمُعَظَّمُ مُفَارَقَةُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ, وَاسْتِحْلَالُ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ". ا.هـ.
وقال أيضًا -رحمه الله-: "لم يكن أحدٌ شرًّا على المسلمين منهم: لا اليهود ولا النصارى, فإنهم كانوا مجتهدين في قتل كلِّ مسلمٍ لم يُوافقهم, مستحلين لدماء المسلمين وأموالهم وقتل أولادهم, مكفرين لهم, وكانوا متديِّنين بذلك لِعِظَم جهلهم وبدعتهم المضلة". ا.هـ.
تأملوا قوله: "دِينُهُمْ الْمُعَظَّمُ مُفَارَقَةُ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتِحْلَالُ دِمَائِهِمْ, وكانوا متديِّنين بذلك".
فهم يدينون بذلك كما يدين أهل الأديان بدينهم, فمن كان هذا حالُه لا يُجدي معه الحوار والنقاش, ولا ينفع إلا نفعًا يسيرًا.
بل إن الصادق المصدوق قال عنهم:" "يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ".
فها نحن نراهم يقتلوننا في مساجدنا ومقدّساتنا, وسَلِمَ منهم اليهودُ وأهلُ الشرك من الرافضة وغيرِهم.
فانتبهوا معاشر الآباءِ لأبنائكم, واحذروا من الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل, وبعض الألعاب الإْلكترونية, فما ضلّ من ضلّ من هؤلاء الشباب, إلا من مشاهدتهم لِمَا ينشره الخوراجُ الجِرمون, والدواعشُ المارقون.
نسأل الله تعالى أنْ يكفينا شرهم, ويردَّ كيدهم, وأنْ يحفظ شبابنا من أفكارهم وسمومهم, إنه سميعٌ قريب مجيب.