الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
وكم في الناس من محتاجٍ!، ومن مديونٍ مجهود!، ومن فقيرٍ بئيس!، يحتاج إلى رحمتنا، وإلى وقفتنا، وإلى دعمِنا وسؤالنا. فهو ها هنا انتصر على المال وحبِّه، وعلى المال وبريقِه، وعلى المال وزهرتهِ؛ فخففَ عن الموسر، وتجاوز عن المعسر …..
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله رب العالمين، والعاقبةُ المتقين، ولا عدوانَ إلا على الظالمين. وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، قيومُ السموات والأرَضين، وأشهدُ أنّ محمدًا عبده ورسوله، سيدُ الأولين والآخرين، صلى اللهُ وسلم وبارك عليه، وعلى آلهِ وصحبه أجمعين.
أما بعد: إخوةَ الإيمانِ: من واجبِ الإخوةِ الإسلامية مساعدةُ بعضِنا بعضا، وعونُ بعضِنا على مشاكلِ الحياة، وديونِها وهمومها، قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[سورة الحجرات: 10].
وفي الحديثِ الصحيح عن حذيفة -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا قال: "أُتِيَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَقَالَ لَهُ: مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا، قَالَ: يَا رَبِّ، آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ، وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ، فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ، وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ: أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ، تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي".
وفي رواية في الصحيحين: "يقول لفتاه: إذا أتيتَ معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فلقيَ الله، فتجاوز عنه"؛ فانظروا -معاشرَ أهلِ الإسلام- إلى هذا التاجر السمحِ السهل، المُراعي لأحوالِ الناس، جعل من ماله طريقًا إلى الجنة، ونيلَ ثواب الكريم المنان.
تجاوزَ عن الناس وخفّفَ عنهم، وراعى عسرَهم وحاجتَهم، فكم له من ثوابٍ عند أرحمِ الراحمين، وأكرمِ الأكرمين! "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ في تَوادِّهِمْ، وتَراحُمِهِمْ، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكى منه عُضْوٌ تَداعى له سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمّى"(متفق عليه).
لقد بلغَ ذلك التاجر بحُسن خلقه ورحمته أعلى درجاتِ الأُخُوة والترابط في الدين، كما قال -تعالى-: (فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[سورة آل عمران:103]، ولم يطغَ عليه حبُّ المال، فيأنف ويستأثر (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى)[العلق: 6]، حضرَ المال بكثرته وشجونه، ولكنه لم يغلب خُلقَه وفضله، فجعل منه وسيلةً لكسب الناس، ومَعلَمًا إلى مكارمِ الأخلاق، ومنارةً لرحمة المحتاجين.
وكم في الناس من محتاجٍ!، ومن مديونٍ مجهود!، ومن فقيرٍ بئيس!، يحتاج إلى رحمتنا، وإلى وقفتنا، وإلى دعمِنا وسؤالنا. فهو ها هنا انتصر على المال وحبِّه، وعلى المال وبريقِه، وعلى المال وزهرتهِ؛ فخففَ عن الموسر، وتجاوز عن المعسر …..
بادرْ إلى الخيرِ يا ذا اللبِّ واللسَنِ | واشكرْ لربِّك ما أولى مِن المننِ |
وارحمْ بقلبِكَ خلقَ اللهِ كلَّهمُ | يُنِلْكَ رحمتَه في الموقفِ الخَشِنِ |
وهنا معنى أخلاقيٌّ بديع، ومروءةٌ ظاهرة، وهي التخفيف والوضع، والمسامحة والعفو، قال -تعالى-: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[سورة آل عمران:134].
وصحَّ قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أنظرَ معسرًا أو وضعَ عنه، أظلهُ اللهُ في ظله". وفي قوله: "لعل الله أن يتجاوزَ عنا"، دليلٌ منه على أن المرجعَ إلى الآخرة، والعودةَ حتميةٌ إلى الله، وأن هذا المال ليس خالدًا ولا مخلِّدًا (وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا)[سورة مريم:95]؛ وأن تلك المتعة، وذلك السلطان زائلٌ، فاستعملَه في ما يُقرِّبُ إلى الله -تعالى-.
عفا الله عنا وعنكم، وجعلنا من عباده المُيسّرين الرفقاء، إنه جواد كريم…
أقولُ قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، تبارك اسمُه، وتعالى جَدُّه، ولا إلهَ غيرُه، ونصلّي ونسلمُ على عبدهِ ومصطفاه، نبيِ الهدى، ورسول الندى، عليه أفضلُ الصلاة وأتم التسليم..
وبعد: أيها الإخوةُ الفضلاء: وفِي قصةِ هذا التاجر الصالحِ الرفيق، اعترافٌ بالتقصير، فهو متواضعٌ، ولا يزكّي نفسَه، أو يُدِلُّ بأعماله الصالحة "لعلّ اللهَ أن يتجاوز عنا"؛ فلما حضرته الوفاة، وسيقَ إلى قبره، تجاوز اللهُ عنه، وكافأه بحُسن صنيعه، وضاعفَ له المثوبة.. "أنا أحق بها منك، تجاوزوا عن عبدي"؛ لأن اللهَ هو العفوّ الكريم، والغفور الرحيم، وهو الذي عنده خزائنُ كل شيء. وقد سبقت رحمتُه غضبَه، وغطّى فضلُه المدى، وبلغت آلاؤه كلَّ شيء -تبارك وتعالى-.
وهنا درسٌ وموعظة لكل تاجرٍ، تشدَّد مع الناس أو عسَّر على المعسرين، ولم يرأف بهم.. فتذكروا -عبادَ الله- رحمةَ الله، وسعةَ فضله، وأنك كما تيسر للمسلمين، ييسرُ الله لك، ويفتح لك من أبواب رزقه، ويثيبك في الآخرة.
ثم لنَعلم أنّ في الناس ظروفًا صعبة، وأحوالاً مؤسفة، تستوجبُ علينا الرحمةَ، والمساعدة، والترفق بهم، "إن اللهُ رفيقٌ يحب الرفقَ في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، و"مَن لا يَرْحَم لا يُرْحَم".
وصلوا وسلموا -يا مسلمون- على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة…