البحث

عبارات مقترحة:

الحكم

كلمة (الحَكَم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعَل) كـ (بَطَل) وهي من...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

المتعالي

كلمة المتعالي في اللغة اسم فاعل من الفعل (تعالى)، واسم الله...

شيء عن غزوة بدر

العربية

المؤلف عبد الرحمن بن صالح الدهش
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. سبب معركة بدر .
  2. مشاهد من المعركة .
  3. دروس وعبر منها .

اقتباس

والتقى الفريقان، وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بين يدي ربه يدعو ويلح في الدعاء ويتضرع بين يدي ربه ويستغيث به, يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني, اللهم هذه قريش قد أتت بخيلها وخيلائها تصد عن دينك وتحارب رسولك", ثم يقول عن أصحابه: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض".

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده...

أما بعد: فحديثنا -معاشر الإخوة- عن اليوم السابع عشر من رمضان، ولكن ليس من هذا العام، ولكنه من عامٍ أفضل منه، فهو من أعوام القرون المفضلة، وسنوات النبوة المطهرة؛ فأكرم به من عام يكون النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه بين أصحابه وهو مرجعهم وهم محل الشورى منه وله!.

ما الخبر؟ في السنة الثانية من الهجرة في مثل هذه الأيام المباركة علم النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ قافلة تجارية كبيرة في طريقها إلى مكة عائدة من الشام، فهي إذن محملة بأموال قريش القوم المحاربين الذين أخرجوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من مكة مكرهين؛ فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يعترض طريق القافلة، ليس فسادا في الأرض، فالقوم ليس بيننا بينهم عهد، وهم البادئون، (وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [التوبة:13]، وقد أخرجوا الصحابة من ديارهم وأموالهم.

فأعلم أصحابه بما عزم عليه، وخرج بهم لهذا الغرض، للانتقام، وقال لهم: "لعل الله يمكنكم منها".

خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا من أصحابه غالبهم من الأنصار، خرجوا لأمر واضح، لا يريدون الحرب ولا يظنون أن سيكون قتال. أما عدتهم فهي فرسان وسبعون بعيرا يعتقبونها.

علم أبو سفيان قائد القافلة بالخبر، فبعث صارخاً إلى قريش يستنجد بهم ليحموا عيرهم ويحفظوا أموالهم، ومع ذلك غيَّر الطريق المعتاد وسلك ساحل البحر فنجا، وأفلت من جيش النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه.

أما قريش فقد أتاها الصارخ المستغيث، ثم جاءها خبر النجاة، ولكنها أخذتها العزة بالإثم وأبت جاهليتها إلا أن تخرج بطراً ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله؛ فخرجت بأشرافها عن بكرة أبيها في نحو ألف رجل، أما عدتها فمائة فرس وسبعمائة بعير، ومعهم القيان الجواري يغنين بهجاء المسلمين.

خرجوا وقد زعموا ألا يرجعوا إلا وقد أدَّبوا محمدا وأصحابه, قال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نبلغ بدرا فنقيم فيه ثلاثا، ننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونسقي الخمر، فتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا".

فكيف هو موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- تجاه تغير وجهة الأحداث، ومفاجأة المواجهة التي لم يعدوا لها عدتها ولم يحسبوا حسابها؟.

لم ينه النبي -صلى الله عليه وسلم- الموقف بأوامر يوجهها لأصحابه، ولو فعل لم يجد إلا السمع والطاعة، كيف؛ وهو المؤيد بالوحي؟ بل جمع من كان معه من أصحابه واستشارهم, وقال: "إنَّ الله وعدني إحدى الطائفتين: إما العير أو الجيش"، وحيث ذهبت العير فلم يبق إلا الجيش، وهو ما لم يخرجوا من أجله.

فقام المقداد بن عمرو -رضي الله عنه- وهو من المهاجرين فقال: "يا رسول الله، امض إلى ما أمرك الله، فوالله! لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك".

فأثنى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "أشيروا علي أيها الناس"، فقام سعد بن معاذ -رضي الله عنه- من الأنصار وهو سيد الأوس فقال: "لكأنك تريدنا يا رسول الله؟". فقال: "أجل". فقال سعد: "كأنك يا رسول الله خشيت أن تكون الأنصار ترى أنه ليس من حقها أن تنصرك إلا في ديارهم، وأنا أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن متى شئت -أي: سر متى ما أردت-، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا منها ما شئت، والذي تأخذه منا هو أحب إلينا مما تتركه, وما أمرت فيه بأمر فأمرنا فيه تبع لأمرك؛ فسر بنا -يا رسول الله- فو الله! لو سرت بنا إلى برك الغماد لنسيرن معك، ولو استعرضت هذا البحر فخضته لنخوضنه معك, والله! لا نكره أن تلقى بنا عدونا غدا؛ فإننا صُبر في الحرب، صُدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك".

لقد قال -رضي الله عنه- كلام إيمان ورجولة، ليس فيه رياء ولا سمعة؛ فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- مما سمع من كلام المهاجرين والأنصار وقال لأصحابه: "سيروا وأبشروا! فوالله! لكأني أنظر إلى مصارع القوم".

فسار النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه حتى نزل بالعدوة الدنيا، أي: جانب الوادي مما يلي المدينة، وجيش قريش بالعدوة القصوى مما يلي مكة, وأنزل الله مطرا كان شديدا ووحلا زلقا على المشركين، وكان طلا خفيفا على المسلمين, طهرهم به ووطأ لهم الأرض وثبت به الأقدام، (وَيُنَـزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ) [الأنفال:11].

وبنى المسلمون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عريشا على تل مشرف على موضع المعركة، ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسوى صفوف أصحابه ومشى في أرض المعركة يشير إلى مصارع القوم، إلى المواضع التي سيقتل فيها زعماء المشركين يقول: "هذا مصرع فلان إن شاء الله، وهذا مصرع فلان إن شاء الله"، فوالله! ما جاوز أحد منهم الموضع الذي أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم-, قتلوا في تلك المواضع التي عينها النبي -صلى الله عليه وسلم- .

والتقى الفريقان، وقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بين يدي ربه يدعو ويلح في الدعاء ويتضرع بين يدي ربه ويستغيث به, يقول: "اللهم أنجز لي ما وعدتني, اللهم هذه قريش قد أتت بخيلها وخيلائها تصد عن دينك وتحارب رسولك", ثم يقول عن أصحابه: "اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض".

فاستجاب الله دعاء نبيه فأنزل عليهم نصره, وأنزل الملائكة فهزموا عدوهم, هُزمت قريش وولوا الدبر, قتل من المشركين سبعون وأسر سبعون. (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) [الأنفال:9]. مردفين: يتبع بعضهم بعضا.

وجمع من القتلى أربعة وعشرون من صناديد المشركين فألقي بهم في قليب من قُلبان بدر, منهم أبو جهل وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وغيرهم من رؤوس الكفر وصناديد المشركين.

وبعد ثلاث ليال أقامها النبي -صلى الله عليه وسلم- ببدر, انصرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعند انصرافه وقف علي القليب ونادى أولئك الصناديد بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلان بن فلان, ويا فلان بن فلان: "لقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟"، فقال له عمر الفاروق: "أتنادي أجساداً قد بليت يا رسول الله؟"، فقال: "والله! ما أنتم بأسمع لكلامي منهم", ذلك أن الله -عز وجل- أسمعهم نداء نبيه في تلك اللحظة.

(إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ  وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:42].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين...

أما بعد: فما أكثر الدروس وما أعظمها في هذه الغزوة النبوية، غزوة بدر الكبرى، غزوة يوم الفرقان!.

أولا: هذه الغزوة وقعت في شهر رمضان, هذا الشهر الكريم شهر العمل وشهر الصبر والجهاد في سبيل الله, تتضاعف فيه همة المؤمن ويقرب من ربه الكريم الرحمان، وتفتح فيه أبواب الجنان، فهو أثمن وأنفس فرصة للمؤمن لكي يضاعف فيها نشاطه وعمله في سبيل الله -عز وجل-.

ثانيا: هذه الغزوة تبين بجلاء ما يعرفه كل مؤمن أن النصر كله بيد الله: (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:10], فالصحابة -رضوان الله عليهم- لما خرجوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكونوا يريدون الحرب، وما ظنوا أن سيكون قتال؛ ولذلك لم يتهيؤوا للحرب والقتال ولم يعدوا ما يكفي من العدة، ومع ذلك أظفرهم الله ونصرهم على عدوهم لما صدقوا ما عاهدوا الله عليه وامتثلوا أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-, فببركة إيمانهم وبصدقهم مع الله وطاعتهم لرسوله نصرهم الله وأظهرهم على عدوهم، فلم ينتصر المؤمنون بقوتهم، ولم يهزموا بقلتهم، وإنما ينصرون بإيمانهم ويخذلون بذنوبهم.

فحينما تكون المعركة بين الإيمان الصادق والكفر فإن الله -عز وجل- يؤيد جند الإيمان, يؤيد المؤمنين على الكافرين، وإن كانت النظرة القاصرة تستبعد نصر المؤمنين إذ لا تكافؤ في حساب البشر بل قد ترجح كفة الأعداء لتقدمهم عدة وكثرتهم عدداً، ولكن الله يصنع لعباده الصادقين ويدافع عن الذين آمنوا، فيا من استبعد نصر الله، وغرَّهم تقدم عدوهم وأرعبهم شدة مكرهم: ألا فلنعلم أنه ما مكن أعداءنا من ديارنا وأحكموا قبضتهم في مصيرنا إلا ذنوبنا وتخاذلنا في أمر ربنا، حقيقة لا نتسلى بها ولكننا نقرؤها سنة إلهية في كتاب ربنا: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:165].

ثم ختام هذه الدروس وخاتمها تلك الهمة التي صنعها المربي الأول -صلى الله عليه وسلم- في نفوس أصحابه حتى تعلقت بالباقيات واشتغلت بالصالحات؛ فأين ذلك الجيل من جيلنا؟ وأين أولئك الشباب من شباب طاشت عقولهم وساءت أخلاقهم فصارت الفوضوية وأذية عباد الله متعة يتنادون لها ويجتمعون من أجلها؟ فإلى الله المشتكى!.

اللهم...