البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | سعد بن تركي الخثلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
النفس تميل للهوى لكنها كالدابة الجموح التي تريد أن تنطلق براكبها من غير زمام، ولكن إذا أمسك الراكب بزمامها وسار بها إلى الطريق الموصل وصل، أما إن ترك هذه الدابة تسير به من غير أخذ بزمامها فسيجد نفسه في النهاية قد شردت به هذه الدابة وأضاع الطريق ..
الخطبة الأولى:
إن الحمدلله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله الله -تعالى- بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون-، اتقوا الله حق التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
عباد الله: خلق الله الإنسان من العدم، ولم يكن شيئا مذكورا: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) [الإنسان:1].
خلقه لغاية عظيمة، وهي تحقيق العبودية لله -سبحانه-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56].
ومن حكمة الله -عز وجل-: أن سلط على الإنسان في هذه الحياة أعداء، وأمر بمحاربتها وجهادها، سلطت عليه امتحانا وابتلاء: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ) [الفرقان:20].
وأعطى الله -تعالى- العبد مددا وعدة وأعوانا وسلاحا لهذا الجهاد، وبلى كلا الفريقين بالآخر.
وإن من أعظم ما يحتاج إلى مجاهدة: النفس والشيطان، ثم الأعداء الخارجون من الكفار والمنافقين.
وما لم يتمكن الإنسان من جهاد النفس ومن جهاد الشيطان، فإنه لا يمكنه مجاهدة عدوه الخارجي.
أرأيتم لو أن رجلا ذهب ليجاهد الكفار ودخل أرض المعركة لقتالهم لكنه يريد بذلك رياءً أو سمعة؛ فهل قتاله لأعداء الله هل هو جهاد في سبيل الله؟ وهل يؤجر عليه؟
كلا، بل هو وبال عليه وسيكون حسرة وندامة عليه يوم القيامة.
فتبين بهذا أن جهاد أعداء الله في الخارج فرع عن جهاد النفس والشيطان، وهذا يبين أهمية هذا الجهاد وعظم شأنه ومنزلته.
عباد الله: وقبل الحديث عن جهاد النفس، وآثاره الحميدة، لا بد من التعرف على طبيعة هذه النفس، وما تميل إليه وتتجه إليه، حتى يسهل بالتالي جهادها ومجاهدتها، وإن هذا الأمر من الأمور المهمة التي ينبغي أن يفقهها كل مسلم وأن يعيها، فالنفس تدعو إلى الطغيان وإلى الهوى وإلى إيثار الحياة الدنيا، ولهذا أمر الله -تعالى- بنهيه عن الهوى، فقال سبحانه: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41].
فالنفس بطبعها تميل وتنجرف إلى الهوى، فهي تحتاج إلى جهاد ومجاهدة، وإلا أوقعت الإنسان في الهلاك: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف:53].
النفس تأمر بالشح، وعدم الإنفاق في سبيل الله: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9].
تسمح النفس ببذل الملايين في سبيل البذخ والإسراف، ولا تسمح بالريال للفقير والمحتاج، النفس تكره مشقة الطاعة وإن كانت تعقب لذة دائمة، وتحب لذة الراحة وإن كان تعقب حسرة وندامة، فهي تكره قيام الليل، وصيام النهار، تكره التبكير بالذهاب للمسجد، كم من إنسان يجلس بالساعات في المجالس وفي المقاهي وفي الأسواق وعلى الإنترنت، لكنه يبخل بالدقائق بالدقائق القليلة يجلسها بالمسجد.
عباد الله: وإذا علم العبد أن طبيعة نفسه كذلك فينبغي له أن يعبأ نفسه لمجاهدتها حتى تستقيم على طاعة الله، وحتى تتروض هذه النفس، وحتى تصير نفسا مطمئنة، فإن النفس تارة تكون أمارة بالسوء، وتارة تكون لوامة تلوم صاحبها بعد وقوعه بالسوء، وتارة مطمئنة وهي التي تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، وكونها مطمئنة وصف مدح لها، وكونها أمارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم، قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: "ولما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعا عن جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه" [أحمد: 24004، وقال شعيب الأَرنَؤُوط: "إسناده صحيح"].
كان جهاد النفس مقدما على جهاد العدو في الخارج وأصلا له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولا لتفعل ما أمرت به، وتترك ما نهيت عنه، لم يمكنه جهاد عدوه في الخارج؛ فكيف يمكنه جهاد عدوه والانتصار منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له، ومتسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج؟".
عباد الله: والناس في هذا على قسمين: قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته، وصار مطيعا لها، بل صار عبدا لهواه وشهواته، نعم، أيكون الإنسان عبدا لهواه، أيتخذ إلهه هواه؟! نعم ألا تستمع إلى قول الله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان: 43].
فبعض الناس قد اتخذ إلهه هواه، كل ما هوت نفسه شيئا طاوعها فأصبح كالعبد لهذا الهوى وأصبح أسيرا لنفسه ولشهواته وملذاته، فهذا يصدق عليه تصدق عليه هذه الآية: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان: 43].
والقسم الثاني: قسم ظفر بنفسه وجاهدها أشد المجاهدة، حتى قهرها فصارت مطيعة لله منقادة تعمل الأعمال الصالحة بيسر وسهولة.
وقد ذكر الله -تعالى- القسمين بقوله سبحانه: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:37-41].
عباد الله: وجهاد النفس يكون بمحاسبتها أشد المحاسبة عما يصدر عنها من تصرفات، كما قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18].
وقد كانت محاسبة النفس دأب الصالحين من قبلنا، قال ميمون بن مهران -رحمه الله-: "لا يكون العبد تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه".
ولهذا قيل: "النفس كالشريك الخوان إن لم تحاسبه ذهب بمالك".
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على الله: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18].
وكتب إلى بعض عماله: "حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضى والغبطة، ومن ألهته حياته وأشغلته، عاد أمره إلى الندامة".
وقال الحسن -رحمه الله-: "إنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة".
وإن مما يعين الإنسان على محاسبة نفسه: معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح غدا إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غدا في: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89].
فحق على العاقل الحازم حق على المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه بحركاتها وسكناتها وخطواتها وخطراتها، وإنما يظهر التغابن بين من حاسب نفسه اليوم وبين من أهملها، إنما يظهر ذلك يوم التغابن يوم القيامة: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران:30].
عباد الله: ينبغي أن تكون محاسبة النفس منهجا للمسلم في حياته ممتثلا أمر ربه في قوله: (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18].
يحاسبها فينظر إلى وجوه التقصير عنده فيحرص على تلافيها، وينبغي أن يعقب هذه المحاسبة ما يسميه السلف الصالح: بمشارطة النفس، ويسميه بعض الناس اليوم لغة العصر: التخطيط للوقت، فمثلا رجل حاسب نفسه فوجد أن من وجوه التقصير عنده أنه لا يصلي بعض الصلوات مع الجماعة في المسجد فيشارط نفسه من الغد، بل يشارط نفسه من الآن على ألا تفوته الصلاة مع الجماعة في المسجد، ويتخذ الوسائل المعينة لذلك، وهكذا إذا كان الإنسان على جانب من المحاسبة والمشارطة للنفس فإن النفس تزكو، وإذا زكت أفلحت: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [الشمس:9].
وأما عندما تنعدم المحاسبة، ويمر على الإنسان الليالي والأيام والشهور والأعوام والمواسم تلو المواسم، وهو يعيش في غفلة لم يحاسب نفسه يوما، فإنه سيتفاجئ بساعة النقلة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، سيتفاجئ بتلك الساعة ويندم حين لا ينفع الندم: (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:10].
وهذا هو الذي قد خاب حقا عندما يغفل عن محاسبة النفس، وتقوده النفس إلى الهوى، فيندم عندما يلقى الله -عز وجل- ولا بد من لقاء الله -سبحانه- مهما كدح الإنسان في هذه الحياة: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الإنشقاق:6].
فمن عُني بمحاسبة النفس فسيُسر ويغتبط عندما يلقى الله -تعالى-، أما من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فإنه سيندم حين لا ينفع الندم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين جميعا فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
عباد الله: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات" [مسلم:7308].
فطريق الجنة محفوف بالمكاره، فالنفس بطبعها تميل عن هذا الطريق، فتحتاج إلى نهي حتى تسلك هذا الطريق الموصل للفلاح، وأما طريق النار فإنه محفوف بالشهوات، فالنفس بطبعها تميل إليه، فتحتاج إلى نهي حتى تترك هذا الطريق المؤدية إلى الخسران: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى) [النازعات:40-41].
وتأمل قوله: (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى) [النازعات:40].
فالهوى هو طريق النار المحفوف بالشهوات، فالنفس بطبيعتها تميل إليه فمن نهاها وخاف مقام ربه فإن الجنة هي المأوى، أما من أطلق لنفسه عنان ولم ينهها فإن النفس تقوده إلى الردى.
عباد الله: إن سياسة النفس عجيبة، وتحتاج إلى أن يكون لدى المسلم فهم وفقه لهذه السياسة، النفس تميل للهوى لكنها كالدابة الجموح التي تريد أن تنطلق براكبها من غير زمام، ولكن إذا أمسك الراكب بزمامها وسار بها إلى الطريق الموصل وصل، أما إن ترك هذه الدابة تسير به من غير أخذ بزمامها فسيجد نفسه في النهاية قد شردت به هذه الدابة وأضاع الطريق.
ومن طبيعة النفس أنها إذا رأت من الإنسان حزما وعزما فإنها تنقاد له، وإذا رأت منه ضعفا وترددا مالت به للهوى، فعلى سبيل المثال من ينام وهو متردد في القيام لصلاة الفجر سيجد ثقلا كبيرا وسيجد أن نفسه تغلبه ولن يقوم لأداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد في الغالب، أما من نام وقد عزم عزيمة قوية على القيام لصلاة الفجر واتخذ قرارا حاسما بأنه لا بد أن يقوم لصلاة الفجر، واتخذ من الوسائل ما يعينه على ذلك فإن هذا لن يجد صعوبة في الاستيقاظ وقت صلاة الفجر وفي أدائها مع الجماعة في المسجد، أرأيتم الفرق بين الأول والثاني؟ فالأول عنده ضعف وتردد وضعف عزيمة، والثاني عنده قوة عزيمة وعنده اهتمام كبير واتخذ قرارا بأنه لا بد أن يصلي مع الجماعة في المسجد، هذا القرار وهذه العزيمة هي من أكبر العون للإنسان على أن يحقق هذا الهدف وأن يؤدي الصلاة مع الجماعة في المسجد.
ومن طبيعة النفس كذلك أنها إذا اعتادت شيئا من الشهوات المحرمة فإنه يصعب عليها فطامها منها، ولكن إذا وجدت قوة وعزيمة من الإنسان فسرعان ما تنفطم، ويشبهها بعضهم بالطفل الرضيع، فإنه يريد الاستمرار في الرضاع فإذا فطم عن الرضاع تألم يوما أو يومين أو ثلاثة ثم إذا به يتعود على الفطام، وهكذا النفس إذا فطمت عن بعض ما ألفته قد تتألم ثم سرعان ما تنفطم.
والنفس كالطفل إن تهمله شب على | حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم |
على سبيل المثال: من اعتاد إطلاق بصره إلى ما حرم الله إذا أراد نهي نفسه عن ذلك، فقد يجد فقد يجد صعوبة في بداية الأمر، ولكن سرعان ما تنفطم نفسه مع المجاهدة، وتنقاد له، وهذا الانقياد من النفس للإنسان هذا الانقياد، هذا الانقياد من النفس للإنسان حتى تستقيم على طاعة الله -عز وجل- هو التيسير لليسرى الذي ذكره الله -تعالى- في قوله: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) [الليل:5-7] أي أن الإنسان يؤدي الطاعات بسهولة ويسر من غير أن يجد كلفة ولا صعوبة ولا مشقة، وهذا هذا من التيسير لليسرى هذا من التوفيق الذي يوفق الله -تعالى- له بعض الناس، فتجد بعض الناس لا يجد أدنى صعوبة أو مشقة في القيام لصلاة الفجر، أو في صيام النوافل، أو في البذل والإنفاق في سبيل الله، بينما تجد آخرين يجدون صعوبة وثقلا وترددا، كما قال الله -تعالى- في شأن الصلاة: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].
والفرق بينهما أن الأول قد يُسر لليسرى، وهو يأتي بالطاعات بسهولة ويسر من غير كلفة ومشقة، أما الآخر فلم ييسر لليسرى، وهذا يرجع إلى فقه طبيعة النفس وسياسة النفس.
فينبغي -يا عباد الله- العناية بهذه المسألة، وأن يكون لدى الإنسان فقه ومعرفة بطبيعة نفسه، وأن النفس بطبعها تريد أن تنجرف به للهوى، فهي تحتاج منه إلى نهي تحتاج منه إلى مراقبة، وتحتاج منه إلى محاسبة حتى تستقيم على طاعة الله -عز وجل-، فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا في دار ابتلاء وامتحان، ولا تصفو هذه الحياة الدنيا لأحد: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ) [البلد:4].
وإذا كان كذلك فإن المسلم عليه أن يجتهد في جهاد النفس والشيطان حتى تستقيم نفسه على طاعة الله -عز وجل-، وحتى يفوز بالنعيم العظيم الذي ليس فيه نصب ولا وصب، ولا هم ولا غم، ولا تعب في دار النعيم، في جنة عرضها السموات والارض، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لكنها لا تحصل للإنسان إلا إذا جاهد نفسه في هذه الحياة الدنيا حتى تستقيم على طاعة الله -عز وجل-.
اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى، اللهم يسرنا لليسرى، وجنبنا العسرى.
اللهم وفقنا لئن نطيعك وأن نعبدك كما تحب وترضى.
اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك، وعلى حسن عبادتك.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أدم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، ورغد العيش والوحدة، واجتماع الكلمة، واجعلها عونا لنا على طاعتك ومرضاتك، واجعلنا لنعمك، وآلائك شاكرين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم وفقنا إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ربنا إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].
اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.