الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | تركي بن علي الميمان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
وَالْتَفِتْ يَمنَةً تَرَ مُهمِلاً بَيتَهُ مُقَصِّرًا في تَربِيَةِ مَن تَحتَ يَدِهِ، وَتَأَمَّلْ تَجِدْ مَن هُوَ خَائِنٌ أَمَانَتَهُ مُقَصِّرٌ في وَظِيفَتِهِ، مُستَوفٍ الأَجرَ غَيرُ مُتقِنٍ لِلعَمَلِ، وَمَن هُوَ مُرتَشٍ أَو غَاشٌّ، وَكَم تَرَى مِن...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]. أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللهِ: يَسْعَى الْعُقَلاءُ كُلُّهُمْ في مَطْلُوبٍ وَاحِدٍ (وَإِنِ اخْتَلَفَتْ طُرُقُهُمْ فِي تَحْصِيلِه)؛ إِنَّهم يَسْعَوْنَ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ عَنْ نُفُوسِهِمْ؛ فَهَذَا بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وذاكَ بِالتِّجَارَةِ وَالْكَسْبِ، وهذا بِاللَّهْوِ واللَّعِبِ، ولَكِنَّ كثيرًا مِنْ تِلكَ الطُّرُق؛ لا تُوْصِلُ إلى المَقْصُود! قالَ ابْنُ القَيِّم: "وَلَمْ أَرَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الطُّرُقِ طَرِيقًا مُوَصِّلَةً إِلَيْهِ إِلَّا الْإِقْبَالَ عَلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَمُعَامَلَتَهُ وَحْدَهُ، وَإِيثَارَ مَرْضَاتِهِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ".
فَإِلَيْكُمْ عَدَدًا مِن الأَدْويَةِ الربَّانِيَّة، والوَصَفَاتِ النَّبَوِيَّة، التي تُعَالِجُ الهَمَّ، وتَكْشِفُ الغَمّ؛ فَأَوَّلُهَا وأَعْظَمُهَا: تَوْحِيْدُ الله؛ فَمَا دُفِعَتْ شَدَائِدُ الدُّنْيَا بِمِثْلِ التَّوْحِيد؛ وَلذَلِك كَانتْ دَعْوَةُ يُوْنُسَ بالتوحيد، الَّتِي مَا دَعَا بهَا مَكْرُوبٌ؛ إِلَّا فَرَّجَ اللهُ هَمَّه! (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الأنبياء: 87- 88].
والصَّلاةُ مِنْ أَكْبَرِ الأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ التي تُفْرِحُ الْقَلْبَ وَتُقَوِّيه؛ لاتِّصَالِهِ بِاللَّهِ، وَالتَّنَعُّمِ بِذِكْرِهِ، والِابْتِهَاجِ بِقُرْبِه، وكانَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- كانَ إِذا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى(رواه أحمد)! قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)[البقرة:45].
والإِيمانُ بِقَضَاءِ اللهِ، وَالرِّضَا بِهِ: وأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصْلَحَتِه، وأَرْحَمُ مِنْهُ بِنَفْسِهِ؛ يُذْهِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْهَمَّ وَالْتَّحَسُّر، وَيَفْتَحُ لَهُ جَنَّةَ الدُّنْيَا قَبْلَ جَنَّةِ الآخِرَة، قال ابْنُ مَسْعُود: "إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ وَالْفَرَحَ فِي الْيَقِينِ وَالرِّضَا، وَجَعَلَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فِي الشَّكِّ وَالسُّخْطِ"(رواه أبوداود).
ومَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ؛ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيْقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (رواه أبوداود)؛ فَالذُّنُوبُ كالسُّمُومِ؛ تُوَلِّدُ الهُمُوم، والاسْتِغْفَارُ يُطَهِّرُهَا، وأَخْبَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؛ أَنَّ الهُمُومَ والأحزان؛ مُكَفِّرَاتُ الذُّنُوبِ والآثام؛ فَفِيْ الحَدِيْث: "مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ، مِنْ نَصَبٍ وَلاَ وَصَبٍ، وَلاَ هَمٍّ وَلاَ حُزْنٍ، وَلاَ أَذًى وَلاَ غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَة يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"(رواه البخاري، ومسلم) قال ابنُ الجَوْزِي: "وَأنا أَقُوْلُ عن نَفْسِي: ما نَزَلَتْ بي آفَةٌ أو غَمٌ أو ضِيْقُ صَدْر، إلا بِزَلَلٍ أَعْرِفُه!".
والإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ الله: يُزِيلُ الهَمَّ والغَمَّ عن القَلْب، فَهُوَ حَيَاةُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، فَإِذَا هَجَرَ الْعَبْدُ الذِّكْرَ: عَلَتْهُ الْكَآبَةُ، وَغَمَرَتْهُ الهُمُومُ.
والقَنَاعَةُ مِنَ الدُّنْيَا تُرِيْحُ القَلْبَ والبَدَن، والتَّعَلُّقُ الزَّائِدُ بالدُّنيا يُشَتِّتُ القَلْبَ، ويَجْمَعُ الهَمَّ! قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل:97]. قَالَ بَعْضُ السَّلَف: "الْحَيَاةُ الطَّيِّبَةُ: هِيَ الرِّضَا وَالْقَنَاعَةُ".
والإِحْسَانُ إلى الخَلْقِ يُزِيْلُ الهَمَّ والغَمَّ، ولَـمَّا كانَ البَخِيلُ مَحْبُوْسًا عن الإحسان؛ كانَ جَزَاؤُهُ مِنْ جِنْسِ عَمَلِه، فَهُوَ ضَيِّقُ الصَدْر، كَثِيرُ الهَمِّ والحَزَن.
وَمَنْ تَرَكَ الحَسَد طابَ عَيْشُه، وَقَلَّ هَمُّهُ وغَمُّه، والعَفْوُ والصَّفْحُ يُخَفِّفُ الهُمُوم، وَيُقَلِّلُ الخُصُوم!
لَمّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ | أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ العَدَاوَاتِ |
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
أَمَّا بَعْد: الدُّعَاءُ سِلاحُ المُؤْمِن، أَمَامَ أَعَاصِيْرِ الهُمُوم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي؛ إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا"(رواه أحمد، وصححه الألباني).
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذَكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.