العربية
المؤلف | حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إنَّ المسلمين اليومَ بحاجةٍ لمراجعةِ منهَج المدرسةِ الأخلاقيّة العظمى، وفي ضرورةٍ لتحقيق مدرسةِ قواعدِ الفضائل العُليا. تلك المدرسةُ التي تضمَّنت المبادئَ الكبرى للمحبَّة والوئام والأصولَ العُظمى للخِصال الكِرام، إنه منهجُ مدرسةِ الإسلام التي حرصت على تأصيل أسبابِ المحبَّة بين المسلمين، وبذرِ قواعِد ..
الخطبة الأولى:
أمّا بعد:
فيا أيّها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي سببُ كلِّ سعادة ونجاح وطريقُ كلِّ فوزٍ وفلاح.
معاشرَ المؤمنين: إنَّ المسلمين اليومَ تتقاذفُ بهم أمواجُ الفتَن، وتحيطُ بهم أسبابُ التفرُّق والشرور والإحن، يسعى الأعداءُ لتفريق صفوفهم، ويبذُلون كلَّ جهدٍ لبذرِ أسبابِ العداء بين أبنائهم، يفرَحون بخرقِ صفِّ المسلمين وتفريق كلِمتهم، ويسعَدون ببثِّ روح التباغُض في مجتمعاتهم وفُشوِّ الكراهيَّة بين شبابهم. وحينئذٍ؛ فما أحوجَ المسلمين اليومَ للالتزام بالمنهجِ الذي تصفو به قلوبُهم، وتسلَم معه صدورُهم، وتُنشَر من خلاله مبادئُ المحبَّة والوئام في مجتمعاتهم.
إنَّ المسلمين اليومَ بحاجةٍ لمراجعةِ منهَج المدرسةِ الأخلاقيّة العظمى، وفي ضرورةٍ لتحقيق مدرسةِ قواعدِ الفضائل العُليا. تلك المدرسةُ التي تضمَّنت المبادئَ الكبرى للمحبَّة والوئام والأصولَ العُظمى للخِصال الكِرام، إنه منهجُ مدرسةِ الإسلام التي حرصت على تأصيل أسبابِ المحبَّة بين المسلمين، وبذرِ قواعِد الأخوَّة والألفة بين المؤمنين، يقول ربّنا جلّ وعلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10] ويقول نبيّنا صلى الله عليه وسلم: "وكونوا عبادَ الله إخوانا".
ذلكم أنّ تلك المبادئَ الكريمة وهذه الفضائلَ العظيمة تقودُ الأمّةَ إلى كلّ خير، وتحقِّق لهم كلَّ منفَعة. مبادئ هي أساسُ استقامة مجتمعاتهم وسعادةِ حياتهم وتحقيق مصالحهم، ولهذا يقول الحكماء: "وكلُّ قومٍ إذا تحابّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عملوا عَمَّرُوا، وإذا عَمَّرُوا عُمِّرُوا وبُورك لهم".
ولهذا ففي أفضلِ عصرٍ وأعظم دولة صلاحًا وازدهارًا يقول المولى جلّ وعلا في شأنِ الأنصار مع المهاجرين: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) [الحشر:9].
ومن هذا المنطلقِ وجَّه نبيُّنا وسيِّدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وجَّه رسالتَه الخالدةَ لهذه الأمّة حيث يقول: " لا تحاسَدوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظلِمه ولا يخذله ولا يحقره. كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمُه ومالُه وعرضه " متفق عليه.
أمةَ الإسلام: وفي ظلِّ هذا المنهجِ العظيم يجب أن يعيشَ المسلم في مجتمعه، يزاولُ حياتَه، ويقومُ بنشاطاته، وهو مرتبطٌ بإخوانه المسلمين برابطةٍ هي أعظمُ الروابط، وآصِرة هي أوثقُ الأواصِر، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: " المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا " وشبَّك بين أصابعه. متفق عليه.
إخوةَ الإسلام: في ظلِّ منهج سيِّد البشرية وخير البرية يجبُ أن يعيشَ الفردُ المسلم متّصِفًا بصفاتٍ فُضلى متحلِّيًا بمعاني كبرى، قاعدتُها وأصلها الجامع أن يعيشَ في مجتمعه المسلم محِبًّا لإخوانه المسلمين ما يحبّ لنفسه، كارهًا لهم ما يكرَه لنفسِه، يقول صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمِن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبّ لنفسه " متفق عليه.
ويقول صلى الله عليه وسلم -موجِّهًا أمَّته بهذه الوثيقة الخالدة العظيمة-: " وإنَّ أمَّتكم هذه جُعِلَ عافيتُها في أوَّلها، وسيصيبُ آخرَها بلاءٌ وأمورٌ تنكرونها، وتجيء فتنةٌ فيرقِّق بعضها بعضًا، وتجيء الفتنةُ فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشِف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحبَّ أن يُدْخَلَ الجنةَ ويُزَحزَح عن النار فلتأتِه منيّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يحبُّ أن يؤتى إليه " الحديث أخرجه الشيخان.
قاعدةٌ نبويّة محمّدَّية تتضمَّن كلَّ المعاني الخيِّرة والمبادئ الطيبة والأخلاق الكريمة، قاعدةٌ يوجِّهها أكملُ الناس خُلُقًا وبِرًّا وفضلاً، تقتضي هذه القاعدةُ الثابتة على مرِّ الأزمان واختلاف الأحوال، تقتضي وتتضمَّن لزومَ الاتِّصاف والالتزام بمعاني الألفة والإخاءِ والرَّأفة والرحمة والرِّفقِ والعطف وحُسن العشرة والمعاملة والإيثار والمواساة وتفريج الكرُبات وقضاء الحاجات، وفي هذه المعاني السَّامية والفضائل العالية يقول حبيبُنا وسيّدنا عليه أفضل الصلاة والسلام واصفًا ما ينبغي أن يكونَ عليه المجتمعُ، يقول عليه الصلاة والسلام: " مثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائُر الجسَد بالسَّهر والحمَّى " متفق عليه، ويقول عليه الصلاة والسلام وهو الرحيمُ المشفق: "ومن كان في حاجةِ أخيه كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلمٍ كُربة فرَّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة، ومن سَتَر مسلمًا ستَره الله في الدّنيا والآخرة" متفق عليه.
قاعدةٌ نبويَّة تقضي بوجوبِ البُعد عن التحاسُد والتباغض في مجتمعات المسلمين، وتقضي بتحريمِ الإضرار والإيذاء للمؤمنين، يقول ربُّنا جل وعلا: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58] ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تحاسَدوا، ولا تناجَشوا، ولا تباغَضوا، ولا تدابَروا، ولا يبِعْ بعضكم على بيع بعض، وكونوا عبادَ الله إخوانًا. المسلم أخو المسلم؛ لا يظلِمه ولا يخذله ولا يحقّره. بحسب امرئٍ من الشرّ أن يحقرَ أخاه المسلم. كلُّ المسلم على المسلم حرام: دمُهُ وماله وعرضه" رواه مسلم، ويقول صلى الله عليه وسلم مؤصِّلاً قواعدَ المجتمع المسلم: " لا ضرَرَ ولا ضِرار".
معاشرَ المسلمين: هذه ثوابتُنا الإسلاميّة، وتلك أصولُ بناء المجتمعاتِ المحمديَّة، أصولٌ تحارِب العبثَ بالأمن، وتصادِم الإضرارَ بالبلاد والعباد، وتمنَع الإفسادَ والفسادَ. ألاَ فليكُن كلُّ مسلمٍ ملتزِمًا بهذه المعاني السامية، متَّصِفًا بهذه التوجيهاتِ الكريمة، ليحيا في مجتمعه محِبًّا محبوبًا، رحيمًا مرحومًا، عندئذ يحيا حياةً طيّبة ويعيش عيشة مرضيّة، فربُّنا جلّ وعلا يقول: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ) [التوبة:71] ونبيّنا صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتى تحابّوا، أولا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم " رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما في السنّة والبيان، أقول هذا القولَ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له ربُّ العالمين، وأشهد أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّد الأنبياء والمرسلين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد:
فيا أيها المؤمنون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فهي وصيَّةُ الله جلّ وعلا للأولين والآخرين.
عباد الله: إنَّ أعداءَ هذا الدّين لا يألون في الفساد والإفساد لأهل الإسلام، فهم في عملٍ دؤوب لزرع روحِ التباغُض بين المسلمين، وبذرِ أسباب التدابُر بين المؤمنين. وإنَّ الواجبَ على المسلمين في كلِّ مكان وقد أصَّل لهم دينُهم طرقَ الخيرات وأسبابَ الفلاح والمسرَّات أن يثبُتُوا على وصايا هذا الدين كالجبال الراسيات، وأن يُلزِموا أنفسَهم بتلك التوجيهاتِ المباركات.
وإنَّ أهلَ هذه البلادِ بلادِ الحرمين وهم يعيشون نِعَمًا عُظمى وخيراتٍ جُلَّى، فهم محسودُون من أعداء الإسلام والمسلمين، لذا حَريٌّ بأهلها وحريٌّ بأهل الإسلام في كلِّ مكان الاجتماعُ على السنّة والهدى، والتعاونُ على البرّ والتقوى، وواجبٌ على المسلمين في هذه البلاد أن يكونوا يدًا واحدةً مع ولاةِ أمورهم ومع علمائهم لتحقيقِ المنافعِ الخيِّرة والمصالح المرجوَّة، وأن يحذَر الجميع أسبابَ التدابرُ والتباغض وطرقَ التنازع والتفرُّق؛ حتى يسلمَ للناسِ دينهم، وتسلمَ لهم دنياهم، ويعيشوا في ظلِّ أمن وأمان ورغدٍ ورَخاء.
ثم إنَّ الله جلَّ وعلا أمرنا بأمرٍ عظيم تزكو به حياتُنا وتسعَد به أُخرانا، ألا وهو الصلاةُ والسلام على النبيّ الكريم.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على سيّدنا ونبيّنا محمّد، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين...