البحث

عبارات مقترحة:

الحفيظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...

البصير

(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...

المجيد

كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...

أثر الصدقة في حياة المسلم

العربية

المؤلف محمد عدنان الأفيوني
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. حاجة أهلنا للمساعدات .
  2. منزلة الصدقة .
  3. فضلها .
  4. ثوابها .

اقتباس

ولكن ثواب الصدقة لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل يعلو ويعلو ليكون طهارة للقلب، قال ربي -تبارك وتعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة:103].

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها الإخوة المؤمنون: كلما اقترب شهر رمضان من الرحيل كلما زاد حرص المؤمنين على اغتنام ما بقي من أيامه وساعاته، كلما اقترب شهر رمضان من الرحيل ازداد حرص المؤمنين على تقربهم إلى الله -تبارك وتعالى- بعمل صالح يضمن لهم ثواب الجنة وعتق النار، يضمن لهم أن يكونوا مع الأبرار، يضمن لهم سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.

اليوم -أيها الكرام- نفتح بابا من أبواب الخير، نفتح بابا من أبواب العطاء الإلهي الكبير، نذكر به المؤمنين؛ عسى الله -عز وجل- أن ينفع به.

في هذه الظروف الصعبة التي يعاني فيها الناس عموما في بلدنا الحبيب، ويعاني فيها اليتامى والأيامى والأرامل، يعاني فيها الفقراء والمساكين والذين شردوا عن ديارهم وعن بلادهم، عن هؤلاء -أيها السادة-... عسى الله أن ينفع بهذا الذي نذكر به اليوم.

هذه الثلة من المؤمنين من أهل الإسلام من هذا الوطن الذي يجول في خواطر الكثيرين أنه بلد الخير وأنه بلد النور وأنه بلد التكافل وأنه بلد الرحمة، عسى الله -تبارك وتعالى- أن يرفع عن الأمة مرارة الجوع، وذل المسكنة، وقسوة الأيام.

وحقيقة التشرد وحزن الفراق وألمه ما يعرفه إلا الذي يعانيه، ألم لا يرفعه من القلوب إلا الله -تبارك وتعالى-، ولا يخفف عنه إلا نفوس مؤمنة، إلا نفوس طاهرة استشعرت معاناة إخوتهم فجاؤوا يكفلونهم، يتعاونون معهم على البر والتقوى، يحاولون أن يرفعوا عن إخوتهم مرارة الأيام.

وهم بذلك يتقربون إلى الله -تبارك وتعالى-، يبذلون من أموالهم، يتفقدون إخوانهم، يطعمون الطعام، ويتفقدون أحوال الناس، يفعلون ذلك ابتغاء مرضاة الله -تبارك وتعالى-، وحبا له، ورغبة فيما عنده من الثواب.

وهؤلاء -أيها الإخوة- سيكرمهم ربي -تبارك وتعالى-، سيجبر خواطرهم، سيحقق آمالهم؛ ذلك أنهم ترجموا حقيقة عبوديتهم لربهم، واستجابوا لأمره لما ناداهم وقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- يخاطبهم: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ) [إبراهيم:31].

(قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ)، يخاطبكم أنتم، يذكركم أنتم، يناديكم أنتم، لما استجابوا لربهم وبذلوا من أموالهم ومسحوا عن قلوب المؤمنين الذين يتألمون مسحوا جراحات الأيام، وآثار ظروف قاهرة، ظروف صعبة، لما استجابوا لربهم؛ أعطاهم ربنا -تبارك وتعالى- أعظم ما يأملون، أفضل ما يأملون، أعطاهم الجنة.

ذلك أن الله -تبارك وتعالى- يقول ويذكر: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:5-12].

هؤلاء هم الذين سيكرمهم ربهم -تبارك وتعالى-، وكيف لا يكرمهم وقد برهنوا برهانا صادقا على أن أمر الله -تبارك وتعالى- هو أحب إلى قلوبهم من المال؟ صحيح أن المال غالٍ، وصحيح أنه أحب إلى النفس من كل شيء في هذه الحياة، والله -عز وجل- يقول: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)؛ لكنه، مع مكانته في القلب، عند أهل الإيمان ليس أقرب ولا أفضل ولا أعظم من أمر الله -عز وجل-. الله هو الأعظم، الله هو الأقرب، الله هو الأحب، عندما ينادينا نستجيب، عندما يدعونا نلبي، عندما يأمرنا نقول بطيب نفس: أمرك يا رب! على العين والرأس!.

من أجل ذلك كان الخير -أيها السادة- في يدي هذه الأمة التي تستجيب لنداء الله -تبارك وتعالى- لما أراد أن يجعل من المال محنة لا يخرج منها الإنسان إلا إذا بذل منها ما يرضي الله -تبارك وتعالى- ويسعد الفقير.

وعجيب -أيها السادة- عجيب أمر الصدقة، ما رأيت لمثلها في الثواب مكانة، عجيب أمر الصدقة وهي تطهر، وهي تنمي، وهي تزيد، وهي تضاعف للمؤمنين، ليس ثوابهم، لكن تضاعف للباذلين المتصدقين ما أنفقوه أضعافا مضاعفة، والذين يتصدقون إنما يقرضون الله -عز وجل-: (مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد:11].

أرأيتم؟ لما نتعامل مع الفقراء إنما ندخر عند الله -تبارك وتعالى-، وقد بلغنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الصدقة لتقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف الفقير، وعندما يبذل أهل الإيمان أموالهم يعلمون أنهم يقرضون الله، يعلمون أنهم يدخرون عند الله -تبارك وتعالى-.

ولكن ثواب صدقة لا يتوقف عند هذا الحد؛ بل يعلو ويعلو ليكون طهارة للقلب، قال ربي -تبارك وتعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة:103].

(تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم)، تطهر نفس الغني من الشح، والشح شجرة في النار أغصانها متدلية إلى الدنيا، من أخذ بغصن منها دخل النار.

تطهر نفس الغني من لعاعة الدنيا وحبها، تطهر نفوس الأغنياء من أثرة المال وعبودية المال، وتطهر المال من حق الفقير فيه فيبارك الله للمال الطاهر، ينميه ويزيده، وما الزكاة إلا الزيادة والطهارة.

ثم هي بعد ذلك طهارة لنفس الفقير من الحقد على الأغنياء والحسد على ما أولاهم ربنا -تبارك وتعالى-؛ لأن الغني عندما يعطي للفقير يولد المحبة بين أفراد المجتمع، عندما يعطي الأغنياء أموالهم للفقراء الفقير صار ما يحقد على الغني، بل صار يحبه؛ لأنه يراه سببا في رفع الهم عنه في كفايته، في معونته، وذلك هو سر من الأسرار -أيها السادة-.

لذلك؛ عندما نردد قول الله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا)، تزكيهم يعني تجعل من قلوبهم قلوبا مؤمنة.

الصدقة هي البرهان، الصلاة ممكن كل أحد يصلي، يقدر على الأعمال الصالحة بسهولة... لكن أن يزكي ماله أولا، ثم يتصدق بالصدقة نافلة بعد الزكاة، أن يطعم الطعام، أن يقدم ما يحتاجه الناس عن طيب نفس؛ فهذا لا يخرج إلا من أهل الإيمان.

عجيب أمر الصدقة وقد ضمنها ربي -تبارك وتعالى- من الثواب ما لا يعلمه الإنسان! من ثواب الصدقة أنها تطفئ غضب الرب، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن صدقة السر تطفئ غضب الرب"، "الراحمون يرحمهم الرحمان"، "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء". فإذا بصدقات الأغنياء تذهب عن الدنيا وعن الأمة وعن البلاد والعباد غضبا استحقوه ببعدهم عن الله -عز وجل-.

والصدقة تمحو الخطايا، والصدقة تظل صاحبها في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، كما ورد في الحديث: "كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الخلائق".

تصوروا أن الشمس الحارقة، الشمس التي تدنو من رؤوس الخلائق مقدار ميل ويغرق الناس بعرقهم، ومنهم من يصل عرقه كعبيه ومنهم من يصل عرقه إلى ركبتيه، إلى حقويه، إلى صدره، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، يومها، لما يتباكى الناس ويجأرون إلى الله ويتمنى أهل الموقف أن يزول الموقف ولو ذهب بهم إلى النار، يومها هناك أناس يستظلون، لكن في ظل عرش الله. أي ظل هذا؟ أي نعيم هذا؟ "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

إذاً -أيها السادة- كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الخلائق، تصور أنك في الظل وأنك لست في ظل أبنية ولا في ظل شجر، وإنما في ظل عرش الرحمن -عز وجل- على منابر من نور.

ومن ثواب الصدقة الذي تعرفونه أن الله -تبارك وتعالى- يجعلها برهانا على حقيقة الإيمان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الصلاة نور، والصدقة برهان"، الذي يتصدق يقول: يا رب، والله أمرك أحب إلى قلبي من المال الذي أحب.

فالإنسان لا يخرج ما يحب إلا لشيء هو أحب إليه، فعندما يخرجون المال الذي يحبونه لله إنما يخرجونه لأن حب الله في قلوبهم أكبر.

والصدقة -أيها السادة- تداوي مرضى المسلمين، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "داووا مرضاكم بالصدقة"، فإذا أردت وأعيا الطب علاج صديقك أو رفيقك أو والدك أو ولدك أو زوجتك، إذا أعياهم علاج الطب فداووا مرضاكم بالصدقة فإنها مجربة، وكم من عليل ما وُجد لشفائه سبيل لكن لما دخلوا من باب الصدقة عافى ربُّهم مريضهم؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

وعجيب أمر الصدقة عندما يجعل ربي -تبارك وتعالى- فيها من ثواب ومن خير عظيم يضاهي بل يتجاوز كل النوافل الأخرى، نافلة الصدقة خير من نافلة الصيام وخير من نافلة الصلاة وخير من نافلة الحج؛ لأن الصدقة إلى فقير ينتفع بها ويسعد، وما تعبد الله بأفضل من إدخال السرور على قلب المؤمن.

اسمعوا إلى الله -تبارك وتعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون:9-10].

(فَأَصَّدَّقَ)، ما قال: لأصلي! ما قال: لأحج! ولكن (لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ).

قال العلماء: لما صار في عالم البرزخ أدرك ثواب الأعمال فوجد ثواب التصدق خيرا من كل النوافل، فطلب من الله أن يرجع من أجل أن يفعله في هذه الدنيا.

أيها السادة: الصدقة خير الأعمال قاطبة، ومثال سيدنا عثمان بن عفان بين أيديكم شاهد على ذلك، عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- هذا الرجل العظيم الذي ملأ الله قلبه بالحب لله، بالنور، بالإيمان، والذي كان عضد الإسلام، والذي يخفف آلام إخوة الإيمان، كان يشتري العبيد يعتقهم، كان يبحث عن المؤلمين يعينهم، كان يشتري آبار الماء من أجل أن يشرب المؤمنون، آبار كثيرة كان يشتريها، اشترى بئر روما من يهودي وجعلها في سبيل الله -عز وجل-، ومن بئر روما -أيها السادة- هذا البئر الذي زرعوا حوله أشجار التمر والتي زادت حتى صار لهذه التجارة سوق رابحة فكانوا يقسمون المال قسمين: قسم ينفقونه على الفقراء والمحتاجين، وقسم يدخرونه، وبنوا فيه، وصار هذا رصيدا ينفق فيه على الفقراء والمحتاجين.

أيها السادة: عثمان بن عفان -رضي الله عنه وأرضاه- في يوم من الأيام، وكان جوادا كريما، حبيبكم -صلى الله عليه وسلم- يدعو الناس لتجهيز جيش العسرة، "من يجهز جيش العسرة؟"، وجاء الناس بالتمر وجاؤوا بالقمح وجاءوا بشيء من مال، والناس فقراء ما يملكون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حزين: "من يجهز جيش العسرة؟"، جيش ما عنده مال، كيف يصد الروم الذين جهزوا جيشهم للقضاء على المسلمين في المدينة؟ ونادى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من يجهز جيش العسرة؟"، وجاء الناس بأموالهم، لكن ما كانت تكفي، فإذا بسيدنا عثمان يقول: "أنا يا رسول الله، عليّ مائة من الإبل"، في وقت ما كانوا يملكون فيه الإبل، كانوا يتعاقبون خمسا على بعير! "أنا يا رسول الله، عليّ مائة من الإبل بأحمالها وأحلاسها وأقتابها"، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ينظر إليه: "جزاك الله خيرا يا عثمان"، ثم يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يجهز جيش العسرة؟"، والناس محتاجون إلى النوق والطعام، يقول عثمان مرة ثانية: "أنا يا رسول الله، علي مائة من الإبل بأحمالها وأقتابها وأحلاسها"، "جزاك الله خيرا يا عثمان"، ويجلس عثمان... رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول "من يجهز جيش العسرة؟"، يقوم عثمان بن عفان مرة ثالثة ويقول: "أنا يا رسول الله، علي مائة من الإبل بأحمالها وأقتابها وأحلاسها".

ثم جاء إلى داره وجاء بصرة مملوءة بالذهب، ثم وضعها بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "جهز جيشك يا رسول الله"، أنفق يا رسول الله، وجاء النبي يضع الذهب في حجره ويقلبه ويقول: "ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راضٍ، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم".

أرأيتم أهل الإنفاق -أيها السادة- كيف يجاوزن؟ وأنا لا أقلل من قيمة العبادة، ولكن ما قال لأهل الصفة الذين يجلسون في المسجد ليل نهار يتعبدون يصومون ويقرؤون القرآن ويصلون ويتجهدون، ما قال اللهم ارض عن أهل الصفة، ما قال إني راض عنهم، ذلك شأن عبادتهم بينهم وبين ربهم؛ لكن الذي يسعى على خدمة الناس سيرضى الله عنه ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في عالم برزخه: "اللهم ارض عن فلان فإني عنه راض".

أيها السادة: الأمر صعب ولكن أنتم أهله، وأنا -والله- يا إخوان أعرف أنكم لن تستطيعوا كفاية كل هذه الخلائق، لكن عندما نذكر ننصح أنفسنا نحن، الله سوف يغني الخلق، الله سوف ينفق عليهم، الله سوف يطعمهم، الله سوف يخفف آلامهم، لكن هنيئا لمن جعله الله سببا!.

أنا أذكركم من أجل أن نربح نحن، ربما يكون تصدقكم فوق ما أنفقتم، جزاكم الله خيرا، ربما يكون هذا فوق الذي فعلتم من الفرائض، وفوق ما فعلتم من النوافل، يكون في آخر أيام رمضان سببا للعتق من النار.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا...