الحسيب
(الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
الحب بالنسبة للعبادة ومقامه منها مقام الروح من الجسد، الحب -عباد الله- هو الذي يهيج النفس ويحركها إلى القيام بالعبادة وطاعة المحبوب –سبحانه- والبعد عن مناهيه، فالحب أساس للعبادة، بل هو روحها، لا قيام للعبادة إلا عليه.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، أحمده تبارك وتعالى كما يحب ويرضى، وأثني عليه الخير كله، لا أحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على وحيه، ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تقواه –سبحانه- خير زاد يبلغ إلى رضوان الله، ثم اعلموا -رحمكم الله- أن العبادة التي خلقنا الله لأجلها، وأوجدنا لتحقيقها -كما قال سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات: 56]- لا تقوم إلا على ثلاث ركائز لا بد منها، قيام العبادة عليها، ولا قيام لها إلا بها، وهي: الحب، والرجاء، والخوف.
حب الله -تبارك وتعالى- ورجاؤه –سبحانه- والخوف منه -جل وعلا- فهذه الركائز الثلاث -عباد الله- لا بد منها في الطاعات كلها، والعبادات جميعها؛ صلاتك وصيامك، وحجك وصدقتك، وكل طاعة تتقرب إلى الله بها لا بد أن تقيمها على هذه الأمور الثلاث: تعبد الله -جل وعلا- حبًّا فيه، ورجاءً لثوابه، وخوفًا من عقابه.
قال الله -جل وعلا- في شأن الحب: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) [البقرة: 165]، وقال -جل وعلا- في شأن الرجاء: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ) [الحجر: 56]، وقال -جل وعلا- في شأن الخوف: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) [الأعراف: 99]، وجمع -جل وعلا- هذه الأركان الثلاثة للعبادة في قوله –سبحانه- من سورة الإسراء: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) [الإسراء: 57].
عباد الله: الحب بالنسبة للعبادة ومقامه منها مقام الروح من الجسد، الحب -عباد الله- هو الذي يهيج النفس ويحركها إلى القيام بالعبادة وطاعة المحبوب –سبحانه- والبعد عن مناهيه، فالحب أساس للعبادة، بل هو روحها، لا قيام للعبادة إلا عليه.
والرجاء -عباد الله- قائد للنفس، لا سير لها في الطريق، ولا استقامة لها عليه إلا بوجود الرجاء؛ فالرجاء للنفس قائد، والخوف -عباد الله- هو السائق للنفس، الحاجز لها عن الحرام، الناهي لها عن الآثام، المبعد لها عن معصية الملك العلام جل وعلا. قال وهب بن منبه رحمه الله: "الرجاء قائد، والخوف سائق، والنفس حرون".
نعم -عباد الله- رجاء الله -جل وعلا- قائد لك إلى كل فضيلة، يحدوك إلى الطاعات، ويأخذ بك مأخذ الجد في العبادات، والخوف سائق للإنسان إلى المضي في الطاعة، والبعد عن الحرام والإثم، ولهذا قال العلماء -رحمهم الله-: الرجاء إنما يكون نافعًا إذا كان قائدًا للطاعات، والخوف إنما يكون نافعًا إذا كان حاجزًا عن المحرمات والآثام، ولهذا أيضًا قال العلماء -رحمهم الله-: لا يغلب رجاء على خوف، ولا خوف على رجاء، بل يؤتى بهما جميعًا، فإنهما بمثابة الجناحين للطائر؛ فمن غلَّب -عباد الله- الرجاء على الخوف أمن من مكر الله، ومن غلَّب الخوف على الرجاء قنط من رحمة الله، وقد مر معنا تحذير الله -جل وعلا- من ذلك، وقد ثبت في مسند البزار عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكبائر فقال: "الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، واليأس من روح الله".
الأمن من مكر الله -عباد الله- يتطرق إلى النفس عندما يغلِّب العبد الرجاء، والقنوط من رحمة الله يتطرق إليها عندما يغلِّب العبد الخوف، والواجب على العبد أن يأتي بالرجاء والخوف معًا.
عباد الله: ما أحوجنا وما أشد حاجتنا إلى العناية بهذه الأمور الثلاثة: المحبة لله، والرجاء له -سبحانه-، والخوف منه -جل وعلا-، لتستقيم حالنا على طاعة الله تبارك وتعالى، وما من تفريط يقع في الناس، سواء في جانب الغلو أو جانب التقصير -إلى جانب الزيادة أو جانب النقصان- إلا وهو راجع إلى الإخلال بأحد هذه الأصول الثلاثة.
وإنا لنسأل الله -جل وعلا- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعلنا من المحققين لحبه حقًّا وصدقًا، الراجين لحرمته، الخائفين من عذابه، وأن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على فضله وجوده وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي لرضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى، وعليكم بتحقيق هذه الأمور الثلاثة، وهي -كما يسميها أهل العلم- أركان التعبد القلبية، وهي الحب والرجاء والخوف.
عباد الله: من يأتي بالحب وحده -دون خوف ولا رجاء- يأخذه ذلك الأمر إلى التزندق، ومن يأخذ بالخوف وحده -معطلاً جانبي الحب والرجاء- يأخذ به ذلك مأخذ التشديد والتعسير على نفسه وعلى الآخرين، ومن يأخذ بالرجاء وحده -مهملاً للحب والخوف- فإنه يأخذ به مأخذ الاستهانة بالعبادة والاستخفاف، ولا يستقيم العبد على الطريق إلا بالجمع بين هذه الأمور الثلاثة: الحب والرجاء والخوف، كما قال سبحانه: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمْ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)، وهذا فيه المحبة، (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً).
واعلموا -رعاكم الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه بها عشرًا".
فاللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر الصديق، وعمر الفاروق، وعثمان ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفق ولي أمرنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، ونسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك، ونسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذ بك من شر ما تعلم، ونستغفرك مما تعلم، إنك أنت علام الغيوب.
اللهم آتِ نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وأزواجنا وذرياتنا، وأموالنا وأوقاتنا، واجعلنا مباركين أينما كنا، اللهم ارفع عنا الغلا والوبا والمحن كلها، والزلازل والفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله: دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلنه، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.