الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
إن الإحسانَ عملٌ عظيم فهو المصلح لجميع الأمور، ومن ذلك نهوضُ المجتمعاتِ وصلاحُها، وذلك أن الإحسان يقتضي من المسلم أن يتقن عمله على أكمل وجه؛ لأنه يعلم أن الله مطلع عليه وبهذا ..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره...
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -جل وعلا-، وقابلوا إحسانه بالإحسان، واحذروا مقابلته بالإساءة بالجحود والكفران.
معاشر المسلمين: الإحسان ضد الإساءة، ومن صفات المؤمنين أنهم يقابلون الإساءة بالإحسان: (وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) [الرعد:22].
والله -جل وعلا- يحسن إلى خلقه ويكلأهم بحفظه، والدين ثلاث مراتب أعلاها الإحسان.
والإحسان -عباد الله- يأتي على معان كثيرة، ويعمها في التعريف أنه المعاملةُ بالحسنى ممن لا يلزمه، إلى من هو أهل لها.
أيها المؤمنون: إن الإحسانَ عملٌ عظيم فهو المصلح لجميع الأمور، ومن ذلك نهوضُ المجتمعاتِ وصلاحُها، وذلك أن الإحسان يقتضي من المسلم أن يتقن عمله على أكمل وجه؛ لأنه يعلم أن الله مطلع عليه وبهذا تنهض الأمم لصلاح شوؤنها.
قال ابن القيم: "ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة: الإحسان، وهي لب الإيمان وروحه وكماله، وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل فجميعها منطوية فيها، وكل ما قيل من أول الكتاب إلى ههنا فهو من الإحسان؛ فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق؛ وهو أن تعبد الله كأنك تراه" أ.هـ.
معاشر المؤمنين: لقد بشر الله المحسنين بقوله: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60].
قال ابن عباس -رضي الله عنه- والمفسرون: "هل جزاء من قال لا إله إلا الله ، وعمل بما جاء به محمد إلا الجنة"، وقد روى عن النبي أنه قرأ: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60] ثم قال: "هل تدورن ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال يقول: "هل جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة".
وفي قوله: "أن تعبد الله كأنك تراه" إشارةٌ إلى كمالِ الحضور مع الله -عز وجل- ومراقبتِه الجامعةِ لخشيته ومحبته ومعرفته، والإنابة إليه، والإخلاص له، ولجميع مقامات الإيمان.
عباد الله: إن للإحسان فضل عظيم؛ فمن ذلك: أن الله أمر عباده به في أكثر من أية، فأمر بالإحسان بالوالدين: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23].
وأمر بالإحسان في أداء الدية: (وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) [البقرة:178].
وأمر بالإحسان في رد التحية: (وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء:86].
وأمر بالإحسان في مال اليتم: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) [الإسراء:34].
وأمر بالإحسان في القول: (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) [البقرة:83].
وأمر بالإحسان في مجادلة أهل الكتاب: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت:46].
بل أمر بالإحسان في كل شيء؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث شداد بن أوس قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله -تعالى- كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته".
أيها الناس: لو لم يكن في الإحسان إلا أن الله يحب أهله، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195].
وإذا أحب الله العبد، فلا تسل عما يأتيه من العطايا، وما يدفع عنه من المكروهات.
ومن فضل الإحسان: أن صاحبه في معية الله: (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].
ومن فضل الإحسان: أن صاحبه قريب من رحمة الله: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56].
ومن فضل الإحسان: أن صاحبه في مأمن يوم القيامة من الخوف والحزن: (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة:112].
ومن فضل الإحسان: التمكين لصاحبه في الأرض: (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:56].
ومن فوائد الإحسان: أنه إذا اقترن مع إسلام الوجه لله أثمر لصاحبه الاستمساكَ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي التي يرجى معها خيري الدنيا والآخرة: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) [لقمان: 22].
اللهم ارزقنا الإحسان في كل شيء، واجعلنا من أحبابك المقبولين، يا رب العالمين.
أقول قولي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين...
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون: إن الإحسان هو حقيقة الدين، وهو منزلة عظيمة لا يبلغها إلا الخلص ممن وفقه الله لذلك.
عباد الله: لا يزال الحديث موصولا عن فضل الإحسان، ومن فضل الإحسان: أن الله -تعالى- يقبل بقلوب العباد على المحسن محبةً ومهابة؛ لأن المحسنَ محبوبٌ لله -تعالى-؛ كما قال تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195].
ومن أحبه الله حببه إلى خلقه، وكتب له القبول في الأرض؛ كما أخرج مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود قال: "إن الله -تعالى- إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه فيحبُه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله -تعالى- يحب فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدا دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلانا فأبغضه فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانا فأبغضوه فيبغضونه ثم يوضع له البغضاء في الأرض".
قال المناوي في قوله عليه الصلاة والسلام: "ثم يوضع له القبول في الأرض": "أي يحدث له في القلوب مودة، ويزرع له فيها مهابة، فتحبه القلوب، وترضى عنه النفوس؛ من غير تودد منه، ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها موادات القلوب؛ من قرابة، أو صداقة، أو اصطناع، وإنما هو اختراع منه ابتداءً اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاماً لهم، وإجلالاً لمكانهم".
قال بعضهم: "وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له" أ. هـ.
ومن فضل الإحسان: أن صاحبه تضاعف له حسناته أكثر من غيره، حتى قال بعض أهل العلم: "إن مضاعفة الحسنات تكون الحسنة بعشر أمثالها إلا المحسنون يضاعف لهم إلى سبعمائة ضعف". ويستدل لهذا القول بما أخرجه البخاري تعليقا والنسائي مسندا من حديث أبي سعيد الخدري قال: "بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عنها".
ومن فضل الإحسان: أن الله يكفر للعبد ما أزلفه في الجاهلية كما مر ذكره في الحديث الأنف، ومن أساء بعد إسلامه أخذ بالأول والآخر؛ كما أخرج البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود: أن رجلا قال للنبي –صلى الله عليه وسلم-: أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ فقال: "من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر".
أيها الناس: إن الإحسان سهل لمن طبق شروطه، وقد لخص لنا ذلك ابن القيم -رحمه الله- بقوله: "إحسان القصد يكون بثلاثة أشياء:
أحدها: تهذيبُه علما، بأن يجعله تابعا للعلم على مقتضاه، مهذبا به منقى من شوائب الحظوظ، فلا يقصد إلا ما يجوز في العلم، و العلم هو اتباع الأمر والشرع.
والثاني: إبرامه عزما، و الإبرام الإحكام والقوة، أي يقارنه عزم يمضيه ولا يصحبه فتور وتوان يضعفه ويوهنه.
الثالث: تصفيته حالا أي يكون حال صاحبه صافيا من الأكدار والشوائب التي تدل على كدر قصده، فإن الحال مظهر القصد وثمرته وهو أيضا مادته وباعثه، فكل منهما ينفعل عن الآخر فصفاؤه وتخليصه من تمام صفاء الآخر وتخليصه" أ. هـ.ـ
وخلاصة الأمر: إن أردت أن تكون من المحسنين لتنال ما ذكر من الفضائل والأجور، فلتعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، سواء في معاملتك مع الله، أو مع الآخرين.
اللهم اجعلنا ممن يعبدك كأنه يراك، واجعلنا من المحسنين.
اللهم أعنا على تدارك ما فات من الأوقات والأعمار، يا رب العالمين.
اللهم آمنا في دورنا وأوطاننا، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين...
اللهم وفق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر...
اللهم انج المستضعفين من...
سبحان ربك رب...