البحث

عبارات مقترحة:

المؤمن

كلمة (المؤمن) في اللغة اسم فاعل من الفعل (آمَنَ) الذي بمعنى...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

ربيعة بن كعب يودع الرسول صلى الله عليه وسلم

العربية

المؤلف عادل العضيب
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أعلام الدعاة - السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. قصة إسلام ربيعة بن كعب الأسلمي .
  2. عظم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .
  3. أهمية مقابلة الإحسان بالإحسان .
  4. طلب ربيعة من النبي ودلالته .
  5. صحبة ربيعة للنبي حتى وفاته .
  6. كيف ودع ربيعة رسول الله؟ .

اقتباس

لقد أشرقت الأرض بنور ربها، وصار هذا النور يتألق في قلبه وروحه وجعل يحس بالحياة من جديد؛ إنه ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه-، والذي أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حبًّا كبيرًا استقر في سويداء قلبه، لذا لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة عز عليه أن يعيش بعيدًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليس للحياة طعم بدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

الخطبة الأولى:

الحمد لله  الذي أحكم الأمور وقدرها، ودبر الموجودات وصوَّرها، ونور الكواكب وسيَّرها، وسخر الرياح ونشرها، أحمده على نعمه التي نشرها وأغزرها، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نافعة لمن عنده ادخرها، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الذي أيد الله به الشريعة ونصرها، وهدى به الأمة إلى طريق الحق وبصرها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته التي برأها الله من الرجس وطهرها وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: عباد الله: أيها المسلمون: صحابي جليل من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- أسلم في بداية شبابه، فقد كان شابًّا ناهز الخمسة عشر، كان الفرح يملأ قلبه ويسري في جسده أصبح يرى كل شيء جميلاً بعد الإسلام.

ما أعظم البون بين ما كان عليه في أمسه وما هو عليه في يومه؛ كان مشركًا يعبد حجارة لا ترى ولا تسمع ولا تضرّ ولا تنفع، وهو الآن يتوجه إلى السميع البصير الذي بيده مقاليد كل شيء وهو على كل شيء قدير.

لقد أشرقت الأرض بنور ربها، وصار هذا النور يتألق في قلبه وروحه وجعل يحس بالحياة من جديد؛ إنه ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه-، والذي أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حبًّا كبيرًا استقر في سويداء قلبه، لذا لما هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة عز عليه أن يعيش بعيدًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فليس للحياة طعم بدون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فكَّر ربيعة بالهجرة من بلاد أسلم إلى المدينة النبوية إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم عزم على الهجرة، فذهب إلى أبويه، واستأذنهما بالهجرة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذنا له، وقالا كان الله معك، أيّ حب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

ترك الوالدين والديار والأقارب ليكون بجانب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، انطلق ربيعة مهاجرًا إلى مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سافر لا لتجارة ولا لزوجة، ولا للنظر إلى الأشجار، ولا إلى البحار والأنهار، ولكن ليرضي الواحد القهار، هاجر إلى الله ولرسوله.

لما وصل المدينة اتجه إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدخل المسجد وإذا به يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤم أصحابه في صلاة العصر، فصلى العصر معهم، ثم تقدم وسلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ما أعظم الفرحة! يغيب أحدهم عن والد أو ولد أو زوجة أو صديق في عمل أو دراسة أو غيرها فلا تسأل عن فرحة اللقاء بعد طول الغياب، فكيف بمن يلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

آوى ربيعة إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واتخذه بيتًا ومسكنًا يقضي فيه ليله ونهاره ويجاور أحب البشر عليه الصلاة والسلام ويقوم بخدمته، فقد أصبح خادمًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أنس بن مالك.

هذا هو الشرف وهذا هو العز، إذا كان أحدهم يفخر بخدمة ملك أو أمير كيف بمن يخدم الذي عقمت أرحام الناس أن تأتي بمثله عليه صلوات ربي وسلامه.

في يوم من الأيام أراد -عليه الصلاة والسلام- أن يكافئ ربيعة على خدمته له، وهذا من خُلقه العظيم -عليه الصلاة والسلام- كيف لا وقد قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان خلقه القرآن" وفي القرآن (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]، كيف لا يكافؤه وهو -عليه الصلاة والسلام- القائل: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُونَهُ فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوْا أَنَّكُمْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ"، ومن الناس من يقابل الإحسان بالإساءة والمعروف بالقبيح من القول والفعل، ألا ساء ما يفعلون.

أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكافئ ربيعة فقال له: "سل" أي: يطلب، لو قيلت لبعض شبابنا اليوم لطلب وظيفة أو زوجة أو سيارة لكن ربيعة ما طلب الدنيا وكيف يفكر بالدنيا من رباه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

قال "أسألك مرافقتك في الجنة" لم يطلب الجنة فأمرها معروف، فمن يضحي بالجنة بجنة عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، دار تنتهي فيها الأحزان ويرى العبد الملك الديان، لم يسأل الجنة فمن أطاع الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه دخل الجنة.

أنت يا عبد الله أنت من تذهب بنفسك إلى الجنة أو النار، وإنما سأل المرتبة العلية في الجنة أن يكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "أسألك مرافقتك في الجنة" يريد مجاورة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا والآخرة.

هكذا يكون الحب، ويريد أعلى المنازل بينما يضحي كثير من الناس اليوم بتلك المنازل ويركضون خلف شهواتهم بل منهم من يضحي بالجنة ويتقحم النار على بصيرة.

"أسألك مرافقتك في الجنة" فقال -عليه الصلاة والسلام-: "أو غير ذلك؟" قال: "هو ذاك يا رسول الله"، لا أريد إلا هذا فلتذهب الدنيا بما فيها، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "فأعني على نفسك بكثرة السجود" أي: بكثرة صلاة التطوع.

ومن الناس اليوم من يضيع الصلاة الواجبة ويفرط فيها، نشط ربيعة -رضي الله عنه- في العبادة وكثرة الركوع والسجود، فأعجب به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأراد منه أن يحفظ نفسه من الحرام فأرسله إلى قوم من الأنصار، وقال له: "قل لهم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمركم أن تزوجوني فلانة"، فانطلق ربيعة إليهم فقال لهم صاحب البيت: "مرحبًا برسول الله وبرسول رسول الله! حبًّا وكرامة والله لا يرجع رسول رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بحاجته"، وقالت زوجته: نحن تبع لأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نطيعه فيما أحب، رضي الله عن تلك الأجساد الطاهرة.

انتقل ربيعة إلى حياة زوجية جديدة لكنها لم تشغله عن خدمة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقي ربيعة مجاورًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخادمًا له، ولما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حزن عليه حزنًا شديدًا، وذرفت عيناه دموعًا غزيرة على فراقه، وهو يتذكر أيامه الخالية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصعب عليه أن عينيه لم تعود تكتحلان برؤية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يطق البقاء في المدينة فقرر الرجوع إلى قبيلته أسلم، لعل حزنه يخف إذا ابتعد عن مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبره.

وجاءت لحظة الفراق، لحظة الوداع لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن يطيق الوداع.

ودع حبيبك إن الركب مرتحل

وهل تطيق وداعاً أيها الرجل؟!

ودع بعضهم خادمًا فبكى، وودعت بعضهن خادمة فلم تتكلم تلك اللحظة إلا الدموع، فكيف بمن يودِّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كيف بمن يودع مسجده ومنبره وقبره، كيف ودَّع ربيعة بن كعب حبيبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

في الخطبة الثانية نعيش لحظات الوداع مع ربيعة بن كعب -رضي الله عنه- وأرضاه.

قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي  ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم انه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وكفى وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

معاشر المسلمين: في ضحى يوم من الأيام جاءت لحظة الوداع سيودع ربيعة بن مالك خير من عرفت الحياة، سيودِّع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودخل ربيعة مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم صلى ركعتين، ثم اتجه نحو الحجرة الشريفة التي ضمَّت الجسد الطاهر جسد الحبيب جسد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم وقف والحزن يغشاه عند قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: "السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، أشهد أنك قد بلَّغت الرسالة وأديت الأمانة، ونصحت الأمة، وجاهدت في الله حق جهاده، فجزاك الله خير ما جزى نبيًّا عن أمته، وجمعنا بك في الفردوس الأعلى يوم الدين".

ثم استأخر قليلاً إلى الوراء واتجه إلى باب المسجد وخرج والحزن يمزق قلبه، والدمع ينهمر من عينيه، غادر ربيعة المدينة إلى بلاد أسلم مع زوجه وأولاده، انطلق والحزن يغشاه، والألم يتفجر من جوانحه، فتذكر يوم هاجر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبكى بكاء حارًّا ولم يكفّ عن بكائه إلا لما قالت زوجه: اصبر واحتسب فجعل يقول: "إنَّا لله وإنا إليه راجعون، حسبي الله ونعم الوكيل".

وفي بلاد أسلم أقام ربيعة -رضي الله عنه- بقية عمره الذي أنفقه في الركوع والسجود والجهاد في سبيل الله، لقد كان يتطلع إلى الآخرة وحدها إلى أن يرافق نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- في الجنة.

وفي عام ثلاثة وستين للهجرة ودع ربيعة بن كعب هذه الفانية، وهو يرجو الله أن يجمعه بنبيه -صلى الله عليه وسلم- في جنة الخلد فقد كان يردد كثيرًا في أيامه الأخيرة: "غدًا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه".

-رضي الله عنه- ورفع درجته وجمعنا وإياه بنبينا -عليه الصلاة والسلام-، فقد دخل الإسلام صادقًا، وهاجر إلى الإسلام راغبًا، وأحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حبًّا كبيرًا، وجعل في شباب الإسلام من يحملون همّ الدين كما حمله ربيعة بن كعب -رضي الله عنه- وأرضاه.

هذا وصلوا وسلموا على خير الورى؛ امتثالاً لأمر الله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة الخلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابع التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في دورنا وأصلح ولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ولِّ على المسلمين خيرهم، وكف عنهم شر شرارهم، اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح نساء المسلمين، اللهم أصلح شيب المسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين عامة.

اللهم أبدل هذه الحال بحال خير منها، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم أرنا عز الإسلام قبل الممات، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم يسرنا لليسرى وجبنا العسرى واجمع بين الدين والدنيا والآخرة.

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخره، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك وأنت راضٍ عنا غير غضبان.

اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا وزوجاتنا، وأصلح فساد قلوبنا اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ارحمهما كما ربيانا صغارًا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ).

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنت القوي ونحن الضعفاء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقى عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

اللهم أخرج الزرع، وأدر الضرع يا أرحم الراحمين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا أرحم الراحمين.

اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك ربي رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.