الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
قَضِيَّةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ بِسَبَبِهَا انْتَشَرَتِ الْبَغْضَاءُ وَامْتَلَأَتِ الْقُلُوبِ بِالشَّحْنَاءِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي مُجْتَمَعٍ إِلَّا فَرَّقَتْهُ وَلا فِي صَالِحٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهُ، رَوَّجَ لَهَا الشُّعَرَاءُ وَتَلَقَّفَهَا أُولَئِكَ السُّفَهَاءُ، إِنَّهَا الْعَصَبِيَّةُ الْقَبَلِيَّةُ وَالْفِتْنَةُ الْجَاهِلِيَّةُ، تَدْعُو لِلْمُفَاخَرَةِ باِلْأَنْسَابِ وَالتَّعَالِي عَلَى النَّاسِ بِالْأَحْسَابِ، فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ اسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَأَشْغَلُوا الْمُجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِ الْمَيَادِينِ، وَأَكْثَرُوا فِيهَا مِنَ الْقَالِ وَالْقِيلَ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهُ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، إِلَهُ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الصَّادِقُ الْأَمِينُ، بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأُمَّةَ، وَجَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ حَتَّى أَتَاهُ الْيَقِينُ, صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَسَابِقُوا إِلَى رَحْمَتِهِ وَجَنَّاتِهِ (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) [النحل: 128].
عِبَادَ اللهِ: قَضِيَّةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ بِسَبَبِهَا انْتَشَرَتِ الْبَغْضَاءُ وَامْتَلَأَتِ الْقُلُوبِ بِالشَّحْنَاءِ، لَمْ تَدْخُلْ فِي مُجْتَمَعٍ إِلَّا فَرَّقَتْهُ وَلا فِي صَالِحٍ إِلَّا أَفْسَدَتْهُ، رَوَّجَ لَهَا الشُّعَرَاءُ وَتَلَقَّفَهَا أُولَئِكَ السُّفَهَاءُ، إِنَّهَا الْعَصَبِيَّةُ الْقَبَلِيَّةُ وَالْفِتْنَةُ الْجَاهِلِيَّةُ، تَدْعُو لِلْمُفَاخَرَةِ باِلْأَنْسَابِ وَالتَّعَالِي عَلَى النَّاسِ بِالْأَحْسَابِ، فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ اسْتَهْوَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَأَشْغَلُوا الْمُجْتَمَعَ مِنْ جَمِيعِ الْمَيَادِينِ، وَأَكْثَرُوا فِيهَا مِنَ الْقَالِ وَالْقِيلَ.
أَمَا عَلِمَ هَؤُلاءِ أَنَّ رَبَّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَ: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا) [الحج: 78], وَقَالَ فِي مِيْزَانِ الْمُفَاضَلَةِ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13], وَقَالَ فِي العِلَاقَةِ بَيْنَنَا (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10].
أَمَا عَلِمَ هَؤُلاءِ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَذَّرَ مِنْ تِلْكَ الدَّعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَعَنْ أَبي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالْاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ" (رَوَاهٌ مُسْلِم)، وَهَذَا خَبَرٌ يَتَضَمَّنُ الذَّمَّ وَالنَّهْيَ.
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أوْسَطِ أيَّامِ التشْرِيقِ خُطْبَةَ الوَداعِ فَقَالَ: "يا أيُّها النَّاسُ! إنَّ ربَّكُمْ واحِدٌ، وإنَّ أباكُمْ واحِدٌ، ألا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ على عَربيٍّ، ولا لأَحْمرَ على أسْوَدَ، ولا لأَسْودَ على أحْمرَ؛ إلا بِالتقْوى، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 10]" (رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
عِبَادَ اللهِ: لَوْ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْقَبِيلَةِ، لَمَا قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُرَيْشَاً التِي حَارَبَتْهُ، وَلَوْ كَانَ النَّسَبُ يَرْفَعُ أَحَدَاً، لَرَفَعَ النَّسَبُ أَبَا لَهَبٍ، وَلَكِنَّ عَاقِبَتَهُ سَيَصْلَى نَارَاً ذَاتَ لَهَب.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: تَأَمَّلُوا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ التِي حَصَلَتْ فِي عَصْرِ النُّبُوَّةِ، فَلَقَدْ جَاءَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَيَّرَ بِلالَاً -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأُمِّهِ فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَلَقِيتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَصْلُ الْقِصَّةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ).
فَكَمْ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْيَوْمَ، حَقِيقٌ بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إِنَّ فِيكُمْ جَاهِلِيَّةً!!
لا يَظُنَّنَّ أَحَدٌ بِأَنَّ إِطْلَاقَ هَذِهِ النَّعْرَاتِ الْقَبَلِيَّةِ هُوَ باِلْأَمْرِ الْهَيِّنِ وَأَنَّ دِينَهُ يَسْلَمُ، لَا بَلْ هُوَ عَلَى خَطَرٍ عَظِيم، فَعَنِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ دَعَى بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُذَاءِ جَهَنَّمَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ: وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى؟ فَقَالَ: "وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ" (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
فَأَيْنَ أُولَئِكَ الذِينَ يَلْمِزُونَ الْقَبَائِلَ، وَيَصِفُونَهُمْ بِالرَّذَائِلِ، وَيَنْشُرُونَهَا فِي شَتَّى الْوَسَائِلِ؟ أَيَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونُوا حَطَبَاً لِجَهَنَّمَ؟
جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ، رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ المُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "مَا بَالُ دَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: "دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ".
فَتَأَمَّلُوا هَذَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فَمَعَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ اسْمَانِ شَرْعِيَّانِ، وَجَاءَ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمَا مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، لَكِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ التَّنَادِي بِهِمَا وَوَصَفَهُمَا بِالنَّتَنِ لِأَنَّهُمَا اسْتُخْدِمَا لِلتَّفَاخُرِ! فَمَا بَالُكَ بِغَيْرِهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْقَبَائِلِ، الذِينَ هُمْ دُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ قَطْعَاً، وَالْمُنَادَاةِ بِالْفَخْرِ بِهَا الْيَوْمَ مُحَرَّمَةٌ مَمْنُوعَةٌ، أَلَا فَدَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ. فَمَنْ وَلَجَ فِي هَذِهِ الْعَصَبِيَّةِ الْقَبَلِيَّةِ ؛ يَنْصُرُهَا، وَيَدْأَبُ عَلَى نَشْرِهَا، فَقَدْ ذَمَّهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَبَرَّأَ مِنْهُ.
إِنَّ هَذِهِ الْدَعْوَةَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَقُودُهَا تِلْكَ الْمَجَالِسُ الدَّهْمَاءُ، وَأَشْعَارُ أُولِئَكِ السُّفَهَاءِ، جَعَلَهُمُ الشَّيْطَانُ لَهُ مَطَايَا لِيَجْلِبَ عَلَى الْأُمَّةِ التَّفَرُّقَ وَالتَّشَرْذُمَ وَالرَّزَايَا.وَكَثُرَتْ بِسَبَبِهِ مَا يُعْرَفُ بِالشِّيلاتِ، فَكَمْ جَرَّتْ عَلَى مُجْتَمَعِنَا مِنْ وَيْلَاتٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَيْسَ خَطَأً أَنْ يَعْرِفَ الْإِنْسَانُ نَسَبَهُ وَيَحْفَظَ حَسَبَهُ، بَلْ ذَلِكَ مَطْلُوبٌ شَرْعَاً فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ" (رَوَاهُ التَّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْأَلْبَانِيُّ: إِسْنَادُهُ جَيَّد).
فَلَيْسَ تَعَلُّمُ الأَنْسَابِ خَطَأً، وَإِنَّمَا الْخَطَأُ أَنْ تُجْعَلَ الْقَبِيلَةُ أَوْ اللَّوْنُ أَوِ الْجِنْسِيَّةُ مِعْيَارَ التَّضَامُنِ فَهَذَا غَلَطٌ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ قَدْ أَذَهَبْ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللهِ ؛ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ، قَالَ اللهُ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]" (رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَخَافُوا مِنْ هَذِهِ الْفِتْنَةِ الْعَمَيَاءِ التِي صَارَتْ لَهَا تَبِعَاتٌ وَآثَارٌ لا نَدْرِي إِلَى أَيْنَ تَنْتَهِي.
فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مَسْؤُولِيَّتُهُ فِي إِطْفَاءِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ، وَعَلَى أَوْلِيَاءِ الْأُمُورِ آبَاءً وَإِخْوَةً فُضَلَاءَ، وَمَسْؤُولِينَ وَوُجَهَاءَ، أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِي السُّفَهَاءِ، وَيُبْصَّرُونَهُمْ بِمَا وَقَعَ مِنْ أَخْطَاءَ، فَنَحْنُ فِي زَمَنٍ يَتَرَبَّصُ الْأَعْدَاءُ بِبَلَدِنَا لِزَعْزَعَةِ اجْتِمَاعِنَا وَوَحْدَتِنَا.
فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ عَظِيمَةٍ إِلَى الْوِئَامِ وَنَشْرِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَنَا وَإِشَاعَةِ السَّلَامِ، وَبِحَاجَةٍ لِلْالْتِفَافِ حَوْلَ عُلَمَائِنَا حَفِظَهُمُ اللهُ وَحَوْلَ وُلاتِنَا وَفَّقَهُمُ اللهُ لِنَكُونَ مُتَمَاسِكِينَ وَإِخْوَةً وَمُتَحَابِّينَ، قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) [آل عمران: 103].
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُطْفِئَ هَذِهِ الْفِتْنَةَ وَأَنْ يُجِنَّبَ أَهْلَنَا شَرَّهَا, اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِيِنَ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلاةِ أُمُورِنَا، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب.
اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سُوَاكَ، اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ نَسْأَلُكَ إِيمَانَاً لا يَرْتَدّ، وَنَعِيمَاً لا يَنْفَدُ، وَمُرَافَقَةَ نَبِيِّكَ عَلَى جَنَّاتِ الْخُلْدِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ قُلُوباً مُؤْمِنَةً تَرْضَى بِقَضَائِكَ، وَتَشْكُرَكَ عَلَى نَعْمَائِكَ، وَتَصْبِرَ عَلَى بَلائِكَ، وَتَشْتَاقَ إِلَى لِقَائِكَ.
اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لَنَا ذَنْبَاً إِلَّا غَفَرْتَهُ، وَلا هَمَّاً إِلَّا فَرَّجْتَهُ، وَلا كَرْبَاً إِلَّا نَفَّسْتَهُ، وَلا دَيْنَاً إِلَّا قَضَيْتَهُ، وَلا مَرِيضَاً إلا شَفَيْتَهُ، وَلا مُبْتَلَىً إِلَّا عَافَيْتَهُ، وَلا أَيِّمَاً إِلَّا زَوَّجْتَهُ، وَلا شَابَّاً وَلا وَلَدَاً إِلَّا أَصَلْحَتَهُ، وَلا عَقِيمَاً إِلَّا ذُرِّيَّةً صَالِحَةً وَهَبْتَهُ، وَلا فَقِيرَاً إِلَّا أَغْنَيْتَهُ، وَلا مَيِّتَاً إِلَّا رَحِمْتَهُ، وَلا مُسَافِرَاً إِلَّا بِالسَّلَامَةِ رَدَدْتَهُ، وَلا مُجَاهِدَاً فِي سَبِيلِكَ إِلَّا نَصَرْتَهُ، وَلا عَدُوَّاً لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ إِلَّا خَذَلْتَهُ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ،اللَّهُمَّ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ انْصُرْ أَهْلَ السُّنَّةِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، كُنْ لَهُمْ مُعِينَاً وَنَصِيرَاً، وَمُؤِيِّدَاً وَظِهِيرَاً.
اللَّهُمَّ عَجِّلْ بِنَصْرِ إِخْوَانِنَا فِي سُورِيَا وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ، وَانْصُرْ أَهْلَ السُّنَّةِ في إِيَرانَ، اللَّهُمُّ انْصُرْ جُنُودَنَا عَلَى الْحُدُودِ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيَهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَثَبِّتْ أَقْدَامَهُمْ وَدَاوِ جَرْحَاهُمْ وَاشْفَ مَرْضَاهُمْ، وَتَقَبَّلْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنَ الشُّهَدَاءِ، اللَّهُمَّ يَا مَنْ لَهُ الْقُدْرَةُ وَالْكَمَالُ، يَا مَنْ لَهُ الْعِزَّةُ وَالْجَلَالُ، اللَّهُمَّ يَا مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَيَا مُجْرِيَ السَّحَابِ، وَيَا هَازِمَ الْأَحْزَابِ.
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِبَشَّارَ وَأَعْوَانِهِ وَبِالْحُوثِيِّينَ وَأَنْصَارِهِمْ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِهِمْ فَإِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَكَ، اللَّهُمُّ لا تَرْفَعْ لَهُمْ رَايَةً، وَلا تُحِقِّقْ لَهُمْ غَايَةً، وَاجْعَلْهُمْ لِمَنْ خَلْفَهُمْ عِبْرَةً وَآيَةً.
اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالِمِينَ.