النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
العربية
المؤلف | محمد عدنان الأفيوني |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - المنجيات |
الله هو الذي سيطلع على أعمالنا، والله إن هذه الآية تخلع القلب من الصدر، الله هو الذي سيطلع الله هو الذي سيحاسب الله، هو الذي سيفتش، ماذا سنقول لربنا غدا إذا قرأنا القرآن وخالفنا ما نسمع من تعاليم؟ ماذا نقول لربنا غدًا إذا خالفت أقوالنا علمنا أو خالف عملنا أقوالنا؟ قد بلغنا عن أبي الدرداء -رضي الله عنه وأرضاه- كان يقول: "والله إني لأخاف أن يوقفني ربي بين يديه يقول لي: ماذا فعلت فيما علمت؟". سنُسأل أيها السادة عن علمنا، ثم سنسأل عن عملنا؛ لأن علم بلا عمل لا يفيد،...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الإخوة المؤمنون: تكلمنا فيما سبق عن العمل بالتنزيل عن تعظيم كتاب الله -عز وجل-، عن ضرورة أن نتلوه آلاء الليل وأطراف النهار حق التلاوة؛ حتى يعلمنا ما جهلنا، وحتى نتخلق بأخلاق القرآن، ونطبق أخلاق وتعاليم القرآن، نتلو قرآن الله -تبارك وتعالى- من أجل أن يذكرنا بما نسيناه وضيعناه من حقائق هذا الدين؛ لأننا ببساطة نريد أن ننجح في الآخرة، نريد أن نفوز في الجنة، نريد أن نكون مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والثمن أن تكون تقيًا، الثمن أن تكون مؤمنًا حقيقيًّا، الثمن أن تكون عبدًا لله -تبارك وتعالى- مطيعًا محبًّا صادقًا كريمًا.
أنت تعلم بأن هذه الدنيا هي مزرعة العمل، وحقيقة الاختبار ثم الجزاء يوم القيامة فريق إلى الجنة وفريق إلى النار.
نعم مهمة التلاوة أن تعلم، أن تذكر، ولكن مهمة التلاوة أن تجعلنا نعمل بمقتضى هذا القرآن.
أيها السادة: لما أنزل الله -تبارك وتعالى- كتابه الكريم وبعث نبيه العظيم -صلوات ربي وسلامه عليه- كان المقصد الأعظم من هذا أن يتحول هذا التعليم هذا النور هذا الضياء هذا الدستور إلى سلوك في أخلاقنا، المقصد في أن نعمل بتعاليم القرآن أن يحولنا القرآن، أن يعلمنا القرآن، المهم هو العمل؛ لأن القراءة بدون عمل علم بلا عمل، والعلم بلا عمل حجة علينا لا حجة لنا.
قد سمعنا في الأثر: "رب تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه"؛ لأنه يقرأ ثم يخالف حقائق ما يقرأ.
علمنا من هذا الدين أن الله -تبارك وتعالى- أراد أن نكون من العاملين أن نعمل والذي سيطلع على عملنا هو الله -تبارك وتعالى- في علاه والله يخاطبنا يقول: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 105].
الله هو الذي سيطلع على أعمالنا، والله إن هذه الآية تخلع القلب من الصدر، الله هو الذي سيطلع الله هو الذي سيحاسب الله، هو الذي سيفتش، ماذا سنقول لربنا غدا إذا قرأنا القرآن وخالفنا ما نسمع من تعاليم؟ ماذا نقول لربنا غدا إذا خالفت أقوالنا علمنا أو خالف عملنا أقوالنا؟
قد بلغنا عن أبي الدرداء -رضي الله عنه وأرضاه- كان يقول: "والله إني لأخاف أن يوقفني ربي بين يديه يقول لي: ماذا فعلت فيما علمت؟".
سنُسأل أيها السادة عن علمنا، ثم سنسأل عن عملنا؛ لأن علم بلا عمل لا يفيد، المشكلة اليوم عند المسلمين أنهم يقولون ما لا يفعلون، ويعملون بغير مقتضى ما يعلمون، هناك فرق بين ما نقوله وبين ما نمارسه على الأرض، بين ما ندعيه، أنا أدعي اليوم أمامكم الصلاح، والآخر يدعي الفلاح، والآخر .. كلنا يتزين للناس لكن ما هي الحقيقة؟
إن حقيقة ما تتزين به للناس بحقيقة ما تدخره في قلبك ويطلع عليه الله فأنت مؤمن، إذا وافق القول العمل والإيمان كان سلوكًا في أخلاقنا، فأنت مؤمن وأنت ناجح وأنت فالح وأنت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
لكن ماذا لو خالفت أقوالنا أعمالنا أو خالفت أقوالنا، ماذا لو كنا نعلم ولا نعمل بمقتضى ما نعلم، إنه النفاق أيها السادة، العمل بالعمل وموافقة القول للعمل دليل صحة الإيمان، إذا رأيت أناسًا يعملون بغير ما يقولون، ويخالفون ما يعلمون، فاعلم أنه النفاق.
أنا أسأل ما هو النفاق في تعريف الناس؟ لو سألت طفلاً صغيرًا من أطفال المسلمين وقلت له: ما هو النفاق؟ لقال: أن يُظهر الإنسان بخلاف ما يبطن، وأن يعمل بخلاف ما يقول، هذا هو النفاق، وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
لذلك حذرنا ربنا -تبارك وتعالى- يقول والخطاب للأمة ليس لبني إسرائيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3].
أيها السادة: لو أراد أعظم البلغاء أن يبرهنوا شدة الغضب من الله ما أتوا بمثل هذه الجملة القرآنية، فالمقت شدة الغضب.
أعظم الوزر أن نقول شيئًا ونفعل شيئًا آخر، أن نعلم شيئًا ثم لا نفعل شيئًا، وقد بلغنا عن الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أهل الصحيح "يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
أن نتزين للناس بثوب صلاح، ثم إذا خلونا بربنا أو إذا خلونا بأنفسنا خالفنا ما ندعيه، هذه مشكلة أيها السادة، لأن القضية (لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3].
والله شيء يخلع القلب، هذه دعوة القرآن العمل بالتنزيل يعني أن تعمل بمقتضى ما علمت، مهمة العلم أن يحول ذلك سلوكًا في أخلاقنا وحياتنا في تصرفاتنا، وإلا كنا منافقين، وإلا كما يرد في كثير من الأحاديث في كثير من المواطن أن الحساب يوم القيامة عن أناس بذلوا أعمالاً صالحة في الدنيا، لكن تُسعر بهم النار.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قالَ: "سَمِعْتُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «إنّ أَوّلَ النّاسِ يُقْضَى يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتّىَ اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلّمَ العِلْمَ وَعَلّمَهُ وَقَرَأَ القُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلّمْتُ العِلْمَ وَعَلّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ القُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ وَلَكِنّكَ تَعَلّمْتَ العِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ القُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ حَتّىَ أُلْقِيَ فِي النّارِ، وَرَجُلٌ وَسّعَ الله عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ المَالِ كُلّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إلاّ أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَىَ وَجْهِهِ، ثُمّ أُلْقِيَ فِي النّارِ» (أخرجه مسلم).
المشكلة أننا نعلم الكثير من الخير، ولكننا لا نأتيه، ونعلم الكثير من الشر ثم نخوض فيه، "كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه".
الآن كنت أعلم الخير ولا آتيه، ثم أعلم الشر وآتيه، وأغرق فيه، يروي أحد العلماء أن جارية ماتت يعني بنتًا صغيرة، فرآها أبوها في المنام قال: حدثيني عن الآخرة؟ ستكشف كل الحقائق ستكشف كل القضايا، ولن يبقى لن يبقى شيء إلا وسيُعرض على الخلائق يرونه رأي عين (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) [الطارق:9] ، يعني تكشف السرائر (فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ) [الطارق:10]، ما معه أحد، ليس له نصير، ليس له أنيس.
الأمر خطير، يقول: حدثيني يا بنية على الآخرة؟ فتقول: "قد قدمنا على أمر خطير كنا نعلم ولا نعمل، ووالله لتسبيحة واحدة أو ركعة واحة خير لي من الدنيا وما فيها".
اليوم تملك أن تركع، وعندما تملك أن تسبح ثم لا تفعل سنكتشف الحقائق، لكن في يوم لا ينفع فيه العلم، اليوم ينفعك العلم؛ إذ تستطيع العمل، لكن غدا علم ولا عمل فماذا نفعل؟ هذه هي القضية أننا نعلم ولا نعمل.
أنا أعرف وأنتم تعرفون نحن نعلم اليوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أعظم الأعمال وأحبها إلى الله. قال: الصلاة على وقتها"، لكن نحن نؤخر الصلاة وتمضي الأوقات نهتم بكل شيء نهتم بالدنيا والعلاقات، وإذا كان الأمر متعلقًا بوقوفنا بين يدي الله أهملناه وضيعناه حتى تفوتنا صلاة بعد صلاة وصلاة بعد صلاة.
أحدثكم عن واحد عنده متجر أعرفه، بل أنا شاهدته، عنده متجر عندما يبيع ويشتري والناس تقدم عليه عندما يسمع صوت المؤذن ينادي الله أكبر الله أكبر يغلق درج حسابه ويقول لمن أمامه توقفوا نادانا الملك، الله ينادينا.
إذا كنت الآن تقول: إن أحب شيء إليك في الحياة هو الله، لكن الحبيب يناديك للوقوف بين يديه، ثم نحن نؤخر الصلاة، وهذا علم بغير عمل، وعمل بخلاف علم مشكلة، ونضيع الصلاة وهكذا.
نحن نعلم أن صيام يوم في سبيل الله يباعد صاحبه عن النار سبعين خريفًا، يوم في النافلة يباعد وجوهنا عن النار سبعين خريفًا، ولكن لا نصوم، نعلم أن الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالصائم لا يفطر، والقائم لا يفتر، ومع ذلك لا نعني أنفسنا.
الأمة اليوم ممتحنة، نحن نقول لأنفسنا بكل بساطة: اليوم أزمة وأنا ما أملك، القليل عند الله كثير، عندما تملك ولكن تتبرع بجزء مما تملك مهما كان هذا الذي تملك عند الله فهو كبير "ورب درهم سبق ألف درهم".
لكن هل تتحرك اليوم من أجل أن تمارس إيمانك؟
علمنا أيها السادة أن قراءة حرف من كتاب الله به عشر حسنات، ولكننا أهملنا القرآن وضيعنا القرآن، وزهدنا بالقرآن ما نريد حسنات، ونحن نعلم أن الحساب يوم القيامة فيه نظر وفيه كلام فيه بغي فيه عدوان كله سيُوضع في الميزان، فماذا وضعت في المقابل حسنات!
حُدِّثنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من قال "سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر" تمر الأيام والأيام ولا يتحرك لساننا بذكر الله -تبارك وتعالى-!!
ماذا ينفعنا هذا العلم إذا لم يتحرك فينا ليجعلنا عبادًا حقيقيين أيها السادة عبادًا مقبلين على الله، يحبون الله يحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عندها يصبح هذا العلم علمًا نافعًا مزهرًا سنقطف ثماره في الجنة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
علمنا على سبيل المثال أن عيادة المريض فيها أجر كبير، أنا ما سمعت في العمل الصالح مثل عيادة المريض، مثل صلة الرحم، في زمن التقنيات في زمن الاتصالات المسلمون قطعوا أرحامهم، وصار التواصل ليس عبر هذه ننشئ مجموعات غريبة، ثم تواصل كذاب يكذب بعضنا على بعض في هذه الوسائل نظهر المليح ولا نطلع على الحقائق.
قطعنا أرحامنا مع أننا نعلم أن الله أقسم أنه من وصل رحمه وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، والناس اليوم مشغولون بالدنيا وعلاقات اجتماعية على أعلى مستوى لكن في غير الأرحام، هذه مصيبة كبيرة.
مصيبة أخرى عندما نعلم أن عيادة المريض عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الْجَنَّةِ مَنْزِلاً".
نحن مقصرون، بالمقابل من منا لا يعلم؟ نحن نعلم أن الكذب حرام، وأنه أخطر الذنوب ولما سئل النبي عن المؤمن يكذب قال: "المؤمن لا يكذب"، (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) [النحل:105]، ومع ذلك نكذب ونتفنن في الكذب.
نعلم أن الغيبة حرام، وأن غيبة المؤمن مثل قتله مثل أكل لحمه وغيبة المسلم أشد من الزنا، أشد من ستة وثلاثين بابًا من الزنا، وكل يوم الغيبة على أشدها نغتاب الصغار والكبار والنساء والعلماء وغيرهم، غيبة على أشدها، من في المسلمين لا يعلم هذا ثم نخوض ونخوض، سهراتنا خوض في الحرام خوض في الأعراض وكذب وراء كذب ثم نطمع أن نكون من أهل الجنة.
كلنا نعلم أن لقمة حرام يلقيها الله في بطنه لا يتقبل منه أربعون يومًا، ثم نتهاون في أكل الحرام، "والذي نفس محمد بيده! إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا، وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به" (أخرجه الطبراني).
ماذا نفعل؟ نعلم هذا ولكننا نخوض ونعلم أن إيذاء المسلم جرم كبير عظيم، ومع ذلك الأمة تؤذي بعضها هي ستقف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
هل هذا هو مقتضى العلم؟ مقتضى العلم أنني أعلم أنني سأقف أمام ربي، أنا أقول لنفسي دائمًا وأقول للناس: افعلوا ما شئتم، لكن قبل أن تفعلوا تذكروا أنكم ستحاسبون أمام الله (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ) ربي سيرى عملي.
وإذا قرأت القرآن فحوله إلى أخلاق إلى سلوك إلى إيمان إلى عمل، قرر أن تكون رجلاً، قرر أن تكون مؤمنًا، قرر أن تكون من أهل الجنة عندما تقرأ القرآن لتنفذ ما في القرآن، وقل لنفسك والله لن آكل الحرام ولو أموت من الجوع، أقص لساني ولا أكذب ولا أغتاب، سأفعل ما أراد لي ربي أن أفعل لأنني مؤمن مخاطب بهذا، ولأنني وأنا معك أريد أن أكون من أهل الجنة..
اللهم وفِّقنا لذلك توفيق الصالحين، واجعلنا عندك من المقبولين.