الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | خالد بن سعد الخشلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الطهارة |
هذه أهم الحالات التي يجوز فيها استعمال التيمم، فليتق الله المسلم، وليعلم أنه مؤتمن على طهارته ووضوئه وغسله، فلا ينتقل عن الماء إلا لمسوغ شرعي يجيز له الانتقال إلى التيمم.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله -عز وجل- من أجل المقامات، وأعظم الدرجات، وهي الوصية التي لا يمل سماعها ولا تكرارها، فهي وصية ربنا -سبحانه وتعالى- لنا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء:131]. جعلني الله وإياكم من عباده المتقين، وأوليائه الصالحين؛ إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة في الله: من محاسن هذه الأمة الشريعة المباركة، وأنها شريعة اليسر ورفع الحرج، وأن جميع تكاليفها الشريعة منوطة بالقدرة والاستطاعة، يقول الله -عز وجل-: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]، وقال -سبحانه-: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]، ويقول -عز وجل-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]، وقال -سبحانه وتعالى- (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286].
فجميع التكاليف الشرعية من الواجبات ونحوها لا تجب على المكلف إلا في حال قدرته عليها؛ فضلا من الله -عز وجل- وتيسيرا وتوسعة على عباده، وأما في حال العجز عن الإتيان بالواجب فينتقل المكلف حينئذ إلى بدل الواجب إن كان له بدل، وإلا سقط عنه أو بقي في ذمته حتى يتمكن له أداؤه.
ألا وإن من الواجبات الشرعية التي أوجبها الله -عز وجل- على عباده التطهر بالماء في الوضوء والغسل عند إرادة رفع الأحداث الصغرى والكبرى، كما قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6].
وعلى هذا؛ فكل من كان قادرا على استعمال الماء لوضوئه وغسله لا يجوز له العدول إلى التيمم، ولو فعل ذلك وصلى فصلاته غير صحيحة.
وأما في حال عدم القدرة على استعمال الماء للوضوء والغسل فقد رخصت الشريعة المباركة في استعمال التيمم، بل جاء الحديث الشريف بأن ذلك من خصائص هذه الأمة المحمدية، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي"، وذكر منها -صلى الله عليه وسلم-: "وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا؛ فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ فعنده مسجده وطهوره". وقال -صلى الله عليه وسلم- "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسه بشرته؛ فإن ذلك خير".
فهذه النصوص -وغيرها- تدل على مشروعية التيمم عند وجود أسبابه المبيحة له، فالسبب الأول أن يكون المكلف عادما للماء، كما قال -تعالى-: (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) [المائدة:6]، فإذا لم يكن عنده ماء وبحث قريبا منه وطلب الماء فلم يجده جاز له التيمم. وأما إذا كان الماء موجودا لديه أو كان قريبا منه بحيث يسهل عليه الذهاب وإحضار الماء لم يجز له التيمم حينئذ، وهذا خلاف ما يفعله بعض الناس اليوم إذا خرجوا للنزهة فإنهم يبادرون للتيمم مع وجود الماء وقدرتهم على إحضاره بيسر إذا ما نفذ ما لديهم منه.
والسبب الثاني المبيح لاستعمال التيمم: خوف الضرر في استعمال الماء؛ لمرض في البدن كحروق على مواضع الوضوء أو جروح وما نحوها في البدن، فإذا خشي المريض إذا استعمل الماء لوضوئه أو غسله أن يزيد مرضه أو أن يهلك أو أن يتأخر شفاؤه باستعمال الماء بكلام الأطباء الثقات جاز له في الحالة هذه استعمال التيمم؛ فيغسل من أعضاء الوضوء أو البدن ما يستطيع غسله ولا يتضرر بوجود الماء عليه، وليتيمم للعضو الذي لا يستطيع غسله ولا مسحه، فإن أمكن مسحه باليد المبللة بالماء اكتفى بذلك ولم يتيمم منه.
ومن الأسباب المبيحة للتيمم واستعماله البرد الشديد، فإذا كان هناك برد شديد ولم يقدر على تسخين الماء وغلب على ظنه إن توضأ واغتسل بالماء البارد أن يمرض أو يموت تعين في حقه التيمم، كما في قصة عمرو بن العاص -رضي الله عنه- لما بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية ذات السلاسل، قال عمرو -رضي الله عنه-: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، وذكرت قول الله -عز وجل-: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29]، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، وأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بعد أن علم بقصته. وأما إذا كان الإنسان قادرا على استعمال الماء الدافئ لوضوئه وغسله بحيث لا يتضرر فإنه يحظر عليه التيمم حينئذ.
ومن الأسباب المبيحة لاستعمال التيمم: ألا يكون عند الإنسان إلا ماء قليل يحتاجه لشربه ويخاف إن استعمله لطهارته العطش على نفسه أو أهله أو رفقته أو ماشيته، وأما من كان معه ماء زائد عما يحتاجه لشربه وشرب أهله ورفقته وبهائمه فيحرم عليه التيمم ويجب عليه استعمال الماء لوضوئه وغسله.
وبهذا تعلم خطأ بعض أهل الماشية حيث يكون الماء وفيرا عندهم في الصهاريج والآنية ومع ذلك لا يستعملون الماء لوضوئهم وغسلهم وإنما يتيممون، وهذا خطأ فاحش ومنكر عظيم يجب تنبيههم عليه والإنكار على من أصر عليه.
هذه أهم الحالات التي يجوز فيها استعمال التيمم، فليتق الله المسلم، وليعلم أنه مؤتمن على طهارته ووضوئه وغسله، فلا ينتقل عن الماء إلا لمسوغ شرعي يجيز له الانتقال إلى التيمم.
كما أن التيمم قد يكون بدلا عن غسل أعضاء الوضوء كاملة أو غسل البدن في حال الغسل كما هو الحال في فقد الماء مثلا، وقد يكون التيمم بدلا عن غسل أحد أعضاء الوضوء أو موضع في البدن لعذر يمنع من غسله فحينئذ يجمع بين الوضوء بالماء أو الغسل إن كانت عليه جنابة فيغسل ما يستطيع غسله من أعضاء الوضوء أو مواضع البدن فإن انتهى من وضوئه أو غسل ما يستطيع غسله من بدنه تيمم عن العضو الذي لم يستطع غسله ولا مسحه بالماء.
فالحمد الله على تيسيره ورحمته بعباده، وهو القائل -عز وجل- في محكم كتابه: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) [الحج:78].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -عز وجل- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا المعاصي كلها صغيرها وكبيرها فإن أقدامكم ضعيفة على النار لا تقوى.
أيها الإخوة المسلمون: التيمم المشروع أن يضرب الإنسان بكفيه على الصعيد الطيب ضربة واحدة فيمسح بكفيه وجهه أولا بإمرار كفيه على وجهه ولحيته فيعمهم بالمسح مرة واحدة، ثم يمسح كفيه فيمسح ظهر كفه اليمنى بباطن كفه اليسرى ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن كفه اليمنى مرة واحدة كذلك.
والتيمم إنما يكون على الصعيد الطيب، وهو كل ما على وجه الأرض من تراب أو رمل ونحو ذلك ولو لم يكن له غبار، وأما التيمم على الفرش ونحوها فلا يصح؛ لأنها ليست مما على وجه الأرض، إلا إذا كان على الفراش غبار فيجوز التيمم عليه، لأن الغبار من التراب.
وإذا تيمم المسلم جاز له بتيممه أن يصلي ما شاء من الفرائض والنوافل، ولا حاجة لأن يكرر التيمم كل وقت، ولا ينتقض تيممه إلا بناقض من نواقض الوضوء، كخروج البول والغائط والريح وأكل لحم الإبل، أو بوجود الماء والقدرة على استعماله؛ فإذا وجد الماء وقدر على استعماله بطل تيممه، فإذا أراد الصلاة فلا بد من الوضوء بالماء حينئذ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير".
نسأل الله -عز وجل- أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا اتباع سنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم-.
هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبد الله فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه فقال عز من قائل-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]. وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من صل علي صلاة صل الله عليه بها عشرا".
اللهم صل وسلم وبارك...