البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الطلاق وتشتت الأسرة

العربية

المؤلف سعد بن تركي الخثلان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة
عناصر الخطبة
  1. تقرير إحصائي عن زيادة حالات الطلاق .
  2. عناية الإسلام بالأسرة واهتمامه بها .
  3. أسباب وبواعث التنافر بين الزوجين وحصول المشاكل بينهما .
  4. خطوات ينبغي اتخاذها قبل الطلاق .
  5. حصول الخلاف بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وزوجاته .
  6. أسباب تزايد حالات الطلاق .

اقتباس

إن موضوع الأسرة قد عنيت به الشريعة الإسلامية عناية كبيرة، وانظر إلى آيات القرآن الكريم، وكم خصص منها من آيات للحديث عن الأسرة وعن أحوال الأسرة، بل عن أحوال أمور دقيقة من الأسرة، بل إن الله -عز وجل- بين ما لكل من الزوجين من...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].

أما بعد:

فقد حمل تقرير إحصائي لوزارة العدل عن العام الماضي المنصرم 1436هـ عدد حالات الزواج وعدد حالات الطلاق، ومما لفت النظر إليه عدد حالات الطلاق، فقد حمل التقرير الإحصائي أن عدد حالات الطلاق في المملكة خلال العام الماضي بلغت أربعين ألف حالة، ولا شك أن هذا الرقم كبير، بل كبير جدا، ويستدعي الوقوف عنده، أربعون ألف حالة طلاق في عام واحد، معنى ذلك أنه في عام واحد قد تصدعت أواصر أربعين ألف أسرة مسلمة في هذا البلد، وفي عام واحد قد حصل الضرر الكبير لأربعين ألفا من الأزواج والزوجات، فإن الطلاق يترتب عليه أضرار كبيرة على الأولاد وعلى الزوجين أنفسهما، وإن كانت هناك حالات يكون الطلاق فيها هو الحل، ولكن ليس جميع الحالات الطلاق فيها هو الحل لا بد أن نقف وقفة مع هذا الموضوع المهم.

وهذا الموضوع الكبير ولا بد أن يتناوله أهل الحل والعقد وأرباب التوجيه والإصلاح في المجتمع، لا بد أن يولوا هذا الموضوع عناية كبيرة هذا الموضوع على وجه الخصوص، وموضوع الأسرة عموما.

عباد الله: وإن موضوع الأسرة قد عنيت به الشريعة الإسلامية عناية كبيرة، وانظر إلى آيات القرآن الكريم، وكم خصص منها من آيات للحديث عن الأسرة وعن أحوال الأسرة، بل عن أحوال أمور دقيقة من الأسرة، بل إن الله -عز وجل- بين ما لكل من الزوجين من الحقوق والواجبات، فقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228]، وقال: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 19].

وهذه التوجيهات الربانية إذا امتثلها الزوجان يحصل الاستقرار في الأسرة، ويكون سببا لصلاحها، وصلاح الأسرة يقود إلى صلاح المجتمع عموما.

عباد الله: وإن واقع الحياة وطبيعة البشر قد يكون فيها حالات لا تؤثر فيها التوجيهات، ولا تتأصل فيها المودة والسكن مما قد يصبح معه التمسك برباط الزوجية عنت ومشقة، فلا يتحقق به المقصود، ولا يحصل به صلاح النشء، وقد عالج القرآن الكريم مثل هذا بأحسن علاج وأنفعه، وذلك لأهمية هذه القضايا من جهة وحساسيتها من جهة أخرى.

وقبل الحديث عن علاج القرآن لمثل ذلك نقف وقفة قصيرة مع أسباب وبواعث ذلك الاضطراب، وعدم التوافق بين الزوجين، فقد تكون تلك البواعث داخلية، وقد تكون خارجية، قد يكون منبع المشكلة بين الزوجين قلة البصيرة في الدين والجهل بأحكام الشريعة، وتراكم العادات السيئة، والتمسك بالآراء الكليلة، فيظن بعض الأزواج مثلا أن التهديد بالطلاق أو التلفظ به أنه هو الحل الصحيح للخلافات الزوجية، والمشكلات الأسرية، فلا يعرف في المخاطبات سوى ألفاظ الطلاق في مدخله ومخرجه، وفي أمره ونهيه، وما درى أنه بهذا قد اتخذ آيات الله هزوا بأنه قد يهدم بيته، وقد يخسر أهله.

بل قد يبلغ الأمر ببعض الناس أبعد من هذا بحيث جعل لفظ الطلاق على طرف لسانه حتى في مخاطباته للآخرين، فإذا أراد أن يدعو أحدا لوليمة حلف بالطلاق! وإذا أراد أن يؤكد خبرا من الأخبار أو أمرا من الأمور حلف بالطلاق!

فسبحان الله العظيم! أيعود لفظ الطلاق الذي ينحل به عقد الزوجية هذا العقد الذي سماه الله -تعالى- ميثاقا غليظا؟ أيعود هينا إلى هذه الدرجة؟

ينبغي للمجتمع أن ينكر على هؤلاء الذين جعلوا لفظ الطلاق على ألسنتهم أن ينكروا عليهم.

وإنه لمن الجهل أن بعض الناس يرى أن الإنسان ليس صادقا في إكرامه إلا إذا حلف بالطلاق هذا جهل عظيم، بل جهل مركب ينبغي أن ننكر على هذا الذي يحلف بالطلاق، والذي جعل الطلاق على لسانه في كل أمر يريد أن يؤكده.

وقد يكون منبع المشكلة بين الزوجين تدخل غير حكيم من أولياء الزوجين أو من أقاربهما، أو تتبع للصغير والكبير من أمورهما، وهذا التدخل يقود في الغالب إلى تضخيم المشكلة، بل ربما يؤدي إلى الترافع إلى المحاكم فتفتش الأسرار، وتنكشف الأستار، وما كان ذاك إلا لأمر صغير أو لشيء حقير قاد إليه التدخل غير المناسب، والبعد عن الحكمة والتعجل والتسرع، وتصديق الشائعات، وقالة السوء؛ قادت إلى هذا إلى أن تصل الأمور لهذه المرحلة -عباد الله-، وحينما تظهر أمارات الخلاف وبوادر النشوز أو الشقاق فليس الطلاق أو التهديد به هو العلاج، إن أهم ما يطلب في المعالجة: الصبر والتحمل، ومعرفة الاختلاف في المدارك والعقول، والتفاوت في الطباع، مع ضرورة التسامح والتغاضي عن كثير من الأمور، ولا تكون المصلحة والخير دائما فيما يحب الإنسان ويشتهي، بل قد يكون الخير فيما لا يحب ولا يشتهي؛ كما قال ربنا -عز وجل-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].

ولكن حينما يبدو الخلل ويظهر في الأواصر تحلل، ويبدر من المرأة نشوزا وتعال عن طبيعتها، وتوجه إلى الخروج عن وظيفتها، حيث تظهر مبادئ النفرة، ويتكشف التقصير في حقوق الزوج، والتنكر لفضائل البعل، فقد بين الله -عز وجل- العلاج في مثل هذا في كتابه الكريم، وذلك العلاج ينبغي التعامل به قبل اللجوء إلى الطلاق، يقول ربنا -عز وجل-: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا) [النساء: 34] فبين الله -عز وجل- ما الذي ينبغي فعله عند حصول النشوز من الزوجة؟ أي استعلائها على زوجها، وعدم طاعتها له، فقال: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ) فقد يكون العلاج لذلك النشوز قد يكون العلاج هو الوعظ والتوجيه، وبيان الخطأ، والتذكير بالحقوق، والتخويف من غضب الله -تعالى- ومقته، مع سلوك مسلك الكياسة، والأناة، ترغيبا وترهيبا، هذه هي المرحلة الأولى من مراحل العلاج: (فَعِظُوهُنَّ).

المرحلة الثانية: فإن لم يجد الوعظ، قال الله -عز وجل-: (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ) فقد يكون الهجر في المضجع والصدود مقابلا للتعالي والنشوز.

ولكن لاحظوا أنه هجر في المضجع وليس هجرا عن المضجع، إنه هجر في المضجع وليس هجرا في البيت، ليس أمام الأسرة أو الأولاد أو أمام الغرباء؛ لأن الغرض من هذا الهجر هو المعالجة وليس التشهير وليس الإذلال، أو كشف الأستار والأسرار، لكنه مقابلة للنشوز والتعالي بهجر وصدود يقود إلى التطامن والتساوي، وهذه هي المرحلة الثانية من مراحل علاج النشوز.

فإن لم تجد هذه المرحلة ينتقل للمرحلة الثالثة إن لم يجد الهجر في المضجع فقد تكون المعالجة بالقصد إلى شيء من القسوة والخشونة بالضرب الغير المبرح: (وَاضْرِبُوهُنَّ)؛ لأن هناك أصناف من البشر لا ينفع في تقويمهم العشرة الحسنة، ولا المناصحة اللطيفة، إنهم أجناس قد يبطرهم التلفط، هو الحل، فإذا حلت القسوة سكن الجامح، نعم قد يكون اللجوء إلى شيء من العنف بالضرب غير مبرح دواءً ناجعا، ولم لا يلجأ إليه وقد حصل التنكر في الوظيفة، والخروج عن الطبيعة؟

ومن المعلوم لدى العقلاء: أن القسوة إذا كانت تعيد للبيت نظامه وتماسكه، وترد للعائلة ألفتها ومودتها، فهو بلا شك خير من الطلاق والفراق.

فإذا لم تجد هذه المرحلة فينتقل للمرحلة الخامسة من مراحل العلاج، وهي: بعث حكما من أهله، وبعث حكما من أهلها، يبعث الحكمان حكم من أهل الزوجة، وحكم من أهل الزوج يبحثان أسباب الخلاف، وأسباب المشكلة، ينبغي أن يكونا صالحين، وأن يكونا صادقين في إرادة الإصلاح، فإن الله -تعالى- يقول: (فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا) [النساء: 35] وهذا يدل على أهمية اختيار الحكمين الصالحين الصادقين اللذين عندهما شيء من الحكمة والتعقل، فينظران للأسباب، ويحرصان على الجمع بين الزوجين، والإصلاح بينهما قبل اللجوء إلى الطلاق.

فإن لم تجد هذه المراحل الخمس كلها، وأصبح استمرار عقد النكاح عنة ومشقة، ولا يحقق المقاصد من النكاح فإن الله -عز وجل- يقول: (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ) [النساء: 130] لكن لا يلجأ إلى هذه المرحلة السادسة: مرحلة الطلاق إلا بعدما تستنفد المراحل الخمس الأولى، لا بد من السعي للعلاج، علاج المشكلة قبل الطلاق.

وإن بعض الناس يتعجل في إيقاع الطلاق قبل أن يلجأ لمراحل علاج المشكلة، وهذا لا شك أنه يترتب عليه أضرار عظيمة، يترتب عليه تصدع لهذه الأسرة، يترتب عليه تشتيت للأولاد، ويترتب عليه أن هؤلاء الأولاد ينشئون بنشئة غير سوية، ينشئون بنفسية متعبة، وهما يريان هذا النزاع، وهذا الشقاق الذي جعل أباهما وأمهما يتفرقان عنهما، ويبتعد الأب عن الأم، وتبتعد الأم عن الأب، لا شك أن هذا مهما كان لا بد أن يكون له الأثر السيء على نفسية الأولاد.

عباد الله: وإن خافت الزوجة الجفوة والإعراض من الزوج فإن القرآن الكريم يرشد إلى العلاج أيضا بقول الله -تعالى-: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء: 128].

فالعلاج بالصلح والمصالحة وليس بالطلاق ولا الفسخ، قد يكون بالتنازل عن بعض الحقوق المالية أو الشخصية محافظة على عقدة النكاح: (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق.

فانظروا -رحمكم الله- كيف عالج الإسلام حالة الشقاق بين الزوجين، وكيف تدرج في ذلك، مراعيا تفاوت طباع البشر، وتفاوت أخلاقهم.

فينبغي للمجتمع أن يسعى لعلاج هذه المشكلات الزوجية بين الزوجين قبل أن يلجأ للطلاق.

فاتقوا الله -عباد الله-: (فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ) [الأنفال: 1].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

عباد الله: إن عماد الأسرة هما: الزوجان، وبصلاحهما تصلح الأسرة، وتستقر الحياة الزوجية، وينشأ من هذه الأسرة أبناء وبنات صالحون يساهمون في صلاح المجتمع.

إن واقع الحياة وطبيعة البشر، وعيش كل من الزوجين مع الآخر في مأكله ومشربه وجلوسه، ومضجعه لابد أن يحصل معه شيء من الخلافات بين الزوجين، أو الاختلافات في وجهات النظر، وربما اشتد هذا الخلاف، وقد حصل هذا مع خير البشر مع محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي هو الزوج المثالي، والذي زوجاته هن أمهات المؤمنين، والزوجات المثاليات، ومع ذلك حصل خلاف أدى إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقسم بالله العظيم ألا يدخل على أزواجه شهرا كاملا، وبقي في مشربة له يؤتى له فيه بالطعام والشراب مدة شهر كامل، حتى انقضى ذلك الشهر، ثم دخل على أزواجه وخيرهن، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

إذا كان هذا حصل مع خير الأزواج ونسائه أمهات المؤمنين، فكيف بغيرهن؟

فوجود الخلافات والمشكلات بين الأزواج هذا أمر لابد منه، ولكن المهم هو الحكمة في معالجة هذه الخلافات، وذلك بالتسامح والتنازل عن بعض الحقوق والتغافل، فإن التغافل من الأخلاق الكريمة التي تكون من الكرام، التغافل بأن لا يدقق الإنسان في كثير من الأمور، وأن يتسامح، وأن يستحضر أن المرأة فيها نقص بخلقتها، خلقت من ضلع أعوج، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وكسرها طلاقها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج، هكذا خلقت المرأة، فعلى الزوج أن يستحضر هذا العوج الملازم لكل امرأة، وإن كره الزوج من زوجته خلقا، فلينظر إلى ما فيها من المحاسن والأخلاق الحسنة الأخرى؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر".

عباد الله: وإن تزايد حالات الطلاق في السنوات الأخيرة له عدة أسباب، ومن أبرز هذه الأسباب: حالة الترف التي يعيشها المجتمع، فعندما ينتقل هذا الشاب، وهذه الشابة إلى عش الحياة الزوجية يجدان مصاعب ومتاعب، فربما أن بعضهما لا يحتمل هذه المصاعب والمتاعب، فيلجأ إلى الطلاق، يلجأ الزوج للطلاق، أو أن الفتاة تطلب من زوجها الطلاق، والمطلوب هو أن يبين للشباب أن الحياة الزوجية ليست مفروشة بالورود، لابد فيها من مصاعب، ولا بد فيها من متاعب، ولا بد من مشكلات، فلا بد من الصبر، ولا بد من التحمل، ولا بد من التغافل، ولا بد من التغاضي، وإلا فإن الشاب إذا اعتقد أن الحياة الزوجية أنها مفروشة بالورود، وأنه لن يجد فيها أي مشكلة، ولن يجد فيها أي مصاعب ومتاعب، فإنه حينئذ يخفق في حياته الزوجية، ويكون ذلك سببا رئيسا للطلاق، ولهذا فعلى الوالدين مسؤولية في توعية الابن وفي توعية البنت بأن الحياة الزوجية بأنها تحتاج إلى الصبر، وتحتاج إلى التحمل، وتحتاج إلى الحكمة في معالجة المشكلات والخلافات الزوجية.

ومن الأسباب أيضا: ما تصوره بعض الوسائل الإعلامية، والقنوات الفضائية من أمور خيالية، فيعتقد هذا الشاب عندما يتزوج أمورا خيالية، وهكذا الفتاة تعتقد أمورا خيالية في الحياة الزوجية، وعندما لا تجد هذه الأمور الخيالية، وهذه الأمور المثالية، يحصل العنت، ويحصل الشقاق بين الزوجين، مما يؤدي إلى الفراق، نعم هذه القنوات، وهذه الوسائل الإعلامية أثرت في نفوس كثير من الشباب، وفي نفوس كثير من الشابات، وربما يكون تأثيرها من أسباب كثرة وقوع حوادث الطلاق.

وينبغي كذلك أيضا التوعية، فإن قلة الوعي من الشاب أو الشابة بأمور الحياة الزوجية، والحقوق الواجبة على كل من الزوج والزوجة للطرف الآخر، قلة الوعي بهذه الأمور هو من أسباب حدوث المشاكل والخلافات الزوجية، فينبغي رفع مستوى الوعي لدى هؤلاء الشباب، والمسؤولية تقع بالدرجة الأولى على الوالدين، وبخاصة الأم مع ابنتها، ومع كذلك الوالدين مع ابنهما عندما يرون كثرة المشكلات والخلافات الزوجية، فينبغي أن يكون هناك توجيه وإصلاح وإرشاد وتوعية للزوجين، حتى تستقر هذه الأسرة المسلمة، وحتى تصلح أحوالها، وبصلاح الأسرة يصلح المجتمع كله.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارض عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان.

اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمة لرعاياهم.

اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تعينه إذا ذكر، وتذكره إذا نسي يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم.

اللهم صل على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.