الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
المسجد أحب البقاع إلى الله -تعالى-، فهو قلعة الإيمان، وبيت كُلِّ تقيٍّ، أمر كل مسلم بالغ أن يدخله في اليوم خمس مرات، فالمسجد بيت الله، ولهذا المسجد آداب وأحكام، وقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن الأشياء التي ينهى عن دخولها المسجد ابتداء، كالروائح الكريهة، والجنب والحائض، والصور والموسيقى، واليوم نتحدث عن بعض آداب دخول المسجد، وسأختصرها في سبعة آداب.
الخطبة الأولى:
المسجد أحب البقاع إلى الله -تعالى-، فهو قلعة الإيمان، وبيت كُلِّ تقيٍّ، أمر كل مسلم بالغ أن يدخله في اليوم خمس مرات، فالمسجد بيت الله، ولهذا المسجد آداب وأحكام، وقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن الأشياء التي ينهى عن دخولها المسجد ابتداء، كالروائح الكريهة، والجنب والحائض، والصور والموسيقى، واليوم نتحدث عن بعض آداب دخول المسجد، وسأختصرها في سبعة آداب.
أما الأدب الأول: فهو أخذ الزينة: فالمسلم مطالب بأن يلبس الثياب الحسنة عند المجيء إلى المسجد لقوله -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف:31]، فمن الناس من لا يعطي للمسجد أي اعتبار، فتراه يأتي للمسجد بثياب النوم أو بثياب المهنة المتسخة، والآية واضحة الدلالة بأخذ الزينة عند كل مسجد.
أما المرأة فمطلوب منها عدم أخذ الزينة الملفتة للنظر، حيث روت عَائِشَة -رضي الله عنها- قَالَتْ: "لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَهُ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" رواه أبو داود، وروى أبو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلاتٌ" رواه أبو داود، ومعنى تفلات، أي: غير متطيبات.
الأدب الثاني: المشي لا الهرولة، فمن السنة إذا جاء أحدنا للمسجد أن يأتي إليه ماشيا، عليه السكينة والوقار، حتى ولو فاتته بعض الركعات، فقد روى أبو هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أن النَّبِيَ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلاةِ، وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا" رواه البخاري.
والحكمة في ذلك أن الذي يسرع عند الإقامة طمعا لإدراك الركعة سيصل إلى الصف مرهقا يتسارع عنده النفس، فلا يستطيع التدبر في قراءته والخشوع في صلاته.
ومن أخطاء الناس في ذلك -أيضا- أن البعض إذا رأى الإمام أوشك على الركوع هرول وتنحنح أملا أن ينتظره الإمام، ولا شك أن هذا الأمر يشوش على المصلين، ويفوت السكينة واحترام الصلاة.
الأدب الثالث: لا لتشبيك الأصابع: فمن السنة إذا ذهبت إلى الصلاة أن لا تشبك بين أصابعك، وهذا أمر يجهله كثير من الناس، وقد صح عن كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ –رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ–صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاةٍ" رواه الترمذي. ويلحق ذلك من جلس في المسجد ينتظر الصلاة أو يسمع خطبة الجمعة، لأنه أيضا في صلاة.
ومن أخطاء الناس في فهم هذا النهي أن البعض يظن أنه ينهى عن تشبيك الأصابع أثناء عقد النكاح، فترى البعض عند عقد القران يتفحص الحاضرين ويأمرهم بتفريق أيديهم خشية التشبيك، وهذا لا أصل له، وإنما المنهي عنه تشبيك الأصابع أثناء الذهاب إلى المسجد أو أثناء الجلوس في المسجد انتظارا للصلاة، ويدخل في ذلك أثناء سماع خطبة الجمعة انتظارا للصلاة، أما بعد انقضاء الصلاة فلا حرج في تشبيك الأصابع.
الأدب الرابع من آداب دخول المسجد: التيامن في الدخول، فمن السنة لمن دخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى وعند الخروج أن يقدم رجله اليسرى، وهو عكس دخول الخلاء، فعن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أنه قال: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى" رواه الحاكم والبيهقي.
الأدب الخامس: قول أدعية الدخول والخروج: فمن السنة لمن دخل المسجد أن يقول دعاءين: الأول: ما روته فاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قالت: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا دخل المسجد يقول: "بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك"، وإذا خرج قال: "بسم الله والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" رواه ابن ماجه. أما الدعاء الثاني ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا دخل المسجد: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم"، قال: "فإذا قال ذلك قال الشيطان: حفظ مني سائر ذلك اليوم" رواه أبو داود.
الأدب السادس: تحية المسجد، فمن دخل المسجد وأراد الجلوس فيه فمن السنة أن يصلي ركعتين؛ وذلك لما رواه أبو قتادة –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ" رواه البخاري.
ومن جلس ولم يصلِها ثم تذكرها فيشرع أداؤها ولا تسقط في حقه، فقد روى جابر -رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُ فَقَالَ: "أَصَلَّيْتَ؟"، قَالَ: لا، قَالَ: "قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ" رواه البخاري.
ومن جاء المسجد مبكرا وأراد أداء السنن الرواتب فلا يحتاج أن يصلي تحية المسجد ثم السنة الراتبة؛ لأن تحية المسجد تندرج تحت السنة الراتبة، ومن دخل المسجد في وقتِ نهيٍ وأراد الجلوس فيجوز له أداء تحية المسجد لأنها صلاة ذات سبب.
وقد ذكر بعض أهل العلم قاعدة لطيفة في الصلوات التي يجوز أداؤها في أوقات النهي، حيث قالوا: إن كل صلاة سببها قبل أدائها يجوز فعلها وقت النهي، وكل صلاة سببها بعد أدائها لا يجوز فعلها وقت النهي، فصلاة ركعتين بنية الوضوء يجوز فعلها حتى في وقت النهي لأنك صليت بعد سبب الوضوء، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لبلال -رضي الله عنه-: "حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلامِ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ"، قَالَ: "مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ" رواه البخاري، فبلال كان يصلي ركعتي الوضوء في كل وقت لأنهما صلاة ذات سبب.
وكذلك تحية المسجد، فيجوز أداؤها وقت النهي؛ لأنك صليت بعد دخول المسجد، والدخول سبب، أما ما كان سببها بعد الصلاة فلا تصلى وقت النهي، لذلك قال العلماء: ثلاث نوافل لا تصلى في وقت النهي...: ركعتي السفر، وركعتي الاستخارة، وركعتي الإحرام.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، وتعلموا آداب المساجد تغنموا فإن ذلك من تعظيم شعائر الله، فمن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب.
وأما الأدب السابع من آداب دخول المسجد: إذا رأيت الإمام على حالٍ فاصنع كما يصنع الإمام.
فمن أخطاء كثير من الناس عند دخولهم المسجد أنهم إذا رأوا الإمام ساجدا أو جالسا للتشهد انتظروه حتى يقف نظرا لأنه لن يحسب لهم ذلك السجود أو التشهد، وهذا خلاف السنة، حيث روى معاذُ بْنِ جَبَلٍ –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الصَّلاةَ وَالإِمَامُ عَلَى حَالٍ فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الإِمَامُ" رواه الترمذي.
أمر المأموم إذا رأى الإمام على حال أن يصنع كما يصنع الإمام للحديث السابق، ولما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا، ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة" رواه أبو داود.
ومن أخطاء بعض المتأخرين عن الصلاة أنهم إذا وجدوا الإمام على وشك التسليم من الصلاة، انتظروه لإقامة جماعة أخرى، ولا يدخلون معه في الصلاة، وهذا الأمر يخالف ما هو أولى من عدة أمور منها: أولا: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ... ولعل الحكمة في ذلك ما ذكره الترمذي رحمه الله -تعالى- أنه لعله لا يرفع رأسه في تلك السجدة حتى يغفر له.
ثانيا: كلما كثر عدد المصلين في الصلاة فهو أحب إلى الله -عز وجل-، لحديث أُبي بن كعب -رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكل ما كثر فهو أحب إلى الله -عز وجل-" رواه أحمد وأبو داود. ولا شك بأن الجماعة الأولى ستكون أكثر عددا؛ لذلك إذا دخلت المسجد ورأيت الناس على حال فاصنع كما يصنعون، ولا تنتظرهم حتى يقفوا أو يسلموا.
وكذلك من دخل المسجد ورأى الناس يصلون وهو قد صلى فيشرع له الدخول معهم ويجعلها نافلة، ولا يكون شاذا بينهم دون صلاة، وليصنع كما يصنع الإمام، فقد روى يَزِيدُ بنُ الأَسْوَدِ –رضي الله عنه- قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- حَجَّتَهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ، قَالَ: فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ وَانْحَرَفَ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي أُخْرَى الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فَقَالَ: "عَلَيَّ بِهِمَا"، فَجِيءَ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا، فَقَالَ: "مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟"، فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قَالَ" "فَلا تَفْعَلا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ" رواه الترمذي والنسائي.
هذه بعض آداب المسجد، وللموضوع بقية إن شاء الله...