الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
العربية
المؤلف | بلال بن إبراهيم الفارس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
خلق الله الخلق وجعل لكل مخلوق حدا، يصل إليه ثم يفنى، وفناء كل حي بالموت، والموت أول منازل الآخرة، وآخر منازل الدنيا..
وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل؛ فمن قصر في أيام الأمل قبل حضور الأجل فقد خسر العمل.
كأني بأحدنا وقد أتاه رسول ربه لا يقرع له بابا ولا يهاب له حجابا.. لا يرحم صغيرا لصغره ولا كبيرا لكبره
الحمد لله الحي القيوم الدائم وغيره لا يدوم كتب على عباده الفناء وتفرد سبحانه بالبقاء تمت كلمته وعظم سلطانه قال وقوله الحق المبين: ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ) [الرحمن26 -27] أحمده وأشكره وأثني عليه وأستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله القائل على شفير قبر أحد أصحابه" أي إخواني لمثل هذا فأعدوا " صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وتابعيه وحزبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فأوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأذكركم بمطلع خطبة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: " أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين: بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاضٍ فيه؛ فليأخذ العبد لنفسه من نفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت؛ والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب، ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار ".
عباد الله خلق الله الخلق وجعل لكل مخلوق حدا، يصل إليه ثم يفنى، وفناء كل حي بالموت، والموت أول منازل الآخرة، وآخر منازل الدنيا..
وإنكم في أيام أمل من ورائه أجل؛ فمن قصر في أيام الأمل قبل حضور الأجل فقد خسر العمل.
كأني بأحدنا وقد أتاه رسول ربه لا يقرع له بابا ولا يهاب له حجابا.. لا يرحم صغيرا لصغره ولا كبيرا لكبره..
الجميع سواء أمام رسول الله الموكل بقبض الأرواح ( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ) [ق:19] عندها تسكن الحركات وينقطع العمل وتقدم الملائكة؛ إما مبشرةٌ بروح وريحان ورب راض غير غضبان، أو مبشرةٌ بنزل من حميم وتصلية جحيم، وإن هذا ومالك يوم الدين لحق لا ريب فيه ولا جدل، ومصير كلنا صائرون إليه؛ فسابق ولاحق.
وإلا فأين القياصرة أين الأكاسرة أين الفراعنة والأمم الظاعنة.
أين من عاشوا في القرن الأول، وأين من عمر القرن الثاني، وأين من عاش في القرن الثالث والرابع والخامس والعاشر .. (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم:98]؟.
بل أين الصالحون، أين رسل الله وأنبياؤه، أين أبو البشر آدم، أين أول الرسل نوح، أين خليل الله إبراهيم، أين كليم الله موسى، أين المسيح عيسى، أين الرسول الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليهم جميعا؟ قضوا نحبهم وقدموا على ربهم.
ووالله لو كان للبقاء سبيل لكان للرسل الكرام، ولكن هيهات فكلمة الله حاقة، وأمره نافذ (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ) [الزمر:30] (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء:35].
وعظ عمر بن عبد العزيز يوماً أصحابه فكان من كلامه أنه قال: " إذا مررت بهم فنادهم إن كنت منادياً وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم، وانظر إلى تقارب منازلهم! سل غنيهم ما بقي من غناه؟ وسل فقيرهم ما بقي من فقره؟ واسألهم عن الألسن التي كانوا بها يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا للذات بها ينظرون، واسألهم عن الجلود الرقيقة، والوجوه الحسنة، والأجساد الناعمة؛ ما صنعت بها الديدان تحت الأكفان؟! أُكلت الألسن، وعُفرت الوجوه، ومُحيت المحاسن، وكسرت الفقار، وبانت الأعضاء، ومزقت الأشلاء؛ فأين حجابهم وقبابهم؟! وأين خدمهم وعبيدهم؟! وجمعهم وكنوزهم؟! أليسوا في منازل الخلوات؟! أليس الليل والنهار عليهم سواء؟ أليسوا في مُدلهمة ظلماء؟ قد حيل بينهم وبين العمل ؛ وفارقوا الأحبة والمال والأهل.
فيا ساكن القبر غداً! ما الذي غرّك من الدنيا؟ أين دارُك الفيحاءُ ونهرك المطرد؟ وأين ثمارك اليانعة؟ وأين رقاقُ ثيابك؟ وأين طيبك وبخورك؟ وأين كسوتك لصيفك وشتائك؟ ليت شعري بأي خديك بدأ البلى! يا مجاور الهلكات صرت في محلّة الموت! ليت شعري ما الذي يلقاني به ملك الموت عند خروجي من الدنيا؟! وما يأتيني به من رسالة ربي؟! ". ثم انصرف رحمه الله فما عاش بعد ذلك إلا جمعة.
عباد الله: وبين ظهر الأرض وبطنها هناك اليوم الأخير الذي يقدم فيه أحدنا، فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويحمل على الأكتاف حتى يوضع في لحده ويهال عليه التراب؛ فما أحوال هاتيك الساعات المعدودات لكل واحد منا، وما الأحكام المتعلقة بمن شهد الجنازة أو شارك في تشييعها..
عباد الله: يشرع لمن غسل ميتا أن يستر عليه ويكتم ما يراه منه مما لا يحمد؛ فعن أَبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " مَنْ غَسَّلَ مَيتاً فَكَتَمَ عَلَيْهِ، غَفَرَ اللهُ لَهُ أربَعِينَ مَرَّة " رواه الحاكم، وقال: صحيح عَلَى شرط مسلم.
وإن الصلاة على الميت واتباع جنازته فيها فضل عظيم كيف لا وهي حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم كما ورد في الحديث " حق المسلم على المسلم ست .." وذكر منها " وإذا مات فاتبعه ".
وفي فضل اتباع الجنازة يقول رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَنْ شَهِدَ الجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا، فَلَهُ قِيراطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ، فَلَهُ قِيرَاطَانِ " قِيلَ: وَمَا القِيرَاطانِ؟قَالَ: " مِثْلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ " متفقٌ عَلَيْهِ.
وإنه كلما كثر المصلون على الميت كان أرجى لرحمة الله وأن يشفعهم فيه؛ فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ مَيتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ المُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِئَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلاَّ شُفِّعُوا فِيهِ" رواه مسلم.
وإن كثرة المصلين على الجنازة دليل على خير في صاحبها.
ولقد كانت جنائز الصالحين والعلماء جنائز مشهودة اصطكت لها الطرقات، ووفد الناس من كل صوب وحدب؛ ومن مشهور القصص أن رجلا كان يعادي الإمام أحمد رحمه الله فجاء للإمام، وقال: متى موعدنا؟ -أي: متى أعلم أنك على حق؟- فقال له الإمام أحمد رحمه الله: " موعدنا يوم الجنائز ".
فلما مات الإمام أحمد صلى عليه أكثر من ألف ألف، وكانت من الجنائز المهيبة المشهودة في أرض الخلافة بغداد.
وهكذا هم الصالحون والعلماء تبكيهم الأرض وسكانها، ولا يجد المكلوم برحيلهم بُدًّا من أن يسارع الخطا مصليا وداعيا، ومشيعا وساعيا.
إن فقد الأمة لأحد علمائها أو مصلحيها ثلمة ورزية، وما ماتت سنة إلا قامت على أنقاضها بدعة، ولا أفل قمر إلا اتسع الظلام.
أقول هذا مع إيمان كامل أن الإسلام لم يرتبط يوما بأحد رموزه كلا.. ولو كان غياب الرمز مؤثرا على الإسلام لانتقص تمامه، وقوضت خيامه بعد الرحيل الكبير للبشير النذير فداه النفس والمال والولد.. وإنما اتسعت الفتوحات الإسلامية بعد وفاة نبي الإسلام لما أقام بنيان الأمة وأسسه على تقوى من الله ورضوان..
فاللهم اغفر لعلمائنا ودعاتنا ومصلحينا وأدخلهم مدخلا كريما واخلف على الأمة خيرا مما فقدت يا سميع الدعاء.
عباد الله: وصفة صلاة الميت أن تقدم الجنازة فيكبر الإمام أربع تكبيرات؛ يقرأ بعد الأولى بفاتحة الكتاب، ثم يكبر الثانية فيصلي بالصلاة الإبراهمية، ثم يكبر الثالثة يدعو للميت، ثم يكبر الرابعة فيسلم، وربما أطال ودعا بعد الرابعة ثم سلم تسليمة واحدة عن يمينه، وربما سلم عن يمينه وشماله؛ فعن عبدِ الله بنِ أبي أَوْفى رضي الله عنهما: "أنَّهُ كَبَّرَ عَلَى جَنَازَةِ ابْنَةٍ لَهُ أرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ، فَقَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَقَدْرِ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ يَسْتَغْفِرُ لَهَا وَيَدْعُو، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ هكَذَا". وفي رواية: "كَبَّرَ أرْبَعاً فَمَكَثَ سَاعَةً حَتَّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُكَبِّرُ خَمْساً، ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: إنِّي لاَ أزيدُكُمْ عَلَى مَا رأيْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ". رواه الحاكم، وقال: (حديث صحيح).
ويسن الدعاء للميت؛ فعن أَبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى المَيِّتِ فَأخْلِصُوا لَهُ الدُّعاء " رواه أَبُو داود.
ومما ورد في الدعاء للميت ما جاء في حديث أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّهُ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَصَغِيرنَا وَكَبيرنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، وشَاهِدنَا وَغَائِبِنَا، اللَّهُمَّ مَنْ أحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأحْيِهِ عَلَى الإسْلاَمِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوفَّهُ عَلَى الإيمَان، اللَّهُمَّ لاَ تَحْرِمْنَا أجْرَهُ، وَلاَ تَفْتِنَّا بَعدَهُ " رواه الترمذي وقَالَ الحاكم: صحيح عَلَى شرط الشيخين.
وعن أَبي عبد الرحمن عوف بن مالك رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى جَنازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ، وَهُوَ يقُولُ: " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّه مِن الخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَس، وَأبدلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَأهْلاً خَيراً مِنْ أهْلِهِ، وَزَوْجَاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ، وَأدْخِلهُ الجَنَّةَ، وَأعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَمنْ عَذَابِ النَّارِ " قال الرواي: حَتَّى تَمَنَّيتُ أن أكُون أنَا ذَلِكَ الْمَيِّت". رواه مسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصَّلاَةِ عَلَى الجَنَازَةِ: " اللَّهُمَّ أنْتَ رَبُّهَا، وَأنْتَ خَلَقْتَهَا، وَأنتَ هَدَيْتَهَا للإسْلاَمِ، وَأنتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا، وَأنْتَ أعْلَمُ بِسرِّهَا وَعَلاَنِيَتِهَا، وَقَدْ جِئنَاكَ شُفَعَاءَ لَهُ؛ فَاغْفِرْ لَهُ " رواه أَبُو داود.
عن وَاثِلَة بنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه، قَالَ: صَلَّى بِنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إنَّ فُلانَ ابْنَ فُلانٍ في ذِمَتِّكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ، فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ، وَعذَابَ النَّار، وَأنْتَ أهْلُ الوَفَاءِ وَالحَمْدِ؛ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ الرَّحيمُ " رواه أَبُو داود.
فاللهم اغفر لموتى المسلمين، وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
بارك الله لي وكم في القرآن العظيم...
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد العزيز الماجد أحمد حمد شاكر ذاكر وأصلي وأسلم على خير الورى طرا الذي ملأ الأرض عدلا وبرا صلاة إلى يوم الدين تترى.
أما بعد:
فإن مما يستحب بعد الصلاة على الميت الإسراع به وعدم الإبطاء والتأخير؛ فعن أَبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: " أسْرِعُوا بالجَنَازَةِ، فَإنْ تَكُ صَالِحَةً، فَخَيرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ، فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ " متفقٌ عَلَيْهِ، وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم، يقُولُ: " إِذَا وُضِعَت الجَنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أعنَاقِهمْ؛ فَإنْ كَانَتْ صَالِحَةً، قالتْ: قَدِّمُونِي، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ، قَالَتْ لأَهْلِهَا: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَ الإنسَانُ لَصَعِقَ " رواه البخاري.
ثم يوضع في قبره ويسن الاستغفار له وسؤال الله أن يثبته؛ لأنه يسأل كما جاء في حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا فُرِغَ مِن دَفْنِ المَيِّتِ وَقَفَ عَلَيْهِ، وقال: " اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإنَّهُ الآنَ يُسألُ " رواه أَبُو داود.
ويشرع الدعاء للميت في هذا الموضع؛ لأنه يستأنس به؛ كما جاء في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، قَالَ: " إِذَا دَفَنْتُمُونِي، فَأقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقَسَّمُ لَحمُهَا حَتَّى أَسْتَأنِسَ بِكُمْ، وَأعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي " رواه مسلم.
ومن كان من أهل الخير والبر فلتحيى محاسنه؛ لأن الناس شهود الله في أرضه.
وقد جاء في حديث أنسٍ رضي الله عنه، قَالَ: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ، فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " وَجَبَتْ " ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى، فَأثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: " وَجَبَتْ "، فَقَالَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: مَا وَجَبَت؟ فَقَالَ: " هَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً، فَوَجَبتْ لَهُ الجَنَّةُ، وهَذَا أثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً، فَوَجَبَتْ لَهُ النَّار، أنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ في الأَرضِ " متفقٌ عَلَيْهِ.
قال ابنُ مسعود رضي الله عنه و أرضاه عن ليلة من ليالي غزوة تبوك: قمتُ آخرَ الليل فنظرتُ إلى فراش الرسولِ صلى الله عليه وسلم فلم أجده في فراشه، فوضعتُ كفي على فراشهِ فإذا هوَ بارد، وذهبتُ إلى فراشِ أبي بكر فلم أجده على فراشه، فالتفت إلى فراش عمر فما وجدته، قال: وإذا بنورٍ في آخر المخيم وفي طرف المعسكر، فذهبتُ إلى ذلك النور ونظرتُ، فإذا قبرٌ محفور، والرسولُ عليه الصلاة والسلام قد نزلَ في القبر، وإذا جنازةٌ معروضةٌ، وإذا ميتٌ قد سجي في الأكفان، وأبو بكرٍ وعمر حول الجنازة، والرسولُ صلى الله عليه وسلم يقول لأبي بكر وعمرَ: "دليا لي صاحَبكما".
فلما أنزلاهُ، نزلهُ صلى الله عليه وسلم في القبر، ثم دمعت عيناه عليه الصلاة والسلام ثم التفتَ إلى القبلةِ ورفع يديه وقال: " اللهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فارضَ عنه اللهم إني أمسيتُ عنه راضٍ فارضَ عنه "قال: قلت من هذا؟ قالوا: هذا أخوك عبد الله ذو البجادين مات في أولِ الليل. قال ابنُ مسعود: فوددت -واللهِ- أني أنا الميت.!
وينبغي لمن اتبع الجنازة أن يدكر ويعتبر ويتعظ ويزدجر قال ثابت البناني: " كنا نتبع الجنازة فما نرى إلا متقنعاً باكياً، أو متقنعاً متفكراً ".
ألا حاسبوا أنفسكم عباد الله وأعدوا لساعة الرحيل فإن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم، وعما قليل سيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم، ( وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ) [البقرة:281].