المقتدر
كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم النعيم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
ولنحرص ولنتشبث بمزيل الكبائر فإنه يزل كبائر الذنوب وصغائرها، قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ". ولعل بعض السذج من الناس يقول إنها لفرصة عظيمة أن نستغل هذا الاستغفار لإشباع رغباتنا وأهوائنا من المعاصي، ثم نقول هذا الاستغفار، فيزيل جميع ذنوبنا. فهل هذا الاستغفار يستجر الناس إلى الإكثار من المعاصي؟ وهل فهم الصحابة ذلك؟ وإن المستغفر باللسان مع التلبس بالذنب كالمتلاعب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
يحرص كثير من الناس على شراء أفضل أنواع المطهرات المزيلة للبقع والأوساخ، ومتى ما سمع الناس عن دعايات تجارية عن مزيل جديد، يزيل كافة البقع وذي فاعلية قوية، صدّقوا ذلك، وبادروا إلى محلات الجملة لشرائه مهما غلا ثمنه.
وأما إذا كان هذا المزيل والمطهر يوزع مجانًا؛ لرأيت الناس يتهافتون عليه ويأخذونه بكميات كبيرة، ويوصي بعضهم بعضًا بأن لا يفرط أحد بهذه الفرصة الذهبية.
وما ذلك إلا للحاجة إلى مثل هذه المنظّفات في كل بيت، وفي كل مكان يتواجد فيه إنسان.
ألا أدلك أخي المسلم على مزيل مجاني يحتاجه كل الناس، وكل البيوت؟
لكنه لا يزيل البقع والدهون من الثياب، وإنما يزيل بقع الذنوب من القلوب، ولا أقول أنه يزيل صغائر الذنوب فحسب، وإنما تصل فعاليتهُ وقوتهُ وقدرته إلى إزالة كبائر الذنوب!
نعم، يزيل كبائر الذنوب، فهل عرفت هذا المزيل المبهر؟
إنه مزيل الكبائر!
تعالوا نستمع إلى ما حدثنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن هذا المزيل العجيب.
فعن زَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- أنه سَمِعَ النَّبِيَّ –صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ" (رواه أبو داود والترمذي ).
البعض ينطق هذا الدعاء خطأً، فيقول: الحيُ القيومُ، والصواب بالفتح وليس بالضم، فاضبطوا هذا الاستغفار واحفظوه جيدًا، ولا تزيدوا فيه ولا تنقصوا منه شيئًا، فهو اثنتا عشرة كلمة.
قال السبكي: قوله: "وإن كان فر من الزحف" أي: الجهاد ولقاء العدو في الحرب بغير ضرورة، وفي نسخة فرَّ بدون قد.
"وفي هذا" دلالة على أن التوبة تكفّر الكبائر من الذنوب، فإن الفرار لغير ضرورة من الكبائر بلا خلاف كما يرشد إليه قوله تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [الأنفال: 16].
إنَّ الاستغفار من أجلِّ العبادات المطلوبة من كل مسلم، فهي عبادة محضة مستقلة مطلوبة منا في كل وقت وحين، سواء كان ذلك بعد اقتراف ذنب أو عمل مباح أو حتى بعد أداء عبادة من العبادات.
إلا أن بعض الناس لم يكثروا من الاستغفار ظنًّا منهم أن كثرة الاستغفار يحتاجه فقط المذنبون والمقصرون في جنب الله.
إنك لتجد أحدهم لو أمرته أو نصحته بكثرة الاستغفار لقال لك: مِمَّا أستغفر؟ ولماذا أستغفر وأنا لم أرتكب ذنبًا؟
وغيرها من كلمات تحمل في طياتها معاني التهرب من الاستغفار، أو الجهل في أهمية هذه العبادة الجليلة.
وكثيرا ما يتردد المرء داخل نفسه ويتساءل: لِمَ الحاجة إلى كثرة الاستغفار؟
حتى إنَّ بعض الناس ممن اغتروا بصالح أعمالهم قالوا: لا حاجة لنا إلى كثرة الاستغفار باللسان ما دام أن الله وهب لنا الكثير من الأعمال المكفّرة للذنوب كالوضوء والصلوات الخمس، والجمعة، ورمضان، والحج والعمرة، ونحوها، فتلك كفارات لما بينهن، إضافة إلى سائر المكفرات الأخرى القولية والفعلية وهي كثيرة.
وما علم هؤلاء الذين هذا تصورهم، أن الاستغفار إنما شرع لأهداف سامية، أهمها: التذلل والخضوع لله -عز وجل- والشعور الدائم بالتقصير وعدم القدرة على استيفاء شكر النعم مهما عظمت أعمالنا، وما استغفارنا في ختام كثير من الأعمال الصالحة والمباحة إلا دليل على ذلك، سيما أن صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم- أحصوا وسجّلوا لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- أكثر من سبعين أو مائة استغفار في المجلس الواحد- وهو من غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر- إلا دليلا جَلِيَّا على أهمية كثرة الاستغفار في حياتنا.
وأما لماذا الاستغفار؟ فلأن من خير الناس يوم القيامة من وُجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا.
فعن عَبْد اللَّهِ بْن بُسْرٍ –رضي الله عنه- قال: قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا" (رواه ابن ماجه والبيهقي).
وروى الزبير –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن تسرّه صحيفته فليكثر فيها من الاستغفار" (رواه البيهقي وحسنه الألباني).
ولماذا لا نستغفر يا عباد الله ونحن نرى المنكرات والمخالفات الشرعية تزداد يومًا بعد يوم في مجتمعنا؟
ألا نخاف أن يحل بنا عقاب من عند الله، ولماذا لا نستغفر الله يا عباد الله ونحن نعيش تحت سماء مُنعَ عنا قطرها بسبب كثرة ذنوبنا؟
إنَّ الله -عز وجل- لا يحبس القطر عن العباد إلا لذنوب ارتكبوها أو لعبادات تركوها.
ولقد بيَّن الله لنا أسبابًا عديدة لحبس المطر في السماء والتي منها الامتناع عن الزكاة وترك الاستغفار: قال تعالى على لسان نوح –عليه السلام-لقومه: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12].
وخرج عمر –رضي الله عنه-ذات يومًا يستسقي فما زاد على الاستغفار، فقيل له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد استسقيت بمجاديح السماء.
فلنكثر من هذه العبادة السهلة، فقد روى أبو سعيد الخدري –رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، قَالَ الرَّبُّ وَعِزَّتِي وَجَلالِي لا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي" (رواه الإمام أحمد والحاكم).
أقول قولي هذا وأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله العزيز الغفار، يبسط يده بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، ويبسطُ يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد القهار، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله المصطفى المختار، خيرُ من دعا الله؛ وخيرُ من أمر بكثرة الاستغفار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار ومن تبعهم بإحسان ما تعاقب الليل والنهار.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأكثروا من الاستغفار، ولنحرص ولنتشبث بمزيل الكبائر فإنه يزل كبائر الذنوب وصغائرها، قال –صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ".
ولعل بعض السذج من الناس يقول إنها لفرصة عظيمة أن نستغل هذا الاستغفار لإشباع رغباتنا وأهوائنا من المعاصي، ثم نقول هذا الاستغفار، فيزيل جميع ذنوبنا.
فهل هذا الاستغفار يستجر الناس إلى الإكثار من المعاصي؟ وهل فهم الصحابة ذلك؟
كلا، لأن الثواب والعقاب تحت مشيئة الرب -عز وجل-، إن شاء قَبِل الله توبة عبده وإن شاء ردَّها عليه؛ لأن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فليس كل من صلى وزكى وعمل صالحًا تقبل الله منه.
وكذلك ليس كل من قال هذا الاستغفار أزال الله عنه صغار ذنوبه وكبارها؛ لأن هذا مشروطٌ بالتوبة الصادقة المبنية على الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم العودة إليه.
وإن المستغفر باللسان مع التلبس بالذنب كالمتلاعب، لذلك فعلى كل مسلم إذا عمل صالحا الإشفاق والخوف من عدم قبول العمل، فكيف إذا وقع في معصية، فإن عليه الاستغفار من قلب صادق نادم وجل.
فعن عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) [المؤمنون: 60]، أَهُوَ الرَّجُلُ يَزْنِي وَيَسْرِقُ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ؟ قَالَ: "لا يَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ أَوْ لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يَصُومُ وَيُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ، وَهُوَ يَخَافُ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُ" (رواه الإمام أحمد).
وفي رواية للترمذي أنه قال: "لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ".
فلنحرص على كثرة الاستغفار والصدق في الاستغفار، فطوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة استغفارًا كثيرًا.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين، اللهم إن بالعباد والبلاد من الجهد والضنك ما نشكوه إلا إليك، اللهم أنبت لنا الزرع وأدرّ لنا الضرع وأنزل علينا من بركات السماء، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت بنا غفارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيئًا مَرِيعًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلاً غَيْرَ آجِلٍ، اللهم اجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، اللهم أغثنا ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسق عبادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت
احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا، وارزقهم بطانة صالحة ناصحة يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واخذل أعداء الدين |