الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب |
ومن أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى، وليثق بالثواب من الله تعالى، وليتيقن أن الله معه، فمتى شعر بذلك لم يجد مس الأذى، واشتغل بإصلاح نفسه وإصلاح غيره، وهذا عمل الأنبياء والرسل وأتباعهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة، وجعل أمتنا خير أمة، وبعث فينا رسولاً منا يتلو علينا آياته ويزكينا ويعلمنا الكتاب والحكمة، أحمده على نعمه الجمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تكون لمن اعتصم بها خير عصمة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله ربه للعالمين رحمة، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تكون لنا نوراً من كل ظلمة وسلم تسليماً كثيراً.
أيها المسلمون: إن المحافظة على حرمة الإسلام، وصون المجتمع المسلم من أن تخلخله وتقوضه البدع والخرافات، والمعاصي والمخالفات، وحمايته من أمواج الشر الهائجة وآثار الفتن المائجة، وتحذيره مزالق الشقوق، ودركات الهبوط، أصل عظيم من أصول الشريعة وركن مشيد من أركانها المنيعة، يتمثل في ولاية الحسبة وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
تلك المهمة العظمى والأمانة الكبرى التي هي حفاظ المجتمعات وسياج الآداب والكمالات بها صلاح أمرها واستتباب أمنها وقوة ملاكها, ما فُقدت في قوم إلا زاغت عقائدهم وفسدت أوضاعهم وتغيرت طباعهم وما ضعفت في مجتمع إلا بدت فيه مظاهر الانحلال وفشت فيه بوادر الاختلال, والأمة حين تكون سائرة في جادة الطريق محكمة شريعة الله بالتحقيق والتطبيق يكون من أول مهامها إقامة ولاية الحسبة ورفع لوائها وإعلاء بناءها وإعزاز أهلها؛ لأن جميع الولايات تعود إليها، يقول -تبارك وتعالى-: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 41].
أيها الإخوة: إن موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع عظيم، جدير بالعناية؛ لأن في تحقيقه مصلحة الأمة ونجاتها، وفي إهماله الخطر العظيم والفساد الكبير، واختفاء الفضائل، وظهور الرذائل.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرةٌ عظيمة من شعائر الإسلام، بسببه نالت هذه الأمة خيريَّتها، وبه تميزت عن سائر الأمم، قال الله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) [آل عمران: 110], وقال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنهما- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ" [مسلم (49)]، والمعروف: اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله، والتقرب إليه، والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع مما يحبه الله ويرضاه. والمنكر: كل ما قبحه الشرع وحرمه ونهى عنه من الأقوال والأعمال والأعيان وغيرها مما يغضب الله ويسخطه، ومن حق المسلم على أخيه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح دنياه وآخرته وينقذه من مضارها، ولهذا كانت الأنبياء والرسل أولياء المؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم وهدايتهم إليها.
أيها الإخوة: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سهمان من سهام الإسلام، وهما وظيفة الأنبياء والرسل، وقد شرف الله بهما هذه الأمة، فهم خير الأمم إذا قاموا بذلك، وهما من أعظم أصول الدين، وهما وظيفة الأمة، فهما واجبان على كل مسلم ومسلمة كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
والمسلم يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن هذه وظيفته التي شرفه بها ربه، وكلفه بها، ووعده على ذلك الثواب العظيم والأجر الجزيل. والمسلم يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر امتثالاً لأمر الله ورسوله: إما رجاء الثواب الذي يحصل له عند القيام بهما, وإما خوف العقاب على تركهما, وتارة الغضب لله على انتهاك محارمه, وتارة النصيحة للمؤمنين والرحمة لهم وإنقاذهم مما وقعوا فيه من التعرض لعقوبة الله, وتارة يحمل العبد على القيام بهما إجلال الله وتعظيمه ومحبته، وأنه أهل أن يطاع ويذكر ويشكر, وتارة لرؤية الشيطان يتلاعب بالعباد، ويسوقهم إلى المعاصي والفواحش فيغار الإنسان عليهم.
والواجب شكر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، والدعاء لهم، وإكرامهم والوقوف معهم، فمن نبهك على وجود عقرب في بدنك، أو أهدى إليك هدية فعليك أن تشكره، وترضى عنه، وتدعو له، لا أن تمتعض منه.
أيها الإخوة: وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يصبر على إهانة الناس له, فإن كانت إهانتهم تعود لكوني مشاركاً في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأحيل ذلك الشخص إلى مُنزل القرآن، الذي استخدمني في هذه المهمة، فهو عزيز حكيم، وإن كان كلامه من نوع تحقير وإهانة لشخصي بالذات، فهذا أيضاً لا يخصني، وإنما أنا كالأسير، وإهانة الأسير تعود إلى مالكه، فهو الذي يدافع عنه كما قال الرجل الصالح الناصح لقومه: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) [غافر: 44، 45].
عباد الله: ويجب على من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أولاً: العلم بالمعروف والمنكر، والتمييز بينهما، والعلم بحال المأمور، وحال المنهي.
ثانياً: الرفق بالناس حال أدائهما، فالله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، وما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه، واللين يقطع أعظم مما يقطع السيف.
ثالثاً: الحلم والصبر على الأذى من الناس كما قال -سبحانه-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا) [المزمل: 10]، فلا بدَّ من هذه الثلاثة: العلم قبل الأمر والنهي, والرفق معه, والصبر بعده.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كلاهما لازم، لكن الأمر بالمعروف قبل النهي عن المنكر، والأمر بالمعروف هو الأصل، وبه يستقيم الناس على الدين، فإذا ركب الناس الفواحش، وغشوا المحرمات، وتركوا الطاعات، وأقبلوا على المعاصي، وجب تغيير هذه المنكرات, كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإِيمَانِ" [مسلم (49)].
عباد الله: ولتغيير المنكر ثلاث درجات:
الأولى: تغيير المنكر باليد، وهذا خاص بولي الأمر، أو من ينيبه عنه، إذ جعل الله له القوة والسلطان والجاه، وخضوع الرعية له؛ فكل من مكنه الله في الأرض لزم عليه تغيير المنكر باليد، وذلك يشمل حاكم الدولة، والقاضي في محكمته، والقائد في جيشه، والمدير في مصلحته، والأب في منزله.
الثانية: تغيير المنكر باللسان، وهذا خاص بالعلماء والدعاة، ويكون بالقول الحسن، والكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، لا يخشى في الله لومة لائم.
الثالثة: تغيير المنكر بالقلب، وهذا أضعف الإيمان، وآخر المراتب، وهو في الوقت نفسه مهم جداً، ولذا يجب على كل مسلم ومسلمة من العامة والخاصة، ولا يسقط عن المكلف في كل زمان ومكان.
والإنكار بالقلب يكون كالتالي: بغض المعصية التي رآها أو سمعها, التمني وهو أن يتمنى أن لو يستطيع أن يزيل هذا المنكر بيده أو لسانه, والدعاء بأن يدعو الله أن يزيل هذا المنكر، وأن يهدي قلب صاحبه إلى الصراط المستقيم.
أيها الإخوة: وقد أمرنا الله -عزَّ وجلَّ- أن نأمر بالمعروف ونحبه ونرضاه ونحب أهله، وأمرنا أن ننهى عن المنكر ونبغضه ونسخطه ونبغض أهله ونجاهدهم، ففي المخلوقات والصفات والأعمال ما نبغضه ونسخطه ونكرهه، وفيها ما نحبه ونرضاه، وكل ذلك بقضاء الله وقدره، وإذا كان الله يبغض السيئ منها ويكرهه وهو المقدر لها فكيف لا يكرهها من أمره الله أن يكرهها ويبغضها؟.
عباد الله: والإصلاح درجات, تبدأ بإصلاح النفس وتزكيتها بالأخلاق العالية، لتكون زهرة فواحة بالروائح الطيبة، من لم يقترب منها تأثر برائحتها الطيبة، ثم بإصلاح المجتمع، حتى تنتقل هذه الأخلاق الكريمة إلى المجتمع فرداً فرداً، فتدخل البيوت، وتتجمل بها الأسر، وتتزين بها المجتمعات، ثم بإصلاح الدولة، ليكون حكامها ووزراؤها وعمالها وتجارها هم نواة هذا المجتمع الذي آمن بالله ورسوله، وامتثل أوامر الله ورسوله في كل حال, فإصلاح أحوال المملكة لا يتم إلا بعد إصلاح النفس ثم إصلاح المجتمع، وقد ربى النبي -صلى الله عليه وسلم- النفوس في مكة، فلما آمنت واستعدت للطاعة نزلت الأحكام وقامت الولاية في المدينة.
وهنا سؤال يطرح نفسه: إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبين على كل مسلم ومسلمة, فهل للعاصي أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, والله يقول: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [البقرة: 44]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2، 3]؟.
والجواب: نعم. فإن المسلم مأمور بشيئين: فعل الطاعات وترك المعاصي. وأمر غيره بفعل الطاعات وترك المعاصي، وكمال العبد بالقيام بهما معاً، والإخلال بأحد الأمرين لا يقتضي الإخلال بالآخر. ومعنى الآيتين تنبيه وتحذير للمسلمين لعدم الجمع بينهما فعل المحرم، ونهي الناس عنه، فهذا لا يليق بالعامل، فضلاً عن المسلم، فضلاً عن العالم أو الداعي إلى الله.
أيها الإخوة: ومن آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التعريف، فإن الجاهل يقدم على الشيء لا يظنه منكراً فإذا عرف أقلع عنه، فيجب تعريفه بلطف، ومنها ستر العيوب والقبائح: فعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال -عليه الصلاة والسلام-: "وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ" [مسلم (2699)].
وفي الجهر بذكر العيوب والسيئات مفسدتان كبيرتان:
الأولى: أن ذلك يجلب العداوة والبغضاء بين من يجهرون بالسوء، ومن ينسب إليهم هذا السوء، وقد يفضي إلى جحد الحقوق، وسفك الدماء.
الثانية: أن الجهر بالسوء بين الناس يؤثر في نفوس السامعين، فيقتدي بعضهم بعض، فيجهر بالسوء مثله، أو يقلد فاعل السوء في عمله، والجهر بالسوء مباح للمظلوم للضرورة كما قال -سبحانه-: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) [النساء: 148]، والمعروف ظاهر كالصلاة والزكاة ونحوهما, وباطن كالإيمان والتوحيد ونحوهما، والمنكر ظاهر كالقتل والزنا والفواحش, وباطن كالشرك والكبر والنفاق.
عباد الله: وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بإنكار المنكر وتغيير المنكر؛ ليحصل بذلك من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه، وأبغض إلى الله ورسوله منه، فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم، فإن ذلك أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر.
وقد استأذن الصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، كما في حديث عوف بن مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقالوا: أفلا نقاتلهم؟. فقال: "لا، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ" [مسلم (1855)]. وعن ابن عباس -رضي اله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأى مِنْ أمِيرِهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَمَاتَ، إِلا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" [البخاري (7054) واللفظ له، ومسلم (1849)].
ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن الصغار والكبار رآها من إضاعة هذا الأصل العظيم، وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرى بمكة أكبر المنكرات وألوان الشرك في أول بعثته ولم يستطع تغييرها بيده مع بغضه لها.
بل لما فتح مكة، وصارت دار إسلام عزم على تغيير البيت ورده على قواعد إبراهيم، ومنعه من ذلك مع قدرته عليه خشية وقوع ما هو أعظم منه من عدم احتمال قريش لذلك، لقرب عهدهم بالجاهلية. فعن عائشة -رضي الله عنها- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "يا عائشة: لَوْلا أنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ؛ لأمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأدْخَلْتُ فِيهِ مَا أخْرِجَ مِنْهُ، وَألْزَقْتُهُ بِالأرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيّاً وَبَابًا غَربيّاً، فَبَلَغْتُ بِهِ أسَاسَ إِبْرَاهِيمَ" [البخاري (1586)، واللفظ له، ومسلم (1333)]؛ ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه من سفك الدماء واضطراب الأمن.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة الأنبياء والرسل، ووظيفة هذه الأمة، والقيام بها من أشرف الأعمال، فلا بدَّ لمن يقوم بهما من العلم لئلا يقع فيما حرم الله، ويوقع عباد الله فيما حرم الله، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إفتاء عملي بدون سؤال، تثيره أحوال الناس وفشو المعاصي بينهم.
ولا بدَّ من سلطة في الأرض وجماعة تدعو إلى الخير، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فالدعوة إلى الله تعود بالناس إلى خالقهم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صيانة للمؤمنين؛ لئلا يقعوا فيما حرم الله، وليقبلوا على ما يحبه الله ويعرفونه ويدعون إليه, كما قال -سبحانه-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
ومنهج الله في الأرض إيمان وعمل، وبناء وتكوين، وأمر ونهي، وليس مجرد وعظ وإرشاد وبيان فقط فهذا شطر، والشطر الآخر الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، لتستقيم الحياة البشرية على منهج الله، وتصان حياة الجماعة الخيرة من أن يعبث بها كل ذي هوى، وكل ذي شهوة، وكل ذي مصلحة.
والدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف ليس بالهين ولا باليسير إذا نظرنا إلى طبيعته وما يتطلبه من جهد وصبر وبذل، وإلى اصطدامه بشهوات الناس ونزواتهم، ومصالح بعضهم ومنافعهم، وغرور بعضهم وكبريائهم، وفيهم الجاهل الغافل, وفيهم الجبار الغاشم, وفيهم الحاكم المتسلط, وفيهم الهابط الذي يكره الصعود, وفيهم المسترخي الذي يكره الاشتداد, وفيهم المنحل الذي يكره الجد, وفيهم الظالم الذي يكره العدل, وفيهم المنحرف الذي يكره الاستقامة, وفيهم من يكره المعروف, وفيهم من يحب المنكر ويفعله وينشره ويدافع عنه.
ولا يمكن أن تفلح الأمة، بل لا تفلح البشرية قاطبة إلا أن يسود فيها المنهج الإلهي، ويكون المعروف معروفاً، والمنكر منكراً محارباً، وهذا ما يقتضي سلطة للخير وللمعروف تأمر وتنهى وتطاع، ومن ثم فلا بدَّ من جماعة تتلاقى على الإيمان بالله والأخوة في الله؛ لتقوم على هذا الأمر العسير الشاق بقوة الإيمان والتقوى، ثم بقوة الحب والأُلفة، وهؤلاء هم المفلحون كما قال -سبحانه-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
إن أول المعروف وأعظمه الإسلام لله، وتحكيم شرعه في كل شيء، وأول المنكر وأعظمه الكفر بالله، وتحكيم غير شرعه في خلقه.
نسأل الله أن يجعلنا من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
عباد الله: وعلى المسلم أن يدرك ويعلم أن هذا الدين لا يقوم إلا بجهد وجهاد، ولا يصلح إلا بعلم وعمل ونصح، ولا بدَّ لهذا الدين من أهل يبذلون جهدهم لرد الناس إليه، وإقامتهم عليه، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ولتقرير ألوهية الله في الأرض، ولإقامة شريعة الله في الأرض، وإقامة الناس عليها.
لا بدَّ من جهد بالحسنى حتى تنتشر الهداية في البشرية، وبالقوة حين تكون القوة الباغية في طريق الناس هي التي تصدهم عن الهدى، وتعطل دين الله أن يعمل به في ملكه، وبذلك تبرأ ذمة المؤمنين، وينال الظالم جزاءه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة: 105].
وقد بيّن الله -عزَّ وجلَّ- أن غاية المسلم هي عبادة الله وحده لا شريك له، واستفراغ جهده لجعل العالم من أقصاه إلى أقصاه متبعاً للشريعة الإلهية الغراء, كما قال -سبحانه-: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110]، ولا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان عالماً بما يأمر به وبما ينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الناس والأشياء، فإن كان من الواجبات الظاهرة كالصلاة والصيام، والمحرمات المشهورة كالزنا والخمر ونحوهما، فكل المسلمين علماء بذلك، وإن كان من دقائق الأقوال والأفعال والأحكام لم يكن للعوام مدخل فيه ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء، ثم العلماء إنما ينكرون ما أُجمع عليه، أما المختلف فيه مما لم يرد فيه دليل فلا إنكار فيه.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظيفة كل مسلم ومسلمة, كما قال -سبحانه-: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].
عباد الله: والمسلم يدعو إلى الله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في كل حال وفي كل زمان وفي كل مكان، في إقامته وسفره، وفي بيته وسوقه، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ". فَقالوا: مَا لَنَا بُدٌّ، إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا. قال: "فَإِذَا أبَيْتُمْ إِلا الْمَجَالِسَ، فَأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا". قالوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قال: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَأمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ" [البخاري (2465)، واللفظ له، ومسلم (2121)].
والمسلم إذا أمر بالمعروف شد ظهر المؤمن، وذكره بما يجب عليه، وأحبه الناس ودعوا له، وإذا نهى عن المنكر أرغم أنف المنافق، وذكر الغافل، وانبعث له من المؤمنين من يؤازره ويعينه.
ومن أراد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى، وليثق بالثواب من الله تعالى، وليتيقن أن الله معه، فمتى شعر بذلك لم يجد مس الأذى، واشتغل بإصلاح نفسه وإصلاح غيره، وهذا عمل الأنبياء والرسل وأتباعهم: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) [لقمان: 17].
أيها الإخوة: والناس يختلفون في قبول الإيمان والعمل بالأحكام، وعند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بدَّ من مراعاة ذلك؛ فالناس أربعة أقسام:
الأول: قوي الإيمان عالم بالأحكام؛ فهذا ليس له عذر، فإذا وقعت منه معصية ينكر عليه بقوة، ويعامل معاملة أشد، لئلا يكون قدوة لغيره في المعصية، كما اعتزل النبي -صلى الله عليه وسلم- الثلاثة الذين خلفوا في غزوة تبوك خمسين ليلة، وأمر الناس بهجرهم لما تركوا الخروج لغزوة تبوك مع كمال إيمانهم وعلمهم.
الثاني: قوي الإيمان، جاهل بالأحكام؛ فهذا يدعى مباشرة ببيان الحكم الشرعي، وبيان خطر اقتراف المعاصي، وإزالة المنكر الذي وقع فيه، عَنْ عبْدِالله ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- رأى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ في يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ وَقَالَ: "يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إلى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فيجْعَلُهَا في يَدِهِ"، فَقيلَ لِلَّرَجُلِ، بَعْدَمَا ذَهَبَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ لا، وَالله! لا آخُذُهُ أَبَدًا، وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- " [مسلم (2090)].
الثالث: ضعيف الإيمان، عالم بالأحكام؛ فهذا يدعى بالرفق واللين بالحكمة والموعظة الحسنة، ليزيد إيمانه فيطيع ربه، ويتوب من معصيته، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ. قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا: مَهْ مَهْ، فَقَالَ: "ادْنُهْ" فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لأِمِّكَ؟" قَالَ: لَا، وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُّحِبُّونَهُ لأُِمَّهَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لاِبْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا، وَالله يَا رَسُولَ الله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُّحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لأُِخْتِكَ؟" قَالَ: لَا وَالله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُّحِبُّونَهُ لأََِوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا، وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُّحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ"، قَالَ: "أفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَالله جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُّحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ". قال: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. [أحمد (22564)، وهذا لفظه].
الرابع: ضعيف الإيمان، جاهل بالأحكام؛ فهذا نصبر عليه، ونرفق به، ونعرفه بعظمة من يعصيه، ونعلمه الحكم بالرفق واللطف، ولا نوبخه ولا نزجره ولا نعنفه، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأعرابي الذي بال في المسجد.
عن أنس -رضي الله عنه- قال: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- إِذْ جَاءَ أعْرَابِيٌّ، فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أصْحَابُ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-: مَهْ مَهْ. قال: قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُزْرِمُوهُ، دَعُوهُ". فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: "إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلا الْقَذَرِ، إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ ا عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ". أوْ كَمَا قال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: فَأمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ، فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ، فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. [البخاري (219)، ومسلم (285)، واللفظ له].
عباد الله: أما عن وسائل الأمر بالمعروف وأساليبه، فقد قال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125]، فالدعوة بالحكمة تكون بحسب حال المدعو وفهمه، وقبوله، ومن الحكمة: العلم والحلم والرفق واللين والصبر على ذلك. والموعظة الحسنة: تكون مقرونة بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد والمجادلة بالتي هي أحسن. وهي الطرق التي تكون أدعى للاستجابة عقلاً ونقلاً، لغة وعرفاً. قال سفيان الثوري: "ينبغي للآمر الناهي أن يكون رفيقاً فيما يأمر به، رفيقاً فيما ينهى عنه، عدلاً فيما يأمر به، عدلاً فيما ينهى عنه، عالماً بما يأمر به، عالماً بما ينهى عنه".
عباد الله: ووسائل الخير كثيرة لا تحصر، فيسلك الداعي فيها أفضل الطرق، وأدعاها للقبول والاستجابة، ومنها: الخطب في أيام الجمع والأعياد والمجامع العامة، والعناية بتربية الأولاد ونشر العلم الشرعي، والإحسان إلى الناس بالقول والفعل، والكتابة والنصيحة المباشرة لصاحب المنكر، ومعاونة أفراد هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشد أزرهم.
ومن قام بالمعروف والنهي عن المنكر مكَّنه الله ونصره، وأيَّده الله وسدَّده، قال -سبحانه وتعالى-: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40-41].
والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر والأخذ على يد السَّفيه حصنٌ حصين من المحن, ودرعٌ يقي من الشُّرور والفتن، وأمانٌ تحفظ به حرمات المسلمين, به تظهر شعائر الدين وتعلو أحكامه, ويعز أهل الإيمان ويذل أهل النفاق.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته: "ألا لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه" [ابن ماجه (4007) وصححه الألباني ]، وزاد، "فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقال بحق أو يذكّر بعظيم". وهذا لا يكون إلا لمن امتلأ قلبه ثقة ويقينًا برب العالمين، وجاهد نفسه على الاستقامة على الدين والدعوة إليه، وما أجمل أعمال الصالحين.
اللهم اجعلنا من أهل المعروف فعلاً وأمرًا وجنبنا المنكر قولاً وعملاً، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت على الحق أقدامنا، وأصلح لنا أحوالنا، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين بنصرة الإسلام وعز الموحدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.