الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
إن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- عمد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله سؤالا جامعا يبتغي منه إرشاده صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه نفعه في الأولى والآخرة، فسأل سؤالا عظيما وقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- موقعا كريما، فكان السؤال والجواب جامعان لأصل عظيم من أصول النجاة.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المؤمنون: إن معراج فلاحكم، ومنار نجاتكم تقواكم لربكم -سبحانه وتعالى-، فاتقوا الله تكونوا من المفلحين.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن من طرائق فلاح العبد استرشاده بكُمل المؤمنين الذين ينصحونه النصيحة فيرشدونه إلى ما ينفعه في الداريين، فتكون به نجاته، وتتحقق له سعادته، وتتهيأ له الحياة الطيبة في الأولى والآخرة.
ألا وإن خيركم في الخلق والإرشاد هو محمد -صلى الله عليه وسلم- وكان أصحابه -رضي الله عنهم- أرغب الناس إلى إرشاده ونصحه، فيسأله أحدهم المسألة ينتفع بها هو وينتفع من بعده فئام كثيرة من الأمة.
وإن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- عمد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله سؤالا جامعا يبتغي منه إرشاده صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه نفعه في الأولى والآخرة، فسأل سؤالا عظيما وقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- موقعا كريما، فكان السؤال والجواب جامعان لأصل عظيم من أصول النجاة، فقال سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه-: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد بعدك؟
فأراد أن يجمع له النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا يلم به شتات الإسلام، ويضم أطرافه، فيستغني سفيان بجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن سؤال غيره صلى الله عليه وسلم بعده، إذا يقع جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- موافقا للحال التي طلبها وهو أن يكون جوابا مغنيا عن غيره، فقال صلى الله عليه وسلم مرشدا سفيان بن عبد الله أولا لأنه سائله ومرشد من بعده من أمته، قال صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله ثم استقم".
فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الأمر الجامع للإسلام الذي لا يسألن عن شيء بعده يرجع إلى أصلين:
أحدهما في قوله صلى الله عليه وسلم: "قل آمنت بالله".
والآخر: في قوله صلى الله عليه وسلم: "فاستقم".
أما الأمر الأول: فحقيقته إعلان الاسلام لله تحقيقا لقوله عز وجل: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا) [البقرة: 136]، (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) [آل عمران: 84] إعلانا يراد منه أمرا جامعا لتصديق العبد الجازم باطنا وظاهرا، تعبدا لله بالشرع المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- على مقام المشاهدة والمراقبة، فهو ليس قولا مجردا يقول فيه العبد بلسانه: آمنت بالله، ثم يكذب ذلك بأفعاله واعتقاداته، بل المأمور به أن يكون إيمانا جامعا لما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- مما يتعلق بالقلب أواللسان أو الجوارح والأركان.
وأما الأمر الثاني: وهو في قوله: "فاستقم" فهو إرشاد إلى طلب إقامة النفس على الصراط المستقيم، وهو دين الإسلام الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله بعث إلينا محمدا -صلى الله عليه وسلم- بدين واحد هو الصراط المستقيم، وإن شياطين الإنس والجن لم يزالوا يفتنون في كيدهم، ويحتالون في حيلهم، حتى جعلوا للخالق طرائق قددا، وسبلا متعددة، ولا نجاة للعبد منها إلا بإقامة نفسه على الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فحقيقة الاستقامة التي تؤمر بها النفوس وتتشوق إليها قلوب المؤمنين هي إقامة النفس على الدين الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- أجمع، لا فرق بين صغيره ولا كبيره، ولا جليله ولا دقيقه، إذ كله دين جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فمتى كان العبد كذلك مؤمنا بالله، مستقيا على دين الإسلام، فقد حظي بالأمر الجامع للسعادة والنجاة التي أرشد إليها النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له سفيان بن عبد الله: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل أحد من بعدك؟ فقال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا بالإسلام إلى أحق الحقائق، وجنبنا الشرور والبوائق، أحمده سبحانه وأشكره ومن كل ذنب أستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له هو الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وحجته على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون: قد نصحكم صلى الله عليه وسلم النصح وصدقكم الإرشاد، إذ قال: "قل آمنت بالله ثم استقم" مرشدا إلى ما تتحقق به النجاة في الدنيا والآخرة، فمتى أمسك العبد بهذه النصيحة، وامتثل هذه الوصية، فكان مؤمنا بالله، مستقيما على دين الله، فقد تعلق بالعروة الوثقى التي بها نجاته وسعادته في الدنيا والآخرة.
ولا تكمل تلك النجاة إلا بتجنب العبد السبل المردية، والأهواء المضلة التي تحيد الخلق عن الصراط المستقيم الذي أمروا بسلوكه، قال الله -تعالى-: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].
فإذا أراد العبد أن يقيم نفسه على الصراط المستقيم وجب عليه أن يتخذ حصنا واقيا من تلك السبل التي تستدعى بدعوات شياطين الإنس والجن الواقفين على أبوابها، يدعون الناس إلى شرورها.
فآمنوا -أيها المؤمنون- بربكم، وأقيموا أنفسكم على دين الإسلام، تكونوا في خير حال، واحذروا -رحمكم الله- كل سبيل تخالف ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- تدركوا فلاحكم ونجاتكم في الأولى والآخرة.
اللهم اهدنا إلى الصراط المستقيم واجعلنا عليه مستقيمين.