الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | سليمان الحربي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
إن هذه السعادة وهذا المذاق الحلو الذي يجده المرء في قلبه من أعظم النعم وأكبر المنن, فمتى وجدتها فاستبشر خيرا؛ فهي دليل الإيمان, فالله -تعالى- يحبب الإيمان والطاعة في القلوب، ويزينه فيه وذلك بما أودع الله في القلوب من محبة الحق وإيثاره، وبما ينصب على الحق من الشواهد، والأدلة الدالة على صحته...
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -جَلَّ وَعلا-، (وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ)[آل عمران: 30].
معاشر المصلين: في رمضان تنكشف لنا حلاوة الإيمان, وطعم الطاعة والعبادة؛ فالناس يمسكون عن طعامهم وشرابهم نهارهم كله ومع ذلك هم فرحون مسرورون بهذه العبادة, وإذا أفطروا فرحوا بعملهم وانتظروا بشوق شديد يوم غدهم ليتعبدوا مرة أخرى.
إن هذا الشعور شعور إيماني عظيم؛ وهو أن يترك المرء أغلى المحبوبات طاعة لله وامتثالا لأمره, مع الصبر على المشقة, وهذا هو السر الذي جعل سحرة فرعون لما خالط الإيمان بشاشة قلوبهم, ولامس أفئدتهم؛ نسوا كل شيء, ولم يأبهوا بتهديد فرعون وتوعده بهم, بل قالوا: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ)[طه: 72]؛ أي: لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب, على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده المعظم المبجل وحده, (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[طه: 72، 73].
عباد الله: إن هذه السعادة وهذا المذاق الحلو الذي يجده المرء في قلبه من أعظم النعم وأكبر المنن, فمتى وجدتها فاستبشر خيرا؛ فهي دليل الإيمان, فالله -تعالى- يحبب الإيمان والطاعة في القلوب، ويزينه فيه وذلك بما أودع الله في القلوب من محبة الحق وإيثاره، وبما ينصب على الحق من الشواهد، والأدلة الدالة على صحته، وقبول القلوب والفطر له، تأملوا قول الله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)[الحجرات: 7، 8], إن هذه الحلاوة الإيمانية التي يجدها الصائم من أثر الإيمان؛ كما رواه مسلم في صحيحه عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا, وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا, وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً".
وهذا الطعم ليس كأي طعم بل له حلاوة عجيبة؛ كما أخبر الصادق المصدوق ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ -زاد النسائي: وطعمه-: أنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا, وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ, وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ"؛ قال الإمام النووي في شرحه لمسلم: "قال العلماء: معنى حلاوة الإيمان استلذاذه الطاعات، وتحمله المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا", فإذا اتصف العبد بهذه الصفات، وتقرب إلى الله -تعالى- بالطاعات فلا شك أنه سيجد حلاوة الإيمان؛ كما أخبر الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-, قال الحافظ ابن رجب: "الإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب, كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم".
ولذة الإيمان لا تشبه لذة الحرام؛ لأن لذة الإيمان لذة قلبية روحية, أما لذة الحرام فهي لذة شهوانية جسدية، ويعقبها من الآلام والحسرات أضعاف ما نال صاحبها من المتعة، ولله در من قال:
تفنى اللذائذ ممن نال صفوتها | من الحرام ويبقى الإثم والعارُ |
تبقى عواقب سوء في مغبتها | لا خير في لذة من بعدها نارُ |
فليت شعري! ما هو طعمها يوم القيامة حينما تعرض الأعمال وتنشر الصحف؟ وقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أن الصائم يفرح بعمله يوم القيامة, (إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ)[الطور: 28].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ)[الأنعام: 125].
بارك الله لي ولك في القرآن العظيم, ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة, فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه, والشكر على توفيقه وامتنانه, وأشهد ألا إله إلا الله تعظيما لشانه, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه, أما بعد:
إخوتي في الله: مضى من شهركم ثلثه وقارب على نصفه, فَهَلْ سَأَلَ سَائِلٌ مِنَّا نَفسَهُ: أَينَ أَنَا مِنَ الخَيرِ في شَهرِ الخَيرِ؟ هَل كُنتُ مِن طُلاَّبِهِ العَامِلِينَ بِأَسبَابِهِ الدَّاخِلِينَ مَعَ أَبوَابِهِ؟ فَإِن كَانَ كَذَلِكَ فَطُوبى لَهُ، وَإِن كَانَ بِخِلافِ ذَلِكَ فَمَاذَا يَنتَظِرُ؟! أَيَنتَظِرُ أَن يُقَالَ غَدًا العِيدُ وَهُوَ لم يُقَدِّمْ مِنَ الخَيرِ شَيئًا؟! أَيَنتَظِرُ أَن يَخرُجَ الشَّهرُ وَقَد رَغِمَ أَنفُهُ وَلم يُغفَرْ لَهُ؟! مَنْ فينا من قام في رمضان بما عرف؟ وتشوقت نفسه لنيل الشرف؟ فاغتنموا فرصة تمرُّ مرَّ السحاب، ولئنْ كان منا من فرّط فيما مضى، فمَا بَقِيَ منه خيرٌ وأبقى، فَلْنُرِي اللهَ مِنْ أَنْفُسِنَا خَيراً، فأبواب الجنة والرحمة فتحت, والأجور معظمة, وهذا سوق المتنافسين فسارعوا إلى مغفرة من ربكم بالعمل الصالح, ونفع الناس, وكف الأذى.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]؛ فاذكروا الله العلي العظيم يذكركم, واشكروه على نعمكم يزدكم, (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].