الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
فالبصر منفَذ إلى القلب، فما تزال تلك النظرات تلك اللحظات تتتابع حتى تحرِّك شهواتِ القلب، فيقع العبد في المحذور من حيث لا يشعر، ولذا قال الله: (يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـ?رِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ)، فإن حفظ الفرج إنما يكون نتيجةً لغض البصر والبعد عن كل وسيلة تفضي إليه، (ذ?لِكَ أَزْكَى? لَهُمْ)، ذلك أزكى لقلوبهم، أزكى لنفوسهم، أزكى لأخلاقهم ..
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله: إنَّ من مقاصد شريعة الإسلام منعَ كلِّ وسيلةٍِ تفضي إلى الحرام وتقرّب منه، فالإسلام منع المسلمَ؛ ليكون على بعدٍ من معاصي الله، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، فعلى المسلم اتِّقاءُ تلك الوسائل والحذر من الوقوع فيها.
ألا ترى الشرعَ منع المسلم من أداء الصلاة، أعني: المكتوبة أو النافلة، ما عدا الصلاة على الجنازة، منعَ المسلم أن يصلي في المقبرة، لماذا؟! خوفًا عليه من أن يخدعه الشيطان فيجعل تلك الصلاة لصاحب القبر، ألا ترى منع المزكّي والمتصدِّق من شراء صدقته خوفًا من أن يكون في ذلك محاباة له ممن دفعها إليه، فيكون ساعيًا في ردِّ صدقاته إليه. وهكذا الوسائل المفضية للربا منعها الإسلام خوفًا على المسلم من الوقوع في الحرام. فكل الذرائع والوسائل المفضية للحرام فالشارع الحكيم أبعد المسلمَ عنها ونأى به عنها.
ولما كانت جريمة الزنا من أعظم الجرائم، ومن كبائر الذنوب، ومن الأمور الشنيعة التي قال الله فيها: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32] منع المسلم من كل وسيلة يمكن أن توقعه في هذه الجريمة، فحرَّم عليه أن يخلوَ بامرأة ليست من محارمه: "إياكم والدخول على النساء"، وقال: "لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلاَّ مع ذي محرم"، "ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"، وحرَّم على المرأة السفرَ بدونَ محرم حمايةً لعرضها وصيانة لكرامتها وخوفًا عليها من الوقوع فيما حرم الله.
ومن ذلكم أنه أمر المسلم بغضّ بصره، ونهاه أن ينظر إلى ما لا يحلّ له النظرُ إليه خوفًا من أن يؤدِّيَ ذلك النظر إلى الوقوع في الحرام، قال تعالى: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ) [النور:30].
تأمل -أخي المسلم- هذه الآية: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ)، أمرٌ من الله لنبيِّه أن يخاطب أهل الإيمان المستجيبين لله ورسوله السامعين المطيعين القابلين لأوامر الله المنفذين لها: (قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ)، أمرهم بالغض من أبصارهم، لم يقل: غضوها، وإنما قال: غضوا من أبصاركم، أي: غضوا من أبصاركم فلا تنظروا إلى ما حرُم عليكم النظر إليه، واجعلوا النظرَ فيما ينفعكم، لا فيما يضرُّكم، وسخِّروا تلك الجارحةَ فيما ينفعكم، (إِنَّ السَّمْعَ وَلْبَصَرَ وَلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـائِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36].
(يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ)، فكان غضّ البصر سببًا لحفظ الفرج؛ لأن البصر ينفذ إلى القلب، وما تزال تلك اللحظات والنظرات تَتَتابع حتى توقِع في القلب مرضَ الشهوة، فيتحرَّك القلب لذلك الأمر، والقلب هو الحاكم على الجوارح، إذا صلح صلح الجسد كلُّه، وإذا فسد القلبُ فسد الجسد كلُّه، كما قال: "ألا إن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
فالبصر منفَذ إلى القلب، فما تزال تلك النظرات تلك اللحظات تتتابع حتى تحرِّك شهواتِ القلب، فيقع العبد في المحذور من حيث لا يشعر، ولذا قال الله: (يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَـارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ)، فإن حفظ الفرج إنما يكون نتيجةً لغض البصر والبعد عن كل وسيلة تفضي إليه، (ذلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) [النور:30]، ذلك أزكى لقلوبهم، أزكى لنفوسهم، أزكى لأخلاقهم، ذلك أزكى لهم من الوقوع في الرذائل، فالأوامر الشرعية هي سببٌ لزكاة القلوب وصلاح القلوب واستقامتها، (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، خبير بأعمال العباد، عالمٌ بسرِّهم وعلانيتهم، لا يخفى عليه شيء من أحوالهم، (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الملك:14].
ثم قال: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ) أراد -جل وعلا- أن يبيِّن أن الأمر عامّ للجميع، وإن كان يكفي الخطاب الأول، لكن ذكر النساء بعد ذكر الرجال ليكون الأمر عامًا ولينتبه كلٌّ من الجنسين: (وَقُل لّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:31].
أيتها المسلمة، أيها المسلم: كلٌّ منَّا مخاطبٌ بهذا، فالمرأة المسلمة مأمورة بغض بصرها وأن لا تتطلع إلى النظر إلى الرجال، وكذلك الرجل مأمور بغضِّ بصره وأن لا يتطلع بالنظر إلى النساء، فغضّ البصر سبب لزكاة القلب واستقامة الأحوال. النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه: "إياكم والجلوسَ في الطرقات"، قالوا: يا رسول الله: مجالسنا ما لنا منها بدّ، قال: "إن كنتم لا بد فاعلين فأعطوا الطريق حقَّه"، قالوا: وما حق الطريق؟! قال: "كف الأذى، وغض البصر، وإفشاء السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".
فمن حقّ الطريق ومن الحقّ الواجب على الجالس في الطريق أن يكون غاضًّا لبصره، لا يؤذي المؤمنات بنظره إليهن، فإن ذلك من الأذى لا من حقّ الطريق، فحق الطريق أن تغضَّ بصرك عن النظر إلى ما حرّم الله عليك. والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لعلي –رضي الله عنه-: "لا تُتْبع النظرَةَ النظرة؛ فإن لك الأولى وليست لك الثانية"، قد تكون نظرةَ فجأة لكن النبي قال له: "لا تتبع النظرةَ النظرة؛ فلك الأولى -أي: عفوٌ- وليست لك الثانية".
وقال جرير بن عبد الله: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نظرة الفجأة، فقال: "اصرفْ بصرك"، فأمره بصرف بصره، وفي صرف البصر كفّ وتحصين للنفس من الإقدام على الحرام.
أيها المسلم: إن غضّك بصرَك عندما تطَّلع إلى ما لا يحل لك النظر إليه يعقبك خيرًا وفضلاً، ففي الحديث: "من نظر إلى محاسن امرأة ثم غضّ بصره أورثه الله إيمانًا في قلبه يجد حلاوة ذلك".
أيها المسلم: فاتق الله في نفسك، واتق الله في محارم المسلمين، واعلم أن أيّة إساءةٍ منك لعورات المسلمين قد يعود الأمر عليك عكسَ ما تريد، فعُفَّ عن نساء الغير، تعفّ نساؤك، وابتعد عن النظر إلى عورات الآخرين لتحمي بذلك عرضَك، وتصون بذلك كرامتك.
أيها المسلم: إن هذا النظر قد يوقعك في المهالك، فتنظر إلى ما لا قدرةَ لك عليه، ولا صبر لك عنه، فيمرض قلبك مرضًا تتمنَّى العافيةَ من بلائه، فإن أمراض الشهوات لا تزال بالقلب حتى توقعه في الحرام، ولذا قال الله مؤدبًا لنساء نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِلْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) [الأحزاب:32]، فنهاهن عن خضوع القول للرجال؛ لأن إخضاع المرأة قولَها ومحاولة ترقيق كلامها أمامَ رجل أجنبي عنها قد يؤدي إلى حدوث أمور لا تحمد عقباها.
أيها المسلم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل إطلاق النظر من زنا العينين، يقول: "كتب الله الزنا على ابن آدم، فهو مدرك ذلك لا محالة، فزنا اللسان النطق، وزنا الأذنين الاستماع، وزنا العينين النظر، وزنا اليدين البطش، وزنا الرجلين الخطى، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدِّق ذلك أو يكذِّبه".
فليتَّق المسلم ربه، وليحافظ على سلامة دينه، وليغضّ بصره عما حرَّم الله عليه، وليكن حريصًا على صيانة عورات المسلمين، بعيدًا عن كل ما يثير الفتنة. وعلى النساء المسلمات تقوى الله في أنفسهن، والبعد عما يثير غرائز الرجال.
إن البعض من المسلمات -هدانا الله وإياهن- كثيرًا منهن حصل عليهن نقص في اللباس، فتخرج المرأة إلى السوق أو إلى أي ملتقى سافرةً وجهَها، متعطرةً، متجمِّلةً، في أعلى زينتها، ذلك من أسباب إثارة غرائز الرجال، وتعلُّق الفسّاق والأراذل بها، فلتتق المرأة ربها، ولتصن عرضَها، ولتبتعد عما يثير الفتنة، ولتكن المرأة المسلمة بعيدة عما عسى أن يكون سببًا للإثارة، فتحفظ دينها، ولا تحمل الرجال على النظر إليها. وعلى الجميع تقوى الله في أحوالهم كلها، ففي الوقوف عند تعاليم الشريعة سببٌ للاستقامة والثبات على الحق.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى حق التقوى.
اقبلوا أوامرَ ربكم، وابتعدوا عن نواهيه، وتأدَّبوا بما أدّبكم به ربكم في كتابه العزيز، فإن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم، هذا القرآن يهدي لكلِّ خير، هذا القرآن منهجٌ للمسلم في حياته، يتأدَّبُ بآدابه، ويتخلَّق بأخلاقه، يقف المسلم عند أوامره فيمتثلها، وعند نواهيه فينزجر عنها، ليكُن هذا القرآن منهجًا في حياتنا، فلو تدبَّرنا كلامَ ربنا وتعقَّلنا معانيَه لنلنا السعادة في الدنيا والآخرة، فالسعادة في الدنيا والآخرة إنما هي تحت ظلال القرآن وبالعمل بآداب هذا القرآن. فهذا منهج القرآن في تنظيم سلوك المسلم، ورسم الطريق السليم الذي يسير عليه، ووضعه على صراط مستقيم، يؤول به إلى الخير والسلامة. وسائل المحرمات مُنع منها وحُذِّر منها وأُبعد عنها ليكون نائيًا عنها، آخذًا بالحذر، مبتعدًا عن الشر، يعلم أن عدو الله إبليس يتربَّص به الدوائر، يجري منه مجرى الدم، يحاول في كل لحظة من لحظاته أن يقلب قلبه ويضله عن الطريق المستقيم، ولكن المؤمن يبتعد عنه ملتجئًا إلى الله، آخذًا بآداب هذا القرآن ليكون حِصنًا له حصينًا من مكائد عدو الله، وإذا تخلّف المسلم عن تلك الآداب أعان عدوَّه عليه، وأصبح عونًا لعدوه عليه، ذلك العدوّ الذي هو عدو أبينا وعدونا إلى يوم القيامة، فلنأخذ حِذرنا، ولنتأدب بآداب ربنا، ليكون سببًا لاستقامة حالنا وصلاح أحوالنا.
نسأل الله أن يوفقنا جميعًا للعمل بهذا الكتاب العزيز، والتأدب بآدابه، والأخذ بتعاليمه، والثبات على ذلك، إنه على كل شيء قدير.
واعلموا -رحمكم الله- أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار.
وصلوا -رحمكم الله- على عبد الله ورسوله محمد امتثالاً لأمر الله تعالى حيث يقول: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين...