البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

التأمين لدين المسلمين

العربية

المؤلف صالح بن عبدالله بن حمد العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الاستِمساك بدينِ الله والاستِقامة على منهَجِه .
  2. فضل الثبات على الحق .
  3. من علامات الفتنة في الدين .
  4. ثمرات الثبات على الدين. .

اقتباس

وإذا كان هذا الأمر مخوفًا منه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف الخوف على غيره، وإذا كان هذا الخوف على النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدر الزمن الأول من الإسلام الذي هو زمن قوته، فكيف الحال مع تأخر الزمان وبُعد العهد بالرسالة إلا شدة الخوف من أهواء الذين لا يعلمون أن تباشر قلوب المؤمنين فتخرجها من الإسلام إلى الكفر أو من السنة إلى البدعة.

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: إن من مقاصد الشرع الحكيم وموارد الدين القويم: الاحتفاء بحفظ الدين والعناية به، وإن أعظم الأوامر والنواهي التي بُوشر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم تتعلق بحفظ الدين من كل ما يغيّره أو يكدره، فإن تأتي عليه العوائق فتخرج العبد تارة من الإسلام إلى الكفر أو تخرجه من السنة إلى البدعة، والتي كالعواتي العاتية أشد من الريح العاصف والرعد القاصف الذي يجتث الأشجار من جذورها.

وإن الله -سبحانه وتعالى- قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فيما أمره به حفظًا لدينه وتنبيهًا للمؤمن من بعده، أي: احرصوا على ما تحفظون به دينكم، فقال -سبحانه وتعالى-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18].

فأخبره ربه -سبحانه وتعالى- أنه اصطفى له شريعة من الدين لم تكن لغيره من الأنبياء والمرسلين، وأنه يتخوف عليه من الأهواء المضلة التي تزحزح العبد من الإيمان إلى الكفران وأخبره أن تلك الأهواء هي أهواء الذين لا يعلمون.

وإذا كان هذا الأمر مخوفًا منه على النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف الخوف على غيره، وإذا كان هذا الخوف على النبي -صلى الله عليه وسلم- في صدر الزمن الأول من الإسلام الذي هو زمن قوته، فكيف الحال مع تأخر الزمان وبُعد العهد بالرسالة إلا شدة الخوف من أهواء الذين لا يعلمون أن تباشر قلوب المؤمنين فتخرجها من الإسلام إلى الكفر أو من السنة إلى البدعة.

وقال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف:28].

وإذا كان هذا له -صلى الله عليه وسلم- فأنتم أيها المؤمنون احفظوا دينكم فلا تتبعوا من أطاع هواه وكان أمره فرطًا.

وقال -سبحانه وتعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ) [الزخرف: 43]، فأنتم أيها المؤمنون استمسكوا بدينكم الذي جاء به أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-.

وقال -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود: 112]، أي: ومن تاب معك مأمورون بأن يستقيموا بما أمر الله -سبحانه وتعالى-، لا أن يطيعوا الأهواء والآراء وإنما يمسكوا بالدين الذي أوحى به الله -سبحانه وتعالى- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنه سبيل نجاتهم وطريق أمانهم في الدنيا والآخرة.

فلا يخرج العبد من معرة العاتيات المغيرة للدين من أهواء الذين لا يعلمون إلا بأن يستمسك بالدين الذي أوحاه الله إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- فيرضى بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً.

وليس ذاك بأمر يعز ولكنه أمر شديد فيوجد في الناس من يثبتهم الله -عز وجل- على الدين الحق قال تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب:23].

فأما أولئك الذين قضوا نحبهم وتقدمت آثارهم فمن مضى من الرعيل الأول من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين شهد الله -عز وجل- لهم بأنهم مؤمنون عاهدوا الله -عز وجل- فصدقوا ما عاهدوه عليه، وأما الذين جاءوا من بعدهم فإنهم إخوان النبي -صلى الله عليه وسلم-.

فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا: "وددنا أن قد رآنا إخواننا"، فقالوا له: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: "لا، أنتم أصحابي وإخواننا قوم يأتون من بعدي" أي: يأتون من بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- فيؤمنون به وهم لم يروه، ويتبعونه -صلى الله عليه وسلم- وهم لم يروه ويثبتون على دينه -صلى الله عليه وسلم- وهم لم يروه، ويوقنون بأن منتهى من آمن به أن يلقاه -صلى الله عليه وسلم- في دار الكرامة في جنات عدن فهم يسلُّون أنفسهم وإن تأخر زمانهم وتخلفت أحوالهم أنهم آخذون بالصراط المستقيم الذي جعل الله -عز وجل- عليه محمد -صلى الله عليه وسلم-.

فهم يسيرون بسيره ويقتدون بهديه ويصبرون على أمره حتى تفيض أرواحهم، ويرجون رحمة ربهم أن يجمعهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- وغير مبدلين ولا محولين.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أنعم فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مؤمنة من كل شرك وبدعة وهواء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المؤمنون إن الله -عز وجل- أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- بما يحفظ به الدين تنبيهًا لحفظ دينه -صلى الله عليه وسلم- ثم حفظ المؤمنون أديانهم أن يحولوا عنها أو يغيروا فيها.

ثم إن الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أبلغ في نصحكم فترك لكم من ذلك علمًا، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويصبح كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع  دينه بعَرَض من الدنيا".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن أمتكم هذه جُعل عافيتها في أولها، وإنه سيكون في أخرها بلاء وأمور تنكرونها فتجيء الفتنة يرقق بعضها بعضًا، ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف ثم تجيء الفتنة فيقول المؤمن هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة فليؤمن بالله واليوم الآخر، ولتأتيه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شرًّا منه"، فقد أخبركم -صلى الله عليه وسلم- بما تثبت به قلوبكم ويثبت به يقينكم ويزيد إيمانكم فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزال من هذه الأمة طائفة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس".

فليس الخوف على دين الله، فدين الله محفوظ، ولكن الخوف على دين كل واحد منا أن يكون له اليوم دين لم يكن له بالأمس.

وهذه علامة الفتنة بالدين؛ فإن الدين الحق واضح مشهور معلوم لا يخرج للناس في أواخر الزمن منه ما لم يكن يعرفونه، وإن ابن عمرو -رضي الله عنهما- قال لكم أيها الناس "إنه سيكون في آخر الزمن كذابون يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم".

ولعمري إن أولئك الكذابين ولاسيما الذين يزيدون في الدين بما ليس منه، أو يحولون شرائعهم عما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- قد امتدت أعناقهم وطار شررهم وبان ضررهم.

فالنجا النجا الزموا دينكم الذي تعلمون من مشاهير علمائكم، فإنما الدين المشهور، وإنما الدين الظاهر المعروف عند الناس الذي تواطئوا عليه قرنًا بعد قرن، واسألوا الله -سبحانه وتعالى- أن يحييكم على الإسلام والسنة وأن يميتكم على الإسلام والسنة؛ فإن الأمر شديد..

اللهم أحينا على الإسلام والسنة وأمتنا على الإسلام والسنة.