البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | خالد بن علي أبا الخيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - التربية والسلوك |
الكبار نور البيوت.. وما أحسن الاجتماع والائتلاف والزيارة والإتحاف وبينهم كبيرٌ هذا يُقبّل رأسه، وهذا يوقر شيبته، وثالثٌ يُنصت لحديثه، ورابعٌ يهمزُ رجله وهكذا في حالٍ تُرفرف فيها السعادة، وتبتهج فيها الابتسامة، وتُضيء الحياة بهجة، كبارنا شمعة دورنا ونور مساجدنا، هم الذين للصلاة يُحافظون ويتقدمون، ومن تجارب حياتهم ينصحون، عاشوا حياة الفقر والعناء، وطلب العيش والسفر، والنزول..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الواحد القهار منح الكبار الحق والازدهار، وجعله من الاحترام والتوقير للكبار، وأشهد أن لا إله إلا الله العزيز الغفار، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله القائل: "ليس منَّا مَن لم يوقّر الكبار"؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه لاسيما الأربعة الأطهار، والعشرة الأبرار، وبقية الصحابة الأخيار والتابعين ومَن تبعهم إلى يوم القرار..
أما بعد: فاتقوا الله فهي الدرع الحصين من شر الشياطين، وهي الفوز المبين يوم الدين بجنة رب العالمين.
اجعل شعارك حيث ما كنت التُقى | قد فاز مَن جعل التُقى إشعارهُ |
واسلك طريق الحق مُصطحبًا به | إخلاصُ قلبك حارسًا أسرارهُ |
وإذا أردت القُرّب من خير الورى | يوم القيامةِ فاتبع أثارهُ |
أيها المسلمون: الحديث عن شريحةٍ علينا غالية ولها في إسلامنا منازلُ عالية، شريحةٌ لها قدرُها واحترامها وقلّ بيتٌ يخلو منها وهي جزءٌ من مجتمعنا، فئةٌ لها سبقها وإسلامها وعملها وتجاربها، فئة عباد الله لها الحق العظيم من الرب الكريم إنها عباد الله حقوق الكبار على الصغار، وهذه حلقتنا الأولى وفي جمعةٍ قادمة -بإذن الله- حقوق وآداب صغارنا، فمعنا تذكير الصغار باحترام الكبار.
ما أجمل كبار سنا! وما أحسن حديثهم معنا متعةٌ وزينة وجمالُ البيت وزهرة الحياة، الإسلام يا مسلمون حرص على العناية بمرحلة الكِبَّر ومنزلة الشيخوخة؛ فأعطاها حقها وجعلها محطة تكريم وعناية وودٍ حميم، ولهذا علاقتها ودية حميمية وأبوة حانية وأخوة حية، المشيب له تجاربه وحياته وعلمه وآدابه وأنّاته وعقله ورزانته.
إن المشيب رداء الحلم والأدبِ | كما الشباب رداء اللهو واللعبِ |
الكبار نور البيوت، وانظر إذا خلت من كلاهما أو أحدهما ماذا حالها؟ طويت خيامها وانعقدت ظلامها؛ بسبب الكبار صلة الأرحام، وبسبب الكبار عمارة المساجد، وحُسن الجوار، وتألف القلوب وصلاح الأُسر واجتماعها وتقاربها وتواصلها، وما أحسن الاجتماع والائتلاف والزيارة والإتحاف وبينهم كبيرٌ هذا يُقبّل رأسه، وهذا يوقر شيبته، وثالثٌ يُنصت لحديثه، ورابعٌ يهمزُ رجله وهكذا في حالٍ تُرفرف فيها السعادة، وتبتهج فيها الابتسامة، وتُضيء الحياة بهجة، كبارنا شمعة دورنا ونور مساجدنا، هم الذين للصلاة يُحافظون ويتقدمون، ومن تجارب حياتهم ينصحون، عاشوا حياة الفقر والعناء، وطلب العيش والسفر، والنزول والارتحال والكدِّ والتضحية في سبيل ذرياتهم وزوجاتهم؛ ولهذا لهم معاملةٌ خاصة وحقوقهم حاسمةٌ ماسة.
وكان رسول الله -عليه الصلاة والسلام- له معهم معاملةٌ خاصة مع كبار السن فقد أولاهم كل عناية وعطفٍ ووصاية مع أنه مع كل الناس إلا أن هؤلاء ليسوا كالناس، فلنسمع إلى سيرته العطرة ما يجعلنا كأبناءٍ لهؤلاء الكبار من التوقير والاحترام، ويتأدب بذلك الصغار، والكبار إذا كان والدين؛ فحقهما أعظم حق: حق البر وحق الكِبَّر فلهم حقان.
معشر المسلمين: إن سيد المرسلين عدَّ الرجل الكبير من خير الناس؛ إذا أحسن عمله، وأطاع ربه واستعد لِمَّا أمامه، ولما قيل له: مَن خير الناس؟ قال: "مَن طال عمره وحسُن عمله".
وكان -عليه الصلاة والسلام- يحث على توقيرهم واحترامهم كما عند أحمد في مسنده: "إن من إجلال الله إكرامَ ذا الشيبة المسلم".
وإكرامه في المجالس والجلوس أمامه، وألا تمد رجليك قُدامه تُعامله بلطفٍ وشفقة وحنوٌ ورفقٍ ورحمة، تُقدمه في المسير والطريق، تُنصت لحديثه ولا تتضجر من كلامه، تذكر سابقته للإسلام وتذكر ما مرّ عليه من الأيام، لا تشتغل أمامه بالأجهزة الذكية والتواصلات الاجتماعية لاسيما إذا كان الوالدين.
ومن الإجلال: تقبيل رأسه وتصديره في مجلسه، وإناسهُ وأُنسه وتوسع له في مجلسك، فاحترام ذي الشيبة المسلم من حق المسلم على المسلم، هذا الكبير الذي شاب عارضا في الإسلام ومرّت عليه الحياة بعُسرها ويُسرها على توالي الأيام، لما جاء شيخٌ يريد النبي -صلى الله عليه وسلم- فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فقال: "ليس منَّا مَن لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا".
فعنوان المسلم توقير مشايخه وأكابره من المُسنين طاعةً لرب العالمين، ولا يخلو عباد الله من دعوةٍ لك ربما سعدت بها في دينك ودُنياك.
ذكر ابن كثير -رحمه الله-عن طلحة عن عمر أنه خرج ذات ليلة في سواد الليل، فدخل بيتًا، قال طلحة: فلما أصبحت ذهبت إلى ذلك البيت، وإذا عجوزُ عمياءُ مُقعدةٌ فقلت لها: ما بال هذا الرجل يأتيكِ؟ فقالت: إنه يتعاهدني كذا وكذا ويأتيني بما يُصلحني ويُخرج عني الأذى. فمعاملة الكبار ورعاية المُسنين لها في شرعنا مكانٌ متين.
وانظر إلى بلدانٍ مجاورة كيف حال كبارهم ومصيرهم يعيشون مُنعزلين وعن أبناءهم وعن الناس بعيدين، حقوقهم مُنتهكة ومشاعرهم مُحترقة مُهملين مرميين مُبعدين منسيين، فالحمد لله على نعمة هذا الدين وما منح كبارنا إلا عِزًا وشرفًا، وفي مجتمعنا بحمد الله من الأبناء وغيرهم ما لهم الاحترام والتبجيل والتوقير والرأفة امتثلوا تعاليم الإسلام الراقية، والآداب الحانية فضربوا أروع الأمثلة وأجمل المواقف في الاحترام والتوقير زادهم الله من فضله وسخر لهم من عطاءه.
ومن حق الكبير أيها الشاب الصغير: ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُقدر سنهم وضعفهم وكِبرهم فلما دخل مكة فاتحًا، ودخل المسجد الحرام أتاه أبو بكر بأبيه أبي قُحافة فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا أتيه" قال أبو بكر: هو أحق أن يمشي إليك، قال: فأجلسه، ثم مسح رأسه وقال له: "أسلِم" فأسلَم. (رواه أحمد).
هنيئًا لمَن يتقدم للكبير ولا ينتظر مجيئه؛ فتقدير الكبار عند النزول والجلوس والركوب في السيارة أو الطائرة، وتوقير ضعفه واحترام سنه سُنةٌ نبوية وحقوقٌ أبوية.
ومن توقير الكبار أيها الأخيار: حسن استقبالهم في مجيئهم وقدومهم وتذكر إسلامهم وسنهم، ذات يوم قَدِم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عجوزٌ صديقة لخديجة رضي الله عنها، فأقبل عليها وقال لها: "كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟" فقال له عائشة: تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال! قال: "إنها كانت تأتينا زمان خديجة وإن حسن العهد من الإيمان".
والبعض إذا قابل الكبير قابله بوجهٍ مُكفهر وجبينٍ مُعبّس وألفاظٍ مُسيئة وردٍ قبيح وتزمر وتضجر وتحسر وتكدر، وربما عيّره بكِبره وجوارحه وسنه، وقلة معرفته وثقافته، وإدراكه وعلمه، وأن زمانك هذا زمانٌ قد فات، وأنت لا تعرف التواصلات ولا التقنيات.
ومن حقوقهم على أبنائهم وإخوانهم: إدخال السرور عليهم وإظهار الفرح والبشر معهم والسرور بحديثهم، ولما قال عجوزٌ: يا رسول الله ادع الله أن يُدخلني الجنة، قال: (إن الجنة لا يدخلها عجوز) إن الله يقول: (إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) [الواقعة: 35-37]، فإدخال الفرح عليهم وعدم تقنيطهم بكِبرهم، أو بقلة معرفتهم، أو دنو آجالهم، أو توالي الأمراض ونحو ذلك.
ومن حقوق الكبار أيها الأبناء الأبرار والإخوة الأطهار: تقديمهم على غيرهم في الدخول للمسجد أو المنزل، وبدأ الطعام بهم، ورفع معنوياتهم، وتوقيرهم وقضاء حوائجهم، والسلام عليهم وتحيتهم، والمسارعة لخدمتهم سواءً في مراجعة المستشفى، أو دائرةٍ حكومية، أو معونتهم على حمل متاعهم، أو تيسير السبيل لهم.
ومن المظاهر الحسنة: أن ترى شابًا مُمسكًا بيد والده أو والدته أو غيرهما، يفتح باب السيارة له، يقوم ليقعد مكانه، يأخذ ورقته أو كارت علاجه ليُقدمه ويخدمه، يُقبّل رأسه ويحترمه، ما أجمل المظاهر حينما ترى مَن يوقف السيارة ليعبر كبير السن، ويأخذ بيده ليقطع به الطريقَ! ما أجمل الألفاظ الحانية على كبار سننا ! أبشر، تقدم، خذ راحتك، أنت بمنزلة والدي، أنا ابنك الأصغر، أنا في خدمتك، متعك الله وعافاك.
ومن حقوقهم في الإسلام: أن الإسلام قدمهم في مواطن متعددة وأحوالٍ متفاوتة ففي الكلام قال سيد الأنام لعبد الرحمن بن سهل ومعه مُحيصة وحويصة، فلما أراد عبد الرحمن أن يتكلم وهو أحدثهم سنًا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كبّر كبّر"، أي: قدم الكبير في السن، وهو في إمامة الصلاة لما ذكر درجات التقديم قال: "فإن كانوا في الهجرة سواء فليؤمهم أكبرهم سناً"، فجعل للكبير منزلة وحظًا.
وفي السلام قال -عليه الصلاة والسلام-: "يُسلم الصغير على الكبير"، وفي الإعطاء قال النبي المصطفى في رؤيا المنام ومعه سواك يقول: "فناولت الأصغر فقيل لي: كبّر؛ فدفعته للأكبر".
وفي مراعاة المشاعر للإخوة الأكابر أوتيَّ -عليه الصلاة والسلام- شراب وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟" فأبى. قال النووي -رحمه الله-: "وفعل ذلك تأليفًا لقلوب الأشياخ وإعلامًا بودهم، وإيثار كرامتهم إذا لم تمنع منه سُنة، فتقديمهم مخصوص إذا لم يكن الحق لغيرهم".
قلت ما سمعتم وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده.
أيها المسلمون: إذا ذُكِر كبير السن؛ ليس المقصود أن يكون مُخرّفًا فاقدًا لعقله، أو الوالدين فحسب بل كلٌ له حق، الوالدان لهما حقان: حق الأبوة، وحق الكِبر، ولهذا خص سبحانه مزيدًا من البر في قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا) [الإسراء:23].
بل متى ما كان أكبر منك سنًا؛ فأنزل له احترامًا وقدرًا، كبار السن فيهم بركة وفي تجارب حياتهم عبرة وصبرٌ وقوة، فيهم العُبَّاد الصالحون والمنافسون المسابقون، أدركوا أجيالًا صادقة، وأقوامًا نواياهم خالصة، أدركوا زمان الراحة والسكون والبساطة، وطيب العيش أحلى ما يكون، كبار السن زينة المجالس وتحفة المُجالس، يختصر لك الطريق في المشاورة والرأي الدقيق فليكن شعارنا: برّ كبارنا. عقولهم أقوى، وإدراكهم أحرى وأدرى.
من حقوقهم على غيرهم: احترام ضعفهم ومراعاة كبرهم والتخفيف عليهم، ولهذا عباد الله الشارع خفف على الكبير في الحج؛ إذا كان لا يستطيع الحج بنفسه؛ أن يُنيب غيره كما في حديث الخثعمية: إن فريضة الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: "نعم".
وفي الصيام: إذا ضعف وعجز عن ذلك؛ جاز له الإطعام عن الصيام، ومن ذلك أمره -صلى الله عليه وسلم- الأئمة الذين يصلون بالناس؛ أن يراعوهم ويُخففوا عليهم ما لم يُخلوا بالواجب، فقال كما في الصحيح: "إذا صلى أحدكم بالناس فليُخفف فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير".
فإذا كان هذا في أبواب العبادات فما بالك في العادات والمباحات؛ مراعاة حالهم ورفقًا بهم وتخفيفًا عليهم، وتجد بعض الصغار يُحمل الكبار وكأنهم في عنفوان الشباب ويشق عليهم في الإقامة والأسفار، يُكدر حياتهم ويُسيء التعامل معهم، ولهذا يجب تطبيق الأخلاق والقيم نحو الكبار والتماس الأعذار، ما أجمله من دين راعى الحقوق، ومنع العقوق، وأوصانا بالعطف والحنان وإجلال الكبير، ولهذا جعل للأخ الأكبر، والأخت الكبرى احترامًا وحقًا.
لا أُخفيكم سرًا هذا ولله الحمد هذا خُلقٌ سائدٌ بيننا؛ وبهذا تستمر الصلات وتدوم الاجتماعات وتزول النزاعات والشقاقات وتصفو الحياة وتحلّ البركات، ويجب على الآباء والعلماء والمعلمين والمربيين والمدرسين؛ تعليم الأبناء والصغار احترام الكبار، وأن مَن أكرم شيخًا كبيرًا؛ فالجزاء من جنس العمل، وفي الحديث: "ما من مسلم يُكرم ذا الشيبة إلا قيّد الله له مَن يُكرمه في سنه".
ولا تتظاهر أيها الشاب بقوتك وفتوتك ونشاطك على كبار سنك بالإيذاء والسخرية والازدراء؛ فعليك بالرفق والاحترام، وإذا تحدث؛ قابله بالإنصات والاستماع فكم ممَن يعدُّ حديثه عبئًا وثقلًا، وأمره مشقةً وهما، وتصرفه ازدراءً واحتقارا.
فيا أيها المسلمون ربوا أبنائكم على هذه القيم، واحترام الكبار سواءً من الآباء أو الأقارب أو غيرهم، علموهم الأدب الحسن معهم ومراعاة الكِبر، ومن المؤسف أن ترى مَن يتقدم على الكبير، وفي مجالسنا ترى صغارنا في صدور مجالسنا وكبارنا في أقصاها، ونرى شبابًا تستطيل ألسنتهم على الكبار، فلا يعرف للكبير قدرًا ولا مكانة قد يلمزه بجهله وقلة رأيه، أو بعدم نظافته وسوء خلقه وتصرفه، والواجب علينا أن نُظهر للكبار احترامهم؛ فيتأسى بنا غيرنا من أبنائنا وشبابنا، فاظهر لأبنائك احترامهم، واجعلهم معك لزيارتهم.
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منَّا | على ما كان عوده أبوه |
وما أحوجنا إلى التربية الناجحة والآداب الإسلامية النافعة أن يكون الصغار يعرفون قدر الكبار ويُجلّون الكبار، يُقدمونهم مجلسًا ويُقدمونهم جلوسًا، ويبدؤونهم سلامًا ويستشيرونهم رأيًا ويصغون إليهم حديثًا، ويُرونهم إجلالًا واحترامًا، إن هذه القيم تربط الأحفاد بالأجداد والحاضر بالماضي؛ تُعطي الدروس وتُهذب النفوس؛ فالأدب مع الكبار عنوان سعادة الصغار؛ بأن يحرص على إكرامه وإجلاله وتجنب السلوكيات التي تُسيء له، وأن يفرح بقدومه ولا يدخل قبله، فديننا دين الجمال والكمال والتمام أعطى كلًا حقه بتمامٍ وانتظام، فهنيئًا لمَن تمسك بآداب الإسلام.
وخلاصة الكلام وعصارة المقام:
يفيض القلب حبًا وامتنانا | لآباءٍ لنا بهم افتخارُ |
إليهم ننتمي وبهم شرُفنا | وقد عمُرت بآباءِ الديارُ |
وخيرٌ لي من الدنيا دعاهم | فذلك خير ما ربح التجارُ |
وصاة نبينا بالشيب منَّا | نوقرهم وحُق لهم وقارُ |
يُقدرهم كأنهم ملوكُ | ويرحمهم كأنهم صغارُ |
يُقدمهم لسنهم احتراما | لهم من بين قومهم الصدارُ |
إذا جاءوا هش لهم وحيَّا | وطاب لهم بمجلسه الجوارُ |
ومازحهم وضاحكهم بلطفٍ | ولذ لهم بمزحته الحوارُ |
يُعرفهم مواسم كل خيرٍ | ليبتدروه والخير ابتدارُ |
ويُطمعهم بعفو الله عنهم | إذا صح المتابُ والانكسارُ |
ويصفح عن إساءتهم ويعفو | وخيرُ العفو ما معه اقتدارُ |
يُخفف عنهم والدين يسرٌ | وأولى الناس باليسر الكبارُ |
ومن جشعٍ يُحذرهم نصوحًا | لقد نفع التيقّظ والحذارُ |
والله أعلم.