البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

البارئ

(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...

الصدق مع الله

العربية

المؤلف حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - أعلام الدعاة
عناصر الخطبة
  1. أهمية الصدق مع الله تعالى .
  2. حاجة الصدق من جميع مكونات المجتمع .
  3. حقيقة الصدق مع الله .
  4. نماذج من حال الصحابة الكرام مع الصدق .

اقتباس

وهكذا كل مسئول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله -جل وعلا-، وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسئوليته، وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته؛ فالقاضي لا يوفق إلى الصواب إلا بصدق تام مع الله -جل وعلا-، والمفتي لا يهتدي إلى ما فيه براءة ذمته إلا إذا كان صادقاً مع الله ظاهراً وباطنا ..

 

 

 

الحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: إن أصل الحياة الطيبة وقاعدة السعادة المنشودة وأساس العاقبة الحسنة في العاجل والآجل -يكمن في الصدق مع الله -جل وعلا-؛ ظاهراً وباطنا، قولاً وفعلا، طاعة وامتثالا؛ فعلى هذا المرتكز تتحقق الثمار الطيبة والنتائج المرضية دنيا وأخرى، يقول ربنا -جل وعلا-: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ) [محمد:21].

أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- أعرابياً قسمًا من غنائم خيبر، فجاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ما على هذا اتبعتك يا رسول الله، ولكن اتبعتك على أن أُرمى ها هنا -وأشار إلى حلقه- فأموت فأدخل الجنة، فقال: "إنْ تصدقِ الله يصدقك". ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتيَ به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مقتول، فقال: "أهو هو؟" فقالوا: نعم، فقال: "صدق الله فصدقه"؛ فكفنه النبي -صلى الله عليه وسلم- في جبته ثم دعا له: "الَّلهُمَّ هذا عبدُك خرجَ مهاجِراً في سبيلِك قُتِلَ شهِيدًا وأنا على ذلك شهِيد" والحديث إسناده صحيح.

إنه الصدق الذي يعيش به القلب والبدن والظاهر والباطن في رعاية تامة لأوامر الله -جل وعلا-، والاستقامة على منهجه -سبحانه-.. إنها تربية الباطن باليقظة الدائمة، والحذر التام من الجبار -جل وعلا-، ومن سخطه وأليم عقابه، والسعي إلى رضوانه وجنته: (وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ) [آل عمران:30].

ولهذا فالأمة المسلمة اليوم -وهي تحيط بها الفتن من كل جانب، وتعلو حياتَها المصائبُ من كل حدبٍ- في أمسِّ الحاجة للصدق مع الله -جل وعلا-؛ صدق الإيمان والطاعة، صدق التوجه والإرادة، صدق العمل والاتباع في كل شأن، وفي جميع مجالات الحياة.

إن هذا الأصل هو المقوم لعمل الأفراد والمجتمعات نحو الإصلاح والفلاح والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة، وهو الذي يقودها إلى الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب.

ولهذا؛ فالحاكم في حاجة للصدق مع الله -جل وعلا- في سياسة الرعية ومراعاة مصالحهم والقيام على تحقيق شئونهم، وكذلك الرعية في حاجة إلى الصدق مع الله -جل وعلا- في طاعة الحاكم على المنهج الإسلامي الذي جاء به الشرع المطهَّر؛ لتحقيق مجتمع فاضل تتحقق فيه الحياة الطيبة والعيشة الرضية.

وهكذا كل مسئول لا يستقيم منهجه ولا يصلح عمله ولا يفلح سعيه إلا إذا صدق مع الله -جل وعلا-، وصدق في المنهج الشرعي الذي تقوم عليه أصول مسئوليته، وكان ابتغاء رضوان الله ونيل ما عنده الباعث له في كل تصرفاته.

فالقاضي لا يوفق إلى الصواب إلا بصدق تام مع الله -جل وعلا-، والمفتي لا يهتدي إلى ما فيه براءة ذمته إلا إذا كان صادقاً مع الله ظاهراً وباطنا، وهكذا التاجر في تجارته، والعامل في صنعته، والكاتب في كتابته، والإعلامي في إعلامه.

معاشر المسلمين: إن الصدق مع الله -جل وعلا- تظهر حقيقته في الخوف من الله باطناً وظاهراً؛ فتكون الحركات والسكنات والتصرفات والتوجهات والإرادات والأعمال والأقوال كلها محكومة بأمر الله -سبحانه- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-، محاطة بسياج المنهج القرآني والهدي النبوي، مراد بها وجه الله، لا تخالطها أهواء نفسية، ولا تخالجها مصالح شخصية، ولا تحكمها نزعات دنيوية، ولا توجهات شخصية، بل الحَكَمُ في المنشط والمكره، والمرجعُِ في العسر واليسر، والمردُّ في الرخاء والشدة؛ تحقيقُ شرع الله، وامتثالُ أمره.

وسواء كان ذلك مع الصديق أو مع العدو، أو مع القريب والبعيد، أو مع الغني والفقير، يقول الصدِّيق: "لا خير في قول لا يريد به صاحبه وجه الله"، ويقول خالد بن الوليد -رضي الله عنه-: "رحم الله عمر، إن أقواله وأفعاله كلها مرادٌ بها وجه الله".

إنه الصدق الذي تضمحل معه حظوظ النفوس ومشتهياتها؛ ففي قصة (سقيفة بني سعد) بعد أن اختار أبو بكر عمرَ وأبا عبيدة ليبايَعا؛ قال عمر: "والله ما كرهت من قوله إلا ذلك"، ثم قال: "والله لَأَنْ أُقَدَّم فأضرِب فيُضرَب عنقي لا يُقرِّبني ذلك من إثم؛ أَحَبُّ إلي من أن أتأمرَ على قومٍ فيهم أبو بكر"، ثم قال: "ابسُطْ يدَكَ"، فبايعه ثم بايعه المهاجرون والأنصار.

إنه الصدق الذي حدا بعلي -رضي الله عنه- حينما قال أبو بكر في أثناء البيعة وطلب الاعتذار، قال له عليٌّ: "والله لا نقيلُك ولا نستقيلُك؛ قدَّمَك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فمن ذا يؤخرك؟".

إنه الصدق الذي حدا بالأنصار أن يقولوا: "نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر، قدَّمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ديننا"؛ أي في الصلاة.

معاشر المسلمين: وما أروع ما ضربه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من نماذجَ رائعة في الصدق مع البارئ -سبحانه-؛ بفضل التربية النبوية، والمدرسة المحمدية.

ذكر ابن حجر -رحمه الله- في كتابه (الإصابة): "أن سعد بن خيثمة استهم هو وأبوه يوم بدر فخرج سهم سعد، فقال له أبوه: يابني آثرني اليوم، فقال سعد: يا أبتِ لو كان غير الجنة فعلت، فخرج سعد إلى بدر وبقي أبوه، فقُتِل بها سعد وقُتِل أبوه بعد ذلك خيثمة يوم أحد".

كل ذلك بسبب الصدق مع الله -جل وعلا- فنالوا الشهادة التي هي أعظم مطلوب.

وفي صحيح السيرة: أن عمير بن أبي وقاص رُدَّ يوم بدر لصغره، فبكى؛ فأجازه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال سعد أخوه: "رأيت أخي عميراً قبل أن يعرضنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر يتوارى حتى لا يراه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: مالك يا أخي؟ فقال: إني أخاف أن يراني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيستصغرني ويردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة، فصدق وصدقه الله وأعلى درجاته بالشهادة في سبيله".

وفي صحيح السيرة -أيضاً-: "أن أنس بن النضر -رضي الله عنه- كان يأسف أسفاً شديداً لعدم شهوده بدرا، فقال: والله لَئِنْ أراني الله مشهداً مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرينَّ الله ما كيف أصنع؛ وصدق في وعده مع الله. فلما كان يوم أُحُد مرَّ على قوم أذهلتهم شائعة موت النبي -صلى الله عليه وسلم- وألقوا بسلاحهم، فقال: "ما يجلسكم؟ قالوا: قُتِلَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ياقوم إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد قُتل؛ فإن رب محمد حيٌّ لا يموت، وموتوا على ما مات عليه رسول الله"، وقال: "اللهم إني أعتذر إليك مما قال هؤلاء".

ثم لقي سعد بن معاذ فقال: "ياسعد، إني لَأجِد ريح الجنة دون أُحُد"، ثم ألقى بنفسه في صف المشركين وما زال يقاتل حتى استشهد؛ فوجد فيه بضع وثمانون ما بين ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، فلم تعرفه إلا أخته ببنانه".

وفي أمثاله نزل قوله -سبحانه-: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب:23].

والأمثلة والنماذج الرائعة في صدقهم مع الله -جل وعلا- أكثر من أن تحصر؛ مما بوأهم المكانة السامية والمنزلة الرفيعة، حتى قال الله فيهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].

فما أحوجنا -معاشر المسلمين- إلى أن نصدق مع الله قولاً وفعلاً، ظاهراً وباطناً، قصداً وإرادة، وأن نسيِّر حياتنا ومناهجنا وتصرفاتنا على هذا المنهج المرتضى؛ لنبوء بالمغفرة والرضوان في الآخرة، وبالسعادة والحياة الطيبة في هذه الدار.

بارك الله لي ولكم في القرآن، ونفعنا بما فيه من الآيات والبيان، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

أحمد ربي وأشكره، وأصلي وأسلم على سيدي ونبيي محمد عبده ورسوله.

إخوة الإسلام: إن الصدق مع الله -جل وعلا- هو الذي يبعث على الافتداء بكل غالٍ ورخيص في سبيل رضوان الله -جل وعلا- ومحبته ونصرة دينه مهما كانت التضحية ومهما كان الثمن غالياً؛ فالصدق مع الله -جل وعلا- هو الذي دفع بطلحة أن يقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أحد حتى شُلَّت يده -رضي الله عنه-.

والصدق مع الله هو الذي دفع بسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن يقاتل بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أُحُد، وكان يناوله النبل ويقول: "ارمِ ياسعد، فداك أبي وأمي".

والصدق مع الله هو الذي حدا بأبي طلحة أن يستبسل في الدفاع عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمشركون محيطون به وأبو طلحة يقول: "يانبيَّ الله، بأبي أنت لا تشرف إلى القوم ألا يصيبك منهم سهم، نحري دون نحرك"؛ أي جعل الله نحري دون نحرك.

 

وهذا الشأن هو الذي دفع بنَسِيبةَ بنت كعب -رضي الله عنها- في أُحُد أن تذُبَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالسيف وترمى بالقوس وتُصاب بجراح كثيرة.

وهذا الأمر -أي الصدق مع الله- هو الذي جعل أبا دُجانةَ يُترِّس بنفسه دون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يقع النبل في ظهره وهو منحنٍ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كثر فيه النَّبل.

فيا أيها الإخوة.. فيا أيها المسلمون: ما بال بعض المسلمين اليوم حينما تعرض عليه مصالح آنية أو منافع ذاتية تجده يسير وراءها لاهثاً، ويندفع نحوها مسرعاً، ولو كان ذلك على حساب دينه ومخالفة أمره؟ فبئس القوم فبئس القوم؛ آثروا دنياهم على آخرتهم، واستبدلوا الفاني بالباقي.

ثم إن الله -جل وعلا- أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين وعن الآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم اجعلنا مع الأبرار الصادقين. اللهم اجعلنا مع الأبرار الصادقين. اللهم اجعلنا مع الأبرار الصادقين.

اللهم عليك بأعداء المسلمين. اللهم عليك بمن تسلط على المسلمين أو تسلط على بلدانهم أو أديانهم أو أعراضهم.

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين. اللهم لا تجعل لهم راية. اللهم اجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية ياذا الجلال والإكرام.

اللهم مُن على المسلمين بالاجتماع على الخير والتقوى. اللهم مُن على المسلمين بالاجتماع على الخير والتقوى. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. اللهم آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: اذكروا الله ذكراً كثيرا، وسبحوه بكرة وأصيلا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.