العربية
المؤلف | حسام بن عبد العزيز الجبرين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
ولا شك -معشر الفضلاء- أن طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وبذل المعروف، وكف الأذى، وبذل الندى، والحلِم، والحياء، والصبر، والإيثار، من أمهات الأخلاق، وفي خصوصها نصوص كثيرة. ولكن؛ دعونا ننتقل إلى بعض الأمثلة من واقعنا قد يغفل عنها، بسبب قلة ذكرها، وأسأل الله التوفيق.
الخطبة الأولى:
الحمد لله المتصف بالعزة والعظمة والجلال، الخبير القدير الكبير المتعال، وأشهد أن لا إله إلا الله ابتدأ الخلق على غير مثال، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كريم الخصال، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى الصحب والآل.
أما بعد: إخوة الإيمان، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فالتقوى باب للغفران، وسُلّم للرضوان، وطريق للجنان، (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً) [مريم:63].
إخوة الإيمان: أمر يثمر التحابّ والتآلف، وضده ينتج التباغض والتدابر، جاء في الحديث الجمع بينه وبين التقوى، وفي موضع آخر عدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- أهله أكمل إيمانا، وبه يبلغ درجة الصائم القائم، كما أنه ثقيل في الميزان؛ إنها عبادة "حسن الخلق".
قال -عليه الصلاة والسلام-: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني، وعند الترمذي مرفوعا: "ما مِن شيءٍ يوضَعُ في الميزانِ أثقلُ من حُسنِ الخلقِ، وإنَّ صاحبَ حُسنِ الخلقِ ليبلُغُ بِهِ درجةَ صاحبِ الصَّومِ والصَّلاةِ" أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وفي الصحيحين مرفوعا: "والكلمة الطيبة صدقة".
أيها الأحبة: إذا كانت هذه بعض فضائل حسن الخلق، فحري بنا أن نجاهد أنفسنا على التحلي بها، واحتساب أجرها، واستشعار التعبد لله بها.
ولا شك -معشر الفضلاء- أن طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وبذل المعروف، وكف الأذى، وبذل الندى، والحلِم، والحياء، والصبر، والإيثار، من أمهات الأخلاق، وفي خصوصها نصوص كثيرة.
ولكن؛ دعونا ننتقل إلى بعض الأمثلة من واقعنا قد يغفل عنها، بسبب قلة ذكرها، وأسأل الله التوفيق.
أجهزة الاتصال من ضرورات الحياة اليوم، ومما يتعلق بهذا الباب: اختيار الوقت المناسب للاتصال، فلا يكون الاتصال وقت نوم وراحة، كما أن مما يستحسن عند الاتصال بشخص التعريف بالنفس بعد التحية، لمن لم يكن بينهم تواصل، أو كان قديم العهد به؛ فبعض الناس ربما اتصل واسترسل بالكلام ولم يعرّف بنفسه، والمتصَل عليه لم يعرفه، وقد يحرج من سؤاله عن اسمه!.
كما أن مما يستحسن تجنب الإطالة في المكالمة إلا في حال رغبة الطرف الآخر، وكذا عدم تكرار الاتصال في حال عدم الرد إلا لحاجة ملحّة أو ضرورة. ومما يستحسن استئذان الشخص قبل إضافته في مجموعات وسائل التواصل.
ومن صور حسن الخلق في المجالس: الاستئذان عند الدخول وعند الخروج، ومن ذلك أيضا: الإنصات للمتحدث وعدم مقاطعة حديثه – قدر المستطاع-، ومن ذلك -أيضا-: عدم مفارقة المجلس إلى إكمال المتحدث حديثه -قدر الإمكان-.
ومن صور حسن الخلق المتعلقة بالنقود: أنه يستحسن عند الشراء مناولتها للبائع باليد اليمنى، أو على الأقل أن تضعها قريبا منه، لا رميها على الطاولة.
ومما ينبغي: إن كان معك ورقة نقدية فيها عيب كخرم أو قطع إظهاره للطرف الآخر، لا خدعه بوضعها بين الأوراق النقدية.
ومن صور حسن الخلق في النقود عند الصدقة جعلها في ظرف صغير -إن تيسر- أو في كف يدك أثناء السلام عليه؛ لتحصل على ثواب المصافحة والسلام، وحفظ كرامة أخيك، مع ثواب الصدقة بإذن الله.
وقد تصادف كبيرا في السن عند صرافة فيعطيك بطاقته لتسحب له نقودا، ومن تمام معروفك ألا ترى ما في حسابه؛ لكراهته ذلك غالبا، فضلا عن نشر خصوصيته.
"اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت".
واستغفروا الله؛ إنه كان غفارا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله القائل عن رسوله: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4]، وصلى الله وسلم على نبيه القائل: "إن مِن أحبِّكم إليَّ أحسنَكم أخلاقًا"، وصلى الله على آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فالمرء لا يتم له حسن الخلق إلا باجتناب سيئ الأخلاق، وكما أن في حسن الخلق فضائل كثيرة، ففي سوء الخلق مثالب عديدة، وقد جاء في بعضها نصوص تخصها بالذم والترهيب، كالغيبة، والنميمة، والكذب، والسب، والبذاءة، والتكبر، والحسد، والمنّة، واحتقار الآخرين، وغيرها كثير.
وبالجملة؛ فأذية المسلمين محرمة: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) [الأحزاب:58].
ومن الصور السيئة: ترك الإنسان مخلفاته وقمامته متناثرة في منتزه بري أو حديقة عامة، أو رميها من نافذة السيارة. ولو كان الوعي عاليا والتطبيق جيدا لما احتاج البلد لربع عمال النظافة في الشوارع والطرقات والأماكن العامة!.
إخوة الإيمان: السلام والمصافحة عبادتان جليلتان فيهما نصوص عديدة، ولكن -في بعض الأحيان- يقع بعض المسلمين أثناء السلام، وربما من حيث لم يشعر، في شيء من سوء الخلق، كمن يسلم ويصافح وهو منصرف الوجه عمن يسلِم عليه، وكمن يسلم بطرف يده، وكمن يهوز بالمصافحة ثم يتركها ممازحة!.
ومن الصور السيئة المخالفة للسنة الامتخاط باليد اليمنى، والهدي النبوي أن ما فيه كرامة أو زينة يُبدأ فيه باليمين، وما سوى ذلك بالشمال، ولا شك أن النفس تكره مصافحة اليد إذا كان قد امتخط بها، بل من المستحسن أن يجعل جيب ثوبه الشمال للمناديل المستخدمة وجيب ثوبه الأيمن للنظيفة.
ومن الأمور المزعجة المتعلقة بالمجالس: مقاطعة المتحدث بلا حاجة، وكثرة الهزل والحديث عن النساء، وكذلك تسجيل كلام المتحدث دون علمه وإذنه.
ومما يتعلق بالمساجد ترك الأحذية بفم الباب، ويعاني من ذلك ضعيف البصر والكفيف، وأشد منهم أصحاب الاحتياجات الخاصة، والأنسب وضعها في رفوف الأحذية، أو يمينا أو شمالا عن الباب.
وبعد: عباد الله، قلت ما قلت، إن صوابا فمن الله، وإن خطأ فمن نفسي والشيطان.
ثم صلوا وسلموا على خير البرية...