البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الحكيم

اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

صلاة الجماعة (8) الفجر والعشاء في الجماعة

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. حين يطول النهار ويقصر الليل تثقل صلاة الفجر على كثير من الناس .
  2. اشتركت صلاة الفجر وصلاة العشاء في جملة من الفضائل .
  3. من فضائل حضور صلاتي الفجر والعشاء جماعةً الوقاية من النفاق وفيهما أجر عظيم .
  4. المحافظون على الجماعة في الفجر والعشاء تتعدى بركتهم إلى الناس .
  5. مَنْ صَدَقَ مع الله -تعالى- في صلاة الجماعة اتخذ الأسباب اللازمة لحضورها .

اقتباس

حَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ أَنْ يُوَاظِبُوا عَلَى الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِيَتَطَهَّرُوا مِنَ النِّفَاقِ، وَيَنَالُوا عَظِيمَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَيُبَارَكَ لَهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَأَوْقَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ.

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ، الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ؛ وَهَبَ الْإِسْلَامَ لَنَا فَهَدَانَا إِلَيْهِ، وَأَنْزَلَ عَلَيْنَا الْقُرْآنَ فَدَلَّنَا عَلَيْهِ، وَشَرَّفَنَا بِعُبُودِيَّتِهِ فَوَفَّقَنَا لَهَا، وَأَعَانَنَا عَلَيْهَا، نَحْمَدُهُ حَمْدًا كَثِيرًا، وَنَشْكُرُهُ شُكْرًا مَزِيدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ جَعَلَ الصَّلَاةَ شَعِيرَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَبُرْهَانَ الْمُؤْمِنِينَ، وَقُرَّةَ أَعْيُنِ الْمُحْسِنِينَ (تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الْفَتْحِ: 29] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَهِدَايَتُهُ لِعِبَادِهِ؛ فَمَنْ تَبِعَهُ رَشَدَ وَاهْتَدَى، وَمَنْ عَصَاهُ ضَلَّ وَغَوَى، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَاحْفَظُوا صَلَاتَكُمْ؛ فَإِنَّهَا نَجَاتُكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [النُّورِ: 56] وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ، فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكْمِلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ..." (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

أَيُّهَا النَّاسُ: حِينَ يَطُولُ النَّهَارُ وَيَقْصُرُ اللَّيْلُ تَثْقُلُ صَلَاةُ الْفَجْرِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَيَزِيدُ الرُّؤُوسَ ثِقَلًا عَنْهَا مَا يَرْتَكِبُونَهُ مِنْ سَهَرٍ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَوْ آخِرِهِ، وَمَا يَجِدُونَهُ مِنْ نِعْمَةِ الْفُرُشِ الْوَثِيرَةِ، وَأَجْهِزَةِ التَّبْرِيدِ الْمُرِيحَةِ، فَيَسْتَغْرِقُونَ فِي النَّوْمِ، وَلَا يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ لِلصَّلَاةِ. فَإِنْ أَوْقَظَهُمْ أَحَدٌ، أَوْ نَبَّهَهُمْ مُنَبِّهٌ؛ سَوَّفُوا فِي النُّهُوضِ، وَتَبَاطَئُوا فِي مُفَارَقَةِ الْفُرُشِ، يَنْتَظِرُونَ الْإِقَامَةَ، وَيَتَعَلَّلُونَ بِالِاسْتِرَاحَةِ، فَيَغْلِبُهُمُ النَّوْمُ وَتَفُوتُهُمْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ، وَلَرُبَّمَا خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُمْ نِيَامٌ، فَيُصْبِحُونَ كُسَالَى مُتَثَاقِلِينَ، قَدْ فَاتَهُمْ مِنَ الْخَيْرِ أَكْثَرُهُ، وَأَصَابَهُمْ مِنَ الشَّرِّ أَخْبَثُهُ، وَأَوْقَعَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي حَبَائِلِهِ.

وَصَلَاةُ الْفَجْرِ يَفْتَتِحُ بِهَا الْمُؤْمِنُ يَوْمَهُ، وَصَلَاةُ الْعِشَاءِ آخِرُ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ يَخْتَتِمُ بِهَا الْمُؤْمِنُ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ، فَإِذَا أَدَّى الْمُؤْمِنُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِهِمَا مَعَ الْجَمَاعَةِ؛ بُورِكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ. فَإِنَّ الطَّاعَاتِ تُحِلُّ الْبَرَكَةَ فِيمَنْ يُؤَدِّيهَا.

وَلِأَنَّ الْبِدَايَةَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَالنِّهَايَةَ بِصَلَاةِ الْعِشَاءِ فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ اشْتَرَكَتَا فِي جُمْلَةٍ مِنَ الْفَضَائِلِ دُونَ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ:

فَمِنْ فَضَائِلِ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ: أَنَّ شُهُودَهُمَا فِي الْجَمَاعَةِ يَقِي مِنَ النِّفَاقِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا..." (رَوَاهُ الشَّيْخَانِ).

فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ فَضِيلَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ لِشُهُودِ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ:

فَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الْأُولَى: فَالْوِقَايَةُ مِنَ النِّفَاقِ؛ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ ثَقِيلَتَانِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَالْمُرَادُ بِثِقَلِهِمَا عَلَيْهِمْ: ثِقَلُ شُهُودِهِمَا فِي الْمَسَاجِدِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. وَدَلَّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مِنْهَا: حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا الصُّبْحَ، فَقَالَ: "أَشَاهِدٌ فُلَانٌ" قَالُوا: لَا، قَالَ: "أَشَاهِدٌ فُلَانٌ" قَالُوا: لَا، قَالَ: "إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَشْهَدُهُمَا مُنَافِقٌ". يَعْنِي: لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِمَا مُنَافِقٌ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ تَعْصِمُ مِنَ النِّفَاقِ.

وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُنَافِقِينَ شُهُودُ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، لَا يَسْتَطِيعُونَهُمَا".

وَإِنَّمَا ثَقُلَتْ هَاتَانِ الصَّلَاتَانِ فِي الْمَسَاجِدِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّلَوَاتِ؛ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ كُسَالَى فِي الصَّلَاةِ؛ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النِّسَاءِ: 142] وَالْمُرَائِي إِنَّمَا يَنْشَطُ لِلْعَمَلِ إِذَا رَآهُ النَّاسُ، فَإِذَا لَمْ يُشَاهِدُوهُ ثَقُلَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الظَّلَامِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي مَسْجِدِهِ حِينَئِذٍ مِصْبَاحٌ، فَلَمْ يَكُنْ يَحْضُرُ مَعَهُ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا مُؤْمِنٌ يَحْتَسِبُ الْأَجْرَ فِي شُهُودِهِمَا، فَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْهُمَا، وَيَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ وَلِذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الْإِنْسَانَ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَالصُّبْحِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ" (صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ).

وَأَيْضًا فَالْمَشْيُ إِلَى الْمَسَاجِدِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ أَشَقُّ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشْيِ فِي الظُّلَمِ؛ وَلِهَذَا وَرَدَ التَّبْشِيرُ عَلَى ذَلِكَ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: "مَنْ شَهِدَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ فَأَحْرَى أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى غَيْرِهِمَا. وَفِي ذَلِكَ تَأْكِيدٌ فِي شُهُودِ الْجَمَاعَةِ، وَأَعْلَامٌ مِنْ عَلَامَاتِ أَهْلِ الْفِسْقِ وَالنِّفَاقِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى التَّخَلُّفِ عَنْهُمَا فِي الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ".

وَأَمَّا الْفَضِيلَةُ الثَّانِيَةُ لِلْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ: فَمَا فِيهِمَا مِنَ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَبْهَمَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَظَمَتِهِ بِقَوْلِهِ: "وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا..." وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ" أَيْ: مَا فِيهِمَا مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ.

وَجَاءَ عَنْ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "لَأَنْ أَشْهَدَ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحْيِيَ مَا بَيْنَهُمَا".

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: "أَلَا احْمِلُونِي، فَحَمَلُوهُ، فَأَخْرَجُوهُ، فَقَالَ: اسْمَعُوا وَبَلِّغُوا مَنْ خَلْفَكَمْ، حَافِظُوا عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ الْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ، وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى مَرَافِقِكُمْ وَرُكَبِكُمْ".

وَمِنَ الْفَضْلِ الْوَارِدِ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ: أَنَّ شُهُودَهُمَا فِي الْمَسَاجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ يَعْدِلُ قِيَامَ لَيْلَةٍ كَامِلَةٍ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: "... وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ".

فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ أَنْ يُوَاظِبُوا عَلَى الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ جَمَاعَةً فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِيَتَطَهَّرُوا مِنَ النِّفَاقِ، وَيَنَالُوا عَظِيمَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ، وَيُبَارَكَ لَهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ وَأَوْقَاتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) [الْمَعَارِجِ: 34- 35].

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ...

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الْأَنْعَامِ: 72].

أَيُّهَا النَّاسُ: الْمُحَافِظُونَ عَلَى الْجَمَاعَةِ فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ تَتَعَّدَى بَرَكَتُهُمْ إِلَى النَّاسِ، فَيُرْجَى بِحُضُورِهِمْ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَسَاجِدِ حِفْظُ النَّاسِ مِنَ الْعَذَابِ؛ كَمَا قَالَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مِنَ الَّذِينَ يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِمُ الْعَذَابَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْجَمَاعَةِ: صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ".

لَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يَحْرِصُونَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَا سِيَّمَا صَلَاتَيِ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ؛ لِمَا فِيهِمَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ؛ وَلِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ يَثْقُلُونَ عَنْهُمَا. يُصَوِّرُ حَالَهُمْ فِي الْحِرْصِ عَلَى الْجَمَاعَةِ ابْنُ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَيَقُولُ: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَذَاتَ لَيْلَةٍ هَاجَتِ السَّمَاءُ "فَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، بَرَقَتْ بَرْقَةٌ، فَرَأَى قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ فَقَالَ: مَا السُّرَى يَا قَتَادَةُ؟ قَالَ: عَلِمْتُ -يَا رَسُولَ اللَّهِ- أَنَّ شَاهِدَ الصَّلَاةِ قَلِيلٌ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَشْهَدَهَا" (رَوَاهُ أَحْمَدُ).

فَلِلَّهِ دَرُّهُمْ، مَا أَشَدَّ حِرْصَهُمْ عَلَى الْمَسْجِدِ وَالْجَمَاعَةِ مَهْمَا كَانَتِ الْأَحْوَالُ وَالْعَوَائِقُ.

وَمَنْ صَدَقَ مَعَ اللَّهِ -تَعَالَى- فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ اتَّخَذَ الْأَسْبَابَ اللَّازِمَةَ لِحُضُورِهَا، وَتَرَكَ كُلَّ مَا يُؤَدِّي إِلَى التَّخَلُّفِ عَنْهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَالْقِيلِ وَالْقَالِ وَالسَّهَرِ الَّذِي لَا حَاجَةَ لَهُ، وَبَادَرَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَلَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إِلَّا وَقَدْ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ؛ تَبْكِيرًا إِلَيْهَا، وَحِرْصًا عَلَيْهَا. وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَعَانَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- مَهْمَا كَثُرَتْ مَشَاغِلُهُ، وَتَعَدَّدَتْ صَوَارِفُهُ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 69].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ...