القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الله الهذلول |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
فإن من المحسوس والمشاهد للناس جميعاً، أن المواد المعروفة الآن بالمخدرات، على اختلاف أنواعها، ومسمياتها، لها من المضار الصحية، والعقلية، والروحية، والأدبية، والاقتصادية، والاجتماعية، فوق ما للخمر؛ فاقتضى الدليل الشرعي، ثبوت حرمتها، وأنها داخلة فيما حرم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الخمر المسكر لفظاً ومعنى.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الحق المبين، القوي المتين، أمر عباده بالأكل من الطيبات، وحذرهم من كل ما يؤذيهم، ويضرهم في عقولهم وأبدانهم.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أثنى عليه ربه بقوله: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف:157]، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.
أما بعد: أيها الناس، فإن الله -تعالى- خاطب جميع رسله، وكأنما هم متجمعون في صعيد واحد، وفي وقت واحد، فهذه الفوارق الزمانية والمكانية لا اعتبار لها أمام الحقيقة التي تربطهم جميعاً، خاطبهم بقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون:51-52].
إن الأكل من مقتضيات البشرية عامة، وطبيعتها، ولوازم حياتها، غير أن الأكل من الطيبات خاصة هو الذي يرفع الإنسان ويزكيه، ويصله بربه.
وإن الأكل من الطيبات قضية أصلية في دين الإسلام، فليس فقط قضية تشريع، إنه أمر عقيدة أيضاً؛ ولهذا خوطب به جميع الرسل، لأن الجسم ينبني ويحيا ويقوم إذا أكل، فكان لزاماً أن يكون ما يأكله طيباً حتى ينبت جسمه على الحلال الطيب، وإلا قام على ضد ذلك فاستحق العذاب، وعرض نفسه للفح النار.
عباد الله: وإن على رأس الأشربة المحرمة، الخمر، فشربه من الكبائر، والموبقات، والمهلكات التي ثبتت حرمتها بنص القرآن العظيم، وعلى لسان الصادق الأمين -صلى الله عليه وسلم-، وعلى ضوئهما اجمع فقهاء الإسلام على حرمة شربها، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90].
وقال -صلى الله عليه وسلم- : "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها وهو مدمنها لم يشربها في الآخرة" رواه مسلم. وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن على الله عهداً لمن شرب المسكر أن يسقيه الله من طينة الخبال". قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "عرق أهل النار"، أو "عصارة أهل النار" رواه مسلم. والأحاديث في تحريم الخمر، وتوعد من يشربها كثيرة.
وعوداً على الآية السابقة؛ فإنها قد تضمنت جملة من أساليب التحريم القويمة، ومنها:
أولا: نظمت الخمر مع مظاهر الشرك في توحيد الله -تعالى- وعبادته، وهي (الأنصاب والأزلام)، في سلك واحد.
ثانياً: وصفت الجميع بأنه رجس.
ثالثا: وصفت الآية الخمر بأنها من أعمال الشيطان لقبحها ومفاسدها.
رابعا: أمرت الآية باجتناب الخمر (فَاجْتَنِبُوهُ)، ومعناه أن تكون الخمر في جانب والمؤمن في جانب منها بحيث لا يقربها، فضلاً عن أن يتناولها.
خامسا: من قوله -تعالى-: (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، في آخر الآية، علقت رجاء الفلاح والسلامة من الخسران باجتناب الخمر.
سادساً: تعاطي تلكم المحرمات أو أحدها، الواردة في الآية، ومنها الخمر، له أثر سيء في قطع العلاقات بين الناس والصلات، وواعد بسفك الدماء، وانتهاك الحرمات، قال -تعالى-: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة:91].
سابعاً: أنها تؤثر سلباً في صلة الإنسان بربه حيث تصد عن ذكر الله -تعالى-.
أيها المسلمون: وإنما جاء الحديث عن الخمر، لقلة طرْق هذا الموضوع بسبب ما ابتليت به المجتمعات الإسلامية من وجود المخدرات، فجاءت فتنةً رققت فتنة الخمر، لكن هذا لا يعني التقليل من شأن الخمر، أو إضعاف حرمتها، ويقين ضررها. روى أبو داود أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لُعنت الخمر بعينها، وشاربُها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكلُ ثمنها"، وروى الإمام أحمد من حديث ابن عباس قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "أتاني جبريل -عليه السلام- فقال: يا محمد، إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، ومستقيها".
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وحجة على الخلق أجمعين.
أما بعد: أيها المسلمون، فإن من المحسوس والمشاهد للناس جميعاً، أن المواد المعروفة الآن بالمخدرات، على اختلاف أنواعها، ومسمياتها، لها من المضار الصحية، والعقلية، والروحية، والأدبية، والاقتصادية، والاجتماعية، فوق ما للخمر؛ فاقتضى الدليل الشرعي، ثبوت حرمتها، وأنها داخلة فيما حرم الله -تعالى- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من الخمر المسكر لفظاً ومعنى.
وقد صدر بهذا الشأن فتوى هيئة كبار العلماء بهذا البلد -حرسه الله وسائر بلاد المسلمين- متضمنة عقوبة مروجيها، وأنهم من صنف المفسدين في الأرض، قال الله -تعالى- في حقهم: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33]، قال الإمام ابن القيم -رحمه لله تعالى-: ويدخل في الخمر كل مسكر، مائعاً كان أو جامداً، عصيراً، أو مطبوخاً، واللقمة الملعونة لقمة الفسق والفجور التي تحرك القلب الساكن إلى أخبث الأماكن. اهـ.
والمسلم -عباد الله- ليس ملك نفسه، وحياتهُ وصحته وماله، وسائرُ نعم الله عليه، إنما هي وديعة عنده لا يحل التفريط فيها، قال الحق -جل وعلا-: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].
هذا وإن مضار المخدرات -من حيث العموم- ما يلي:
أولاً: فساد المزاج والعقل، وفتح باب الشهوات.
ثانياً: تورث صاحبها الديوثة على عرضه، فكم من متعاطيها أرخصوا أعراضهم، وباعوها بثمن بخس، مقابل الحصول على شيء من المخدرات.
ثالثاً: ثبت بالتجارب أن تناول بعض أنواعها ينشِّق الدماغ، ويحدث لصاحبه الخبل أحياناً، وأنه يتولد عن أكلها إفرازات غير طبيعية تسبب الغثيان، والدوار، وتضاعف ضربات القلب.
رابعاً ما روى أن إدمان تعاطي أنواع منها يسبب تقرح الطحال بنقط سوداء، وصفراء، تفرز مادة خبيثة تكون في مجموعها قروحاً منتنة تزداد سوءاً، إلى أن تتعطل عنده وظيفة الطحال، فتأخذ طريقها إلى التضخم، والتعفن والسيلان مع ما يصاحبه من إفرازات غريبة، هي المرض الذي يوهن قوى المصاب، فلا يزال في هبوط وانحراف في صحته حتى يلقى الله -تعالى- قاتلاً نفسه، فما هو عذره عند ربه وقد حرم عليه الخبائث وأنذره منها؟!.
خامساً: سريان أمراضه وتعديها لتشمل ذرية متعاطيها ونسله وتفكك أسرته.
سادساً: يتوهم مروجوها أنها باب واسع للثراء، ولعل ذلك الوهم يأتي نتيجة المغامرات التي يؤدونها فيكسبون في الظاهر، لكنهم نسوا أنهم موعودون بمحق البركة، ذلك أن عملهم إفساد، والله -تعالى- توعد المفسدين بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس:81].
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك...