الحكيم
اسمُ (الحكيم) اسمٌ جليل من أسماء الله الحسنى، وكلمةُ (الحكيم) في...
العربية
المؤلف | منير الكمنتر الأزهري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصيام |
إذاً شهر الصيام -أيها السادة- منحة وعطية من رب العالمين -سبحانه وتعالى- لأمة خير البرية سيدنا محمد، فرمضان جاء ليوقفنا على مائدة العبودية لله -عز وجل-، رمضان جاء ليطهر نفوسنا، ليمسح على قلوبنا، جاء ليقوِّي إيماننا، جاء ليقوي عزائمنا، جاء ليحققنا بالعبودية لله -عز وجل- وصفة الإيمان، جاء رمضان ليحقق فينا صفة التقوى كما قال الحق تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]،
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أمة الحبيب الأعظم والنبي الأكرم سيدنا محمد -صلوات الله وسلامه عليه- يقول مولانا -جل من قائل- في القرآن الكريم والتبيان الحكيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 183- 185].
ومع الحبيب الأكرم سيدنا محمد -صلوات الله عليه- أنه قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه".
وكان -عليه الصلاة والسلام- يبشِّر أصحابه برمضان، فيقول: "أتاكم رمضان بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء، ينظر الله تعالى إلى تنافسكم فيه ويباهي بكم ملائكته، فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله -عز وجل-".
أجل -أيها الإخوة الأعزاء- ها هو ذا شهر رمضان قد أقبل علينا بأنواره، وأقبل علينا بأسراره، أقبل علينا شهر الجود، وأقبل علينا شهر الكرم وشهر الدعاء، شهر يتصل فيه المسلم بالسماء، شهر يتشبه فيه المسلم بالملائكة الكرام، شهر يكون للمسلم فيه دعوة مستجابة في الليل والنهار، شهر -أيها الإخوة الأعزاء- للمسلم فيه فرحتان؛ فرحة عند فطره، وهذا يتناول كل يوم عند الإفطار، ويتناول يوم الفطر عند عيد الفطر، وفرحة عند لقاء ربه.
إذاً شهر الصيام أيها السادة منحة وعطية من رب العالمين -سبحانه وتعالى- لأمة خير البرية سيدنا محمد، فرمضان جاء ليوقفنا على مائدة العبودية لله -عز وجل-، رمضان جاء ليطهر نفوسنا، ليمسح على قلوبنا، جاء ليقوِّي إيماننا، جاء ليقوي عزائمنا، جاء ليحققنا بالعبودية لله -عز وجل- وصفة الإيمان، جاء رمضان ليحقق فينا صفة التقوى كما قال الحق تعالى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
فإذا شهر رمضان شهر كله خير، ولذلك يخبرنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- أن هناك نداء إلهي يتوجه من عند رب العالمين إلى أمة الحبيب الأعظم سيدنا محمد، الحق -تعالى- ينادينا كل يوم وليلة: "يا باغي الخير أقبل! يا باغي الشر أقصر".
أقبلت علينا ليالي الجود، وليالي العطاء اللامحدود من رب الأرض والسماء؛ منحة إلهية لا تشاركنا فيها أمة من الأمم، ليالي العطاء من الله -عز وجل-.
شهر رمضان -أيها السادة- شهر عيد للمسلمين، كل يوم وكل ليلة، نعم أيها الإخوة الأعزاء، أليس حبيبنا المصطفى -عليه الصلاة والسلام- في يوم من الأيام يرتقي منبره الشريف في ثلاث درجات يقول في الأولى: آمين، ويقول في الثانية آمين، ويقول في الثالثة آمين، ولا يسمع الصحابة داعيه.
يقولون: يا رسول الله سمعناك تؤمِّن ولا نرى من يدعو؟ قال: "إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ اسْتَقْبَلَنِي حِينَ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَى الدَّرَجَةِ الأُولَى، فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ. فَلَمَّا صَعِدْتُ إِلَى الثَّانِيَةِ فَقَالَ: مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ. فَلَمَّا صَعِدْتُ الثَّالِثَةَ، قَالَ: مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ، قُلْ: آمِينَ، فَقُلْتُ: آمِينَ".
اللهم صل وسلم على هذا النبي الكريم سيدنا محمد -صلوات الله وسلامه عليه-.
نعم أيها الإخوة الأعزاء، الآية التي تلوتها آنفًا على حضراتكم هذه تؤكد فريضة الصيام، وأنه ركن ركين من أركان الإسلام، وأصبح معلومًا من الدين بالضرورة؛ لأن أركان الإسلام كما بيَّنها رسول الله في الحديث: "بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان".
إذًا هذه الآية الكريمة تبيِّن فريضة شهر الصيام، شهر رمضان، نعم فرض شهر رمضان مبكرًا في المدينة المنورة في السنة الثانية من هجرته -صلوات الله عليه-.
فرضه الله على المسلمين من أجل أن يلطف أرواحنا من أجل أن يهذِّب أخلاقنا، من أجل أن يحقِّق التعاون بين المسلمين، من أجل أن يحس المسلم بأخيه المسلم، من أجل الصحة والعافية.
نعم شهر رمضان فرض من أجل أن يصحِّح المسلمون أبدانهم فيما رُوِي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صوموا تصحوا".. الحديث بأكمله: "اغْزُوا تَغْنَمُوا، وَصُومُوا تَصِحُّوا، وَسَافِرُوا تَسْتَغْنُوا" مع أن العلماء قاطبة أجمعوا أن هناك من الأمراض ما ليس لها دواء إلا الصيام؛ فالصيام شفاء للأبدان، وشفاء للنفوس، وشفاء للقلوب، ورفع لهمة المسلم.
هذه الفريضة -أيها السادة- مرة واحدة في السنة لها خصوصية، ولها مذاق خاص، ولها معنى تنفرد به عن سائر الفرائض، ذلكم أن هذه الفريضة هي عبادة بين العبد وربه لا يشاركه فيها أحد من المخلوقين، تستطيع أن تأكل وتشرب وأنت بعيد عن أعين الناس، لكنَّ فريضة الصوم هذه أراد الحق -تعالى- من خلاله أن ينمِّي في قلب المسلم الإحساس بمراقبة الله، الإحساس بخوف الله، الإحساس بإجلال الله لينمِّي فينا الحق -تعالى- صفة الإخلاص لله في العبادات، وأن يكون المسلم دائمًا مراقِبًا لله، ولذلك في الحديث: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به؛ يترك طعامه وشرابه من أجلي".
أمة محمد هذه في شهر رمضان لها مزية ولها خصوصية؛ حيث إن الحق -تعالى- ينظر لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في أول ليلة من شهر رمضان يتجلى الحق على المسلمين يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً"، والله -تعالى- يقول لجنته "استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي".
وخلوف أفواههم، أي رائحة الفم في المساء خصوصًا، تلك الرائحة هي أطيب عند الله من ريح المسك، والصائمون في الجنة يُعرَفون بطيب أفواههم، أفواههم لها طيب خاص، لها رائحة خاصة يعرفهم من خلالها أهل الجنة أن هؤلاء هم الصائمون لشهر رمضان من أمة سيدنا محمد.
هنيئًا لنا أيها السادة، أستطيع أن أقول هنيئًا لنا بشهر رمضان، هنيئًا لنا بشهر الصيام، هنيئًا لنا بشهر المغفرة والعتق من النيران، هنيئًا لنا بالتراويح التي نستمع فيها إلى كتاب الله يُتلى على مسامعنا تنبثق أنوار القرآن من منارات المساجد في بلاد المسلمين جميعًا هذه خصوصية لا تشاركنا فيها أمة من الأمم.
النصارى لا يستطيعون أن يقرؤوا الإنجيل في محاربهم في المحراب عن ظهر قلب، اليهود لا يستطيعون أن يقرؤوا توراتهم في محاربهم عن ظهر قلب، إنما القرآن الوحيد الذي يقرأه المسلمون من صدورهم عن ظهر قلب، وتلك خصوصية لأمة سيدنا محمد مصداقًا لقوله -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].
من هنا أيها السادة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- يأمرنا أن نستقبل شهر الصيام بصدور منفتحة، بنفوس منشرحة لهذا الشهر الكريم بفارغ الصبر حامدين شاكرين مثنين على الله -عز وجل- الذي أكرمنا بهذا الشهر العظيم.
حسبنا أمة محمد أننا نخرج من شهر الصيام قد غُفرت ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا، نخرج من شهر الصيام وقد رضي الحق -تبارك وتعالى- عنا.
نعم أيها الإخوة: النبي -صلى الله عليه وسلم- حث أمته على صيام شهر رمضان؛ لما في هذا الشهر العظيم من تلك المظاهر الإيمانية؛ حيث إن المسلمين جميعًا في شهر الصيام يشتركون في عبودية الله -عز وجل-.
إنه مشهد عظيم أن تجتمع الأسر في خلال شهر رمضان كله عند الإفطار على المائدة تجلس في وقت الطعام لم تكن متعودة للجلوس فيه، وتجلس للسحور في وقت لم تكن تجلس فيه لتناول السحور، إنما تلك عبودية لله، إنما تلك مظهر من مظاهر التوحيد في هذه الأمة.
الله -تعالى- في رمضان يوحِّد الأمة جميعًا على العبودية لله -عز وجل-، ما هذا المغناطيس الإيماني الذي يجعل المسلمين جميعًا في خلال هذا الشهر يعودون إلى بيوتهم ليتناولوا الإفطار في وقت محدد، كل بلدة تفطر في وقت محدد لا يخرج عنه أحد من الناس إنما ذلك يريد الحق من خلاله أن يشعر المسلمين بوحدة الإيمان ووحدة العقيدة ووحدة العبودية لله -سبحانه وتعالى-.
كل هذه المعاني مجسَّدة في هذا الشهر العظيم، زيدوا على هذا رمضان جاء ليقوي إرادتنا ليحقق فينا العبودية والتوبة والإنابة لله -عز وجل-.
ألا أيها السادة فلنقبل على الله، ألا فلنفتح قلوبنا لله، ألا فلنتب توبة نصوحة في هذا الشهر الكريم، ألا فلنعقدها صحبة في معية الله في هذه الأيام الكريمة التي تعود علينا، فإن رمضان ضيف كريم خفيف سريع الانتهاء يمر بسرعة، ويتجاوز الناس بسرعة، ولذلك نقول: اللهم أعنا على الصيام والقيام، وغضّ البصر وحفظ اللسان، اللهم وفقنا في هذا الشهر الكريم لنكون من المقبولين يا رب العالمين، اللهم لا نخرج من شهر رمضان إلا وقد غفرت ذنوبنا وسترت عيوبنا وقضيت حاجاتنا.
نعم أيها السادة: رمضان شهر التوبة، وشهر قوة الإرادة؛ قوي إرادة بالله، كن قوي الإرادة في طاعة الله في الشهر الكريم، استعن بالله -عز وجل- بترك المخالفات وترك المعاصي والإقبال على الله -عز وجل- استعن بالله ولا تعجز يا مسلم أقبل على الله -عز وجل-.
ها هو رمضان جاء ليأخذ بأيدينا وليدفعنا دفعًا إلى طاعة الله، وإلى قراءة القرآن كان سلفنا الصالح -رضوان الله عليهم- يغنمون شهر رمضان في قراءة القرآن وذكر الله -تعالى- والصدقات، وفعل الخير والإحسان إلى الفقراء والمساكين وصلاة التراويح وصلاة النوافل، وكان الأئمة كذلك يتركون مجالس العلم يتركون كتب العلم ويتفرغون لقراءة القرآن وتدبره.
وإلى أن يعيش المسلم مع كتاب الله، ولذلك من السنة أن نختم القرآن في رمضان منفردين ولو مرة واحدة، احرص يا مسلم على أن تختم القرآن في شهر رمضان ولو واحدة واحرص أيضًا على أن تأتي بزوجك وأولادك وبناتك وشبابنا أن يأتوا معنا إلى المسجد نريد من شبابنا أن يقبلوا على بيوت الله، وأن يشجعوا أبناءنا على أن يقبلوا على كتاب الله -سبحانه وتعالى-؛ فإنها فرصة عظيمة في أن نفتح قلوبنا للرحمات التي تتنزل من الله -سبحانه وتعالى- علينا.
ويروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من فطَّر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، ومن خفَّف فيه عن مملوكه نظر الله إليه، ومن نظر الله إليه لم يعذبه أبداً".
ونحن ليس عندنا مماليك، وليس عندنا عبيد، وإنما عندنا موظفون، معنا في أعمالنا في معاملنا، وفي شركاتنا وفي أشغالنا الخاصة، أنا أدعو من هنا من هذا المنبر أن نسمع وصية رسول الله، وأن نخفِّف عن إخواننا العمال والموظفين، وأن نفسح لهم الفرص من أجل صلاة المغرب، ومن أجل صلاة التراويح، ومن أجل صلاة الجمعة؛ أن نعينهم على الصيام، وأن نعينهم على طاعة الله -عز وجل- في هذا الشهر الكريم المبارك.
وأضعف الإيمان أن نقيم الصلوات في المصانع، وأن نؤدي الصلوات والفرائض وصلاة التراويح في مصانعنا في معاملنا، فإن المصنع أو المعمل الذي تصلى فيه التراويح وتصلى فيه صلاة الجماعة يزداد خيره ويزداد بره ويزداد إنتاجه ببركة رسول الله ببشارة رسول الله، رسول الله هو الذي قال لنا: "البيت الذي يُقرأ فيه القرآن يكثر خيره ويقل شره، ويتسع على أهله والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن يكثر شره ويقل خيره ويضيق على أهله".
فإذاً أيها الإخوة الأعزاء أدعو من هنا الإخوة الأفاضل أصحاب الأموال والمصانع والشركات أن يخفِّفوا على إخوانهم في شهر رمضان المبارك، ولو أن يتحملوا في ذلك سبيل تبعات الإنفاق أو قلة في الإنتاج من أجل أن يتمتع هؤلاء العمال ونشجعهم على طاعة الله.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ييسر أرزاقنا، وأن يحسن أخلاقنا، وأن يوفقنا في هذا الشهر الكريم بالعمل بما يرضيه عنا، آمين، آمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فيا فوز المستغفرين، أستغفر الله ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله -تعالى- عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظمينا محمدًا عبدُه ورسوله شهادة أسأله -جل وعلا- أن يجعلها لي ولكم وديعة لكم عنده في خزائن حفظه نلقاه بها غير خزايا ولا مفتونين ولا مبدلين ولا مغيرين.
أيها الإخوة الأعزاء: جاء شهر رمضان ليهذِّب أخلاقنا، وليلطِّف أرواحنا، وليشعرنا بالعبودية لله -سبحانه وتعالى-، فنحن مدعوون بوصية رسول الله، فـ"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث"، والرفث هو الهجو من الكلام "ولا يصخب"، والصخب والغضب مع رفع الصوت عاليًا، "وإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم".
إذاً هذا هو الهدف من شهر رمضان أن نشعر بالفقراء والمساكين، وأن تتحسن أخلاقنا، أن تتحسن معاملاتنا، أن نشهد الدنيا أننا أمة محمديون، أننا أمة نعبد الله على حق، أننا نحس ونشعر بمعاني الصيام، وأننا نستفيد من هذا الشهر الكريم فلا يليق بمسلم في شهر رمضان أن يغضب، ولا أن يشتم، ولا أن يسبّ، ولا أن يتجاوز حدود اللياقة والآداب الإسلامية في شهر رمضان المبارك، وإنما في شهر رمضان ينبغي للمسلم أن يكون كما قال سيدنا جابر بن عبدالله أن تكون على المسلم سكينة ووقار، أن يحترم الصيام وأن يحترم شهر الله، وأن يحترم شهر القرآن، فإذا كان قال -عليه الصلاة والسلام-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
ليس لله فيه حاجة، إذاً الصيام جاء من أجل أن نشعر بالفقراء والمساكين لا أن نأكل كثيرًا ونثقل على صلاة التراويح، ليس هذا الصيام، نعم الصيام يزيد في رزق المؤمن ببركة شهر رمضان، لكن هذا لا يعني أن نكثر الأكل بحيث ننسى الفقراء والمساكين، وأن نترك الصلوات الخمس في جماعة وصلاة التراويح سنَّها لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
"إن الله افترض لكم صيامه، وسننت لكم قيامه"، لكنها بجماعة هذه كانت في عهد سيدنا عمر، وهي بدعة حسنة وافقه عليها الصحابة، وهو خير ومعروف.
ولذلك كل خير بعد رسول الله وإن لم يفعله رسول الله يجوز لنا أن نفعله طالما لا يخالف الكتاب والسنة، فلنحافظ على صلاة التراويح ثمانية جائز، عشرة جائز، عشرين جائز، المهم أن نصلي، تريد أن تصلي ثمانية صلِّ، تريد أن تصلي عشرة صلِّ، تريد أن تصلي عشرين ارجع إلى بيتك وصلِّ ما شئت إلى أذان الفجر وإلى السحر لا مانع من ذلك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد لنا عددًا معينًا، ولكنه قال: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".
بقي أمر أخير وهو في غاية الأهمية أيضا إبليس والشياطين صُفدت في شهر رمضان، لكن بقي لنا أباليس الإعلام، بقي لنا أباليس كثر في القنوات الفضائية التي لا تخشى الله، القنوات الفضائية التي عندها خصومة بينها وبين طاعة الله، همهم أن يكسبوا، وهمهم الترويج وهمهم الإعلام والشهرة، أما أن يفكروا في أخلاق أبنائنا وبناتنا هذا أمر لا يفكرون فيه.
ومن هنا أحذر تمام التحذير من فتح التلفاز بعد الإفطار إلى الفجر، الليل لله، لطاعة الله، للدعاء للتضرع نحن أمة تلهو، كما قال الشاعر
عجبا لقومي والعدوّ ببابهم | كيف استطابوا اللّهو والألعابَ |
أمة تشكو الفقر والفاقة وتنفق المليارات على المسلسلات عجبًا لهذا الترف وعجبًا لهذا العبث!! اللهم ردنا إليك ردًّا جميلاً.
على كل نحن لا نستطيع أن نوقف هذه البرامج لكن بيننا وبين التلفاز زر واحد، اقفل هذا الزر وكما قال العامة في الشرق: "الباب الذي يأتيك منه الريح فسده واستريح".
ربنا تقبل منا واقبلنا ..