الخبير
كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...
العربية
المؤلف | سليمان بن حمد العودة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات |
سأقفُ وإياكم على طائفة من الخصال والأخلاقِ والممارساتِ لُعن أصحابُها في كتابِ الله، أو ما صحّ من سنةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا ويحَ الملعونينَ من اللهِ أو على لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-! والله يقول: (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [النساء:52]، ويقول: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:23].
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ غافرِ الذنب وقابلِ التوبِ، شديدِ العقابِ ذي الطَّوْل، لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أمرَ بالعدلِ والإحسانِ وحُسنِ العبادةِ له، ونهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي، يَعظكم لعلكم تذكَّرون، وأشهدُ أن محمداً عبدهُ ورسولُه، كان أحسنَ الناسِ خَلْقاً، وأكملَهم خُلُقاً، وبعثَه ربُّه ليتمِّم مكارمَ الأخلاق.
اللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسَلينَ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين، والتابعينَ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر:18]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71].
عبادَ الله: إن الناسَ -كلَّ الناسِ- تنشرحُ صدورُهم للثناءِ، وجُبلت قلوبُ المؤمنين على حبِّ الخيرِ وإشاعةِ المعروفِ، هم محبُّونَ لطيبِ الكلام، وإشاعةِ السُّرور، وتحقيقِ البهجةِ، وتوفيرِ السعادةِ؛ وكلُّهم يُبغضُ الفُحشَ والبذاءَ، ويكرَهُ الذمَّ والسبَّ، ويتضايقُ من اللعنِ والشتمِ والطعنِ. لكن؛ ما رأيُكم فيمن يجلبُ لنفسِه أسبابَ الأذى، ويُعرّضُ نفسَه للّعنِ والطردِ والإبعادِ، لا من قبلِ الناسِ، بل من قبلِ اللهِ ورسولهِ -صلى الله عليه وسلم-؟!.
إنه ليس مُكرَها على اللعنِ، لكنه جاهلٌ أو عاجز، واللعنةُ عليه ليست إلى الأبد، بل بإمكانِه التخلصُ منها؛ لكن مع الصدقِ، وقوةِ العزيمةِ، والمسارعةِ بالتوبةِ.
أيها المسلمونَ: سأقفُ وإياكم على طائفة من الخصال والأخلاقِ والممارساتِ لُعن أصحابُها في كتابِ الله، أو ما صحّ من سنةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ألا ويحَ الملعونينَ من اللهِ أو على لسانِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-! والله يقول: (وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) [النساء:52]، ويقول: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:23].
وحين أسوقُ هذه الخلالَ والممارساتِ، فإنما أسوقُها لأحذِّرَكم ونفسي من الوقوعِ في شيءٍ منها، ومن جَهِلَ وعلِمَ فعليه العملُ، ومن علِم بها وضعُفت همَّتُه عن الحذرِ منها فليتّقِ اللهَ، وليخلِّص نفسَه من أسباب الطردِ عن رحمة اللهِ ما دامَ على قيدِ الحياة.
فيا تُرى: من هم الملعونونَ؟ وما هي الصفاتُ والأعمالُ الموجبةُ للعن؟ وسأكتفي بذكرِ خمسَ عشرةَ خَصلةً منها أو تزيد.
أولا: يا أخي المسلم، احذرِ الظلمَ بكافةِ صورِه وأشكالِه، وللقريب أو للبعيد، في المالِ أو العرضِ أو سائرِ الحقوق والواجباتِ، فإن الظلمَ ظُلماتٌ يومَ القيامةِ، والظالمونَ ملعونونَ في كتاب الله: (أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18]، (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف:44]، وأخبر -سبحانه- عن نفسه: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [الشورى:40].
ثانياً: احذرِ الكذبَ! فهو يهدي إلى الفجور، والفجورُ يهدي إلى النار، والكاذبونَ ملعونونَ كذلك في كتاب الله: (ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران:61]، (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) [النور:7].
وكم يتساهلُ نفرٌ من المسلمينَ بالكذبِ، إنْ في البيع أو الشراء، أو القضاءِ أو الاقتضاءِ، في ادِّعاء الحقوقِ أو إنكارِ الواجباتِ، كذبٌ بين الرجالِ، ومثلُه أو أعظمُ بين النساءِ، وهكذا يسري بين الشباب والأطفال، "ولا يزالُ الرجلُ يكذبُ ويتحرى الكذب حتى يُكتبَ عند اللهِ كذَّاباً"، فاحذروا الكذبَ كلَّه، أبيضَه وأسودَهُ، قليله وكثيرهُ، واتقوا اللعن في كتابِ اللهِ.
ثالثاً: معاشرَ المسلمين، واحذروا قطيعةَ الأرحامِ، فقد جاءَ الوعيدُ بقطعها في القرآن مقروناً باللعنِ، ومعه الصمَمُ والعَمى: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:22-23].
قال ابنُ كثيرٍ -رحمه الله-: في الآيةِ نهيٌ عن الإفسادِ في الأرضِ عموماً، وعن قطعِ الأرحامِ خصوصاً.
وروى الإمامُ أحمدُ -بسندِه- إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما يكشفُ عن عقوبة قطعيةِ الرحمِ، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "ما منْ ذنبٍ أحرَى أن يُعجِّلَ اللهُ عقوبتَه في الدُّنيا، مع ما يدِّخرُ لصاحبِه في الآخرة من البغي، وقطيعةِ الرَّحِمِ" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وورد في صحيح الجامع.
وساقَ ابنُ كثير في -تفسيره- حديثاً عن لعنةِ قطيعةِ الرحِمِ، حيث قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ظهر القولُ، وخُزِنَ العملُ، وائتلفتِ الألسنةُ، وتباغضتِ القلوبُ، وقطعَ كلُّ ذي رحمٍ رحِمه، فعند ذلك لعنَهمُ الله فأصمَّهم وأعمى وأبصارهم".
يا قاطعَ الرحمِ: توقَّفْ وتذكَّر: أما لكَ في القرآن مُزدَجَرٌ؟ أما لكَ في الوعدِ والوعيدِ من محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- مُعتبر؟ واحذر أن تكونَ ممن يقرأُ القرآنَ، ولكن كأنما بك عن الحقِّ صَمَم، وعن قبولِ الخيرِ عمى!.
رابعا: أيها المؤمنونَ، وممَّن لعنهم اللهُ وجاء الخبرُ بلعنِهم من الملائكةِ والرسلِ: شاربُ الخمرِ وعاصِرُها، وساقيها، وبائعُها ومبتاعُها، وبقيةُ من جاء لعنُهم في الحديث الذي رواه أحمدُ والحاكمُ والطبراني وغيرُهم بسندٍ صحيح، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني جبريلُ فقال: يا محمدُ، إنَّ اللهَ -عز وجل- لعنَ الخمرَ، وعاصِرَها، ومُعتصِرَها، وشارِبَها، وحامِلَها، والمحمولةَ إليه، وبائِعها، ومبتاعَها، وساقيَها، ومستقِيَها".
والخمر كلُّ ما خامرَ العقلَ وغطَّاه، سواءً كان شُرباً أو أكلاً لمخدراتٍ أو نحوِها. فاحذر -أخي المسلم- من الفضيحةِ في الدنيا، واللعن والطردِ عن رحمة اللهِ في الآخرة.
خامساً: إخوةَ الإسلام، والراشي والمرتشي ملعونانِ بلعنةِ الله ولعنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فقد صحّ في الخبرِ أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعنَ اللهُ الراشي والمرتشي في الحُكمِ" رواه أحمد والترمذي وغيرهما بسند صحيح.
وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي" رواه الترمذي وابن ماجة بسند صحيح.
والرشوةُ أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطل، كما قال -تعالى-: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188].
ألا فاحذروا -معاشرَ المسلمين- من الرشوةِ مهما كانت مسمياتُها، وسواءً كان آخذُها تاجراً أو موظفاً، ذكراً أو أنثى، كبيراً أو صغيراً؛ فستسألونَ عن أموالكم: من أين اكتسبتموها؟ وفيم أنفقتموها؟.
سادساً: معاشرَ الرجالِ، واحذروا التشبهَ بالنساءِ، واحذرن، معاشرَ النساءِ، التشبُّهَ بالرجال، فكلُّ أولئك تلاحقهمُ اللعنةُ، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لعن الله المتشبهاتِ من النساءِ بالرجال، والمتشبهينَ من الرجالِ بالنساء" رواه أبو داود والترمذي وفي البخاري نحوه.
وفي الحديث الآخر: "لعنَ اللهُ الرجلَ يلبسُ لبسةَ المرأة، والمرأةَ تلبسُ لبسةَ الرجل". وفي رواية: لعن رسولُ الله. رواه أبو داود بسند صحيح.
وفي صحيح البخاريِّ عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: "لعنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المخنثينَ من الرجالِ، والمترجلاتِ من النساءِ، وقال: أخرجوهم من بيوتكم".
ألا ويحَ المتشبهينَ والمخنثينَ والمترجلاتِ!.
سابعاً: وتلاحقُ اللعنةُ كذلك النساءَ المغيّرات لخلقِ اللهِ، وذلك بالنمصِ والوشمِ والتفلُّج؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "لعنَ اللهُ الواشماتِ والمستوشماتِ، والنامصاتِ والمتنمصاتِ، والمُتفلجاتِ للحُسنِ، المغيراتِ خلقَ الله" متفق عليه.
وكم تخطئُ المرأةُ وهي تتابعُ الموضةَ وإن كانت محرَّمةً! وكم تبتعدُ المرأةُ عن هدي الإسلام، وتقعُ في لعنةِ اللهِ حين تُغيرُ خلقَ الله بنفسِها، أو تذهبُ إلى محلاتِ التجميلِ لتفعلَ بها ما تشاء!.
وهنا لفتةٌ وتذكيرٌ وتحذيرٌ لمحلاتِ تجميلِ النساءِ حين تتساهلُ فيما حرَّم اللهُ، وقد تغري المرأةَ أو تغررَ بها، واللعنةُ شاملةٌ للنامصةِ والمتنمصةِ والواشمةِ والمستوشمةِ، كما في الحديث السابق. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً) [النساء:119].
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، يُحبُّ التوابينَ ويحبُّ المتطهرينَ، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، حببَ إلى عبادِه المؤمنينَ الإيمانَ وزيَّنهُ في قلوبِهم، وكرّه إليهمُ الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ.
وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه، هدى الأمةَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، ونهاهم عن المنكراتِ والمكروهاتِ من الأخلاقِ والأعمالِ. اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى سائرِ الأنبياءِ والمرسلين.
ثامناً: إخوةَ الإسلام، وما ظنكم بكبيرةٍ من كبائرِ الذنوبِ حرّمها الإسلامُ، بل وأعلنَ اللهُ الحربَ على مرتكبيها، وأصحابُها ضِمن من لُعنوا على لسانِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! إنهم أكلةُ الرّبا، وموكلوه، وكتبتُه، وشاهدوه، ففي صحيح مسلم وغيرِه: "لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- آكلَ الرّبا، وموكِلَه، وكتابَه، وشَاهدَيْه، وقال: هم سواء".
تُرى: كم يَشقى بهذه اللعنةِ أفرادٌ في مجتمعِنا ممن سوّلَ لهم الشيطانُ وأملى لهم التكثّرَ بالرّبا! وهل علمَ هؤلاء أن الربا -وإن كثُر- فعاقبتُه إلى قلّ؟ بل هو محقٌ للمالِ وبركتهِ، بشهادةِ العليم الخبير: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا) [البقرة:276].
وإذا كانت تلك شهادةَ القرآن، فشهادةُ الواقع كذلك برهانٌ على هذا المحقِ، وكم يتحدثُ الناسُ عن أفرادٍ تحولوا بين عشيَّةٍ وضُحاها من دائنينَ إلى مدينين، ومن أغنياءَ إلى فقراءِ، وحتى لو لم يحصلْ لهم شيءٌ من ذلك إلى الدنيا، فيكفيهم خزياً وعاراً وندامةً وخُسراناً، إنهم لا يقومون من قبورهم يومَ القيامة: (إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة:275].
بابُ التوبةِ مفتوحٌ للمُرابين، ولكنّ الخلودَ في النارِ جزاءُ العائدين: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:275].
ألا فخلّصوا أنفسَكم من اللعنةِ يا من تُرابون، وقُوا أنفسَكم الخلودَ في النار يا من تجمعونَ ما لا تأكلون، ولا تجنوا على أنفسِكم وعلى أولادكم بأكلِ السُّحتِ وأنتم تعلمون، ولا تُبارزوا ربَّكم بالمحاربةِ وأنتم المساكين!.
تاسعاً: عبادَ الله، وثمةَ خِصالٌ لُعن أصحابُها، تجمع مَن سبَّ والدَيه، أو ذبحَ لغيرِ الله، أو غيَّرَ تخومَ الأرضِ، فعنها وغيرِها قال -صلى الله عليه وسلم-: "ملعونٌ من سبَّ أباه، ملعونٌ من سبّ أُمَّه، مَلعونٌ من ذبَح لغيرِ اللهِ، ملعونٌ من غيّر تخومَ الأرضِ، ملعونٌ من كَمِهَ أعمى عن الطريق –أي: أضلَّه-، ملعونٌ من وقعَ على بهيمةٍ، ملعونٌ من عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ" رواه أحمد بسند صحيح. ألا فاحذروا هذه الخِلالَ كلَّها، وترفَّعوا بأنفسِكم عن مقارفتها.
عاشراً: وترويعُ المسلمِ موجبٌ للعنةِ، وفي صحيح مسلم في كتاب البر والصلة: بابُ النهي عن الإشارةِ بالسلاح إلى مسلم، ساق الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال أبو القاسم -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أشار إلى أخيهِ بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعَنُه، وإن كان أخاه لأبيه وأمّه" رواه مسلم.
وكم يتساهلُ بعضُنا بهذا الأمر، والأمرُ خطر! وكم بدأ بمزاحٍ ثم يتحولُ إلى كارثةٍ وأتراحٍ! فالزموا أمرَ الإسلام، ولا تُروِّعوا آمناً.
حادي عشر: إخوة الإسلام، وإياكم والتحايلَ على ما حرَّم اللهُ! فهو وإن خَفيَ على البشرِ فلا يخفى على خالقِ البشرِ، والمُحلِّلُ لامرأةٍ بانت من زوجها والمُحلَّلُ له كلُّهم ملعونون بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "لعنَ اللهُ المُحلِّلَ والمُحلَّلَ له" أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
إن هذا المُحلِّلَ تيسٌ مُستعار، وهو والمحلَّلُ له استحلّوا ما حرّمَ اللهُ بالحيلة، وهتكِ المروءة، وقلةِ الحمية، وضعفِ الرقابة للهِ.
ثاني عشر: معاشرَ النساءِ، وحين لا تستجيبُ إحداكُن لأوامر الزوجِ ولا تُطيعُه بالمعروف، فيبيتُ غضبانَ عليها، فإن اللعنةَ تصيبُها، فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ من حديثِ أبي هريرةَ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فِراشه فأبتْ، فباتَ غضبانَ عليها، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ".
ثالث عشر: معاشرَ الرجالِ، وإياكم وإتيان النساءِ في أدبارهنَّ! فذلك -مع استقذارِه- هو يُفوِّتُ على حقّها من الزوجِ، ويخالفُ الهدفَ من الزواج، وهو الإعفافُ، وابتغاءُ الولد، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ملعونٌ من أتى امرأةً من دبرها" أخرجه أبو داود وابن ماجة.
رابع عشر: أيها المسلمونَ، وممن لُعنوا في كتاب اللهِ الذينَ يؤذون الله ورسولَه، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) [الأحزاب:57].
والذين يكتمونَ ما أنزلَ اللهُ من البينات والهدى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:159-160].
عبادَ الله: ليس هذا حصراً للملعونين في كتابِ الله وسنةِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، وإنما هو بيانٌ لشيءٍ منها، وقد عقدَ ابنُ القيمِ -رحمه الله- في كتابه (الداء والدواء) فصلاً في ذنوبٍ تُدخلُ العبدَ تحت لعنةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، ومَن لعنه الله، فَزادت عنده على ثلاثينَ نوعاً، منها ما سبقت الإشارةُ إليه، ومنها من ضارّ مسلماً أو مكرَ به، ومن آوى محدِثاً، ومن انتَسبَ إلى غير أبيه، ومن سبَّ الصحابةَ، ومن أفسدَ امرأةً على زوجها، ومن جعلَ سبيلَ الكافرينَ أهدى من سبيل المؤمنينَ. إلى غير ذلك. ومن شاء المزيدَ فليرجع إليه.
أيها المسلمُ والمسلمة: ادرؤوا عن أنفسِكم وأهليكم وأولادِكم أسبابَ لعنِ اللهِ أو لعن رسولهِ -صلى الله عليه وسلم-، إننا نأنفُ من اللعنِ في لغةِ التخاطب بيننا، فكيف نرضى باللعنِ من خالقِنا أو نبيِّنا؟ وإذا تطاولَ علينا لاعنٌ بغير حقٍّ دافعْنَا وانتصرْنا لأنفسِنا؛ أفلا ندفعُ نزغاتِ الشيطانِ، ونتعالى على أسبابِ اللعن من خالقنا؟.
ويومَ أن تسمعوا مثلَ هذه الأخلاقِ السيئةِ والممارساتِ الخاطئةِ المؤديةِ للعنِ، فلا تظنوا أن المخاطبَ غيرُكم، بل اتهموا أنفسَكم، وجاهدوا أهواءكم، وأصلحوا ذاتَ بينكم، وتناصحوا بالمعروفِ، وتناهَوْا عن المنكر، ولا يأنفْ والدٌ من نصيحةِ ولدِه، ولا يترددُ ابنٌ في نصحِ أبيه، ولا زوجٌ ولا زوجةٌ في مصارحةِ بعضِهم بعضاً، والمؤمنونَ إخوةٌ، وهم نصَحةٌ فيما بينهم.
والمصيبةُ حين تفشو المنكراتُ ولا مُنكِرٌ، وتحقيقُ اللعنة أو اللعنات في مجتمعِ المسلمينَ ولا مُنذر أو مُدَّكرٌ، وإذا رأيتَ ثمّ رأيتَ الضيقَ والكَدَرَ، والهمومَ والقلقَ، تُحيطُ بفئةٍ من الناسِ، فاعلم أنها المعاصي، والبعدُ عن هدي المرسلين، ثم تذكّر قوله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) [طه:124].
اللهم إنا نعوذُ بكَ من تحولِ عافيتك، وفُجاءةِ نقمِتِك، وجميعِ سخطكَ.