الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد آل طالب |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات |
لا شكَّ أنَّ الشمسَ والقمر من أعظمِ آيات الله -عزّ وجلّ- الدالّةِ على عظيم قدرته الباهرة والباعثةِ على الخوف الحقيقيّ منه سبحانه دونَ أحدٍ سواه، وهذه الآياتُ العظيمة قد اعتاد عليها الناس، فربما غفَل بعضُ الخلق عن التفكُّر فيها، فيُحدِث الله -عزّ وجلّ- عليها من الطواري والحوادِث والتغيُّرات الكونية ما يبعثُ المسلمَ على التفكُّر والتذكّر، فلو اجتمع الإنسُ والجنّ على أن يُغيِّروا من نظام هذا الكون شيئًا لم يستطيعوا، أو...
الخطبة الأولى:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: خسفَت الشمس في عهدِ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فصلّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالناس، فقام فأطال القيام، ثمّ وصفَت الصلاةَ إلى أن قالت: ثم انصرفَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد انجلتِ الشمس، فخطب الناسَ، فحمِد الله وأثنى عليه، ثم قال: "إنَّ الشمس والقمر آيتان من آيات الله -عزّ وجلّ-، يخوّف بهما عبادَه، لا يخسِفان لموت أحدٍ ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبِّروا وصلّوا وتصدّقوا"، ثم قال: "أيّها الناس، والله ما مِن أحدٍ أغير من الله أن يزنيَ عبدُه أو تزني أمتُه، والله لو تعلَمون ما أعلم لضحِكتم قليلاً ولبكَيتم كثيرًا" (صحيح البخاري: 1044، صحيح مسلم: 901).
وفي رواية في الصحيحين أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أمرهم أن يتعوّذوا بالله من عذاب القبر (صحيح البخاري1050، صحيح مسلم: 903).
وفي الصحيحين أيضًا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- تقدّم في هذه الصلاة ثم تأخّر، وقال: "إني رأيتُ الجنة، فتناولتُ عنقودًا لو أصبتُه لأكلتم منه ما بقِيت الدنيا، ورأيتُ النار، فما رأيتُ منظرًا كاليوم قطُّ أفظع، ورأيتُ أكثرَ أهلها النساء"، قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: "بكفرهِنّ"، قيل: يكفرنَ بالله؟! قال: "يكفرن العشر، ويكفرنَ الإحسان، لو أحسنتَ إلى إحداهنّ الدهرَ كلَّه ثم ّرأَت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قطّ" (صحيح البخاري: 1052، صحيح مسلم: 907).
وفي الصحيحين أيضًا من حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال في خطبته تلك: "ما من شيء كنتُ لم أره إلا رأيتُه في صلاتي هذه -أو قال:- في موقفي هذا، حتى الجنة والنار، ولقد أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور مثلَ أو قريبًا من فتنة الدجال، يؤتَى أحدُكم فيقال له: ما عِلمُك في هذا الرجل؟ فأما المؤمن -أو الموقن- فيقول: محمد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، جاءنا بالبينات والهدى، فآمنّا واتبعنا وأجبنا، فيقال: نم صالحًا، قد علِمنا إن كنتَ لموقنًا، وأمّا المنافق -أو المرتاب- فيقول: لا أدري، سمعتُ الناس يقولون شيئًا فقلته" (صحيح البخاري: 1053، صحيح مسلم: 905).
أيّها المسلمون، لا شكَّ أنَّ الشمسَ والقمر من أعظمِ آيات الله -عزّ وجلّ- الدالّةِ على عظيم قدرته الباهرة والباعثةِ على الخوف الحقيقيّ منه سبحانه دونَ أحدٍ سواه، وهذه الآياتُ العظيمة قد اعتاد عليها الناس، فربما غفَل بعضُ الخلق عن التفكُّر فيها، فيُحدِث الله -عزّ وجلّ- عليها من الطواري والحوادِث والتغيُّرات الكونية ما يبعثُ المسلمَ على التفكُّر والتذكّر، فلو اجتمع الإنسُ والجنّ على أن يُغيِّروا من نظام هذا الكون شيئًا لم يستطيعوا، أو على أن يعيدوا للقمَر ضوءَه لم يفلِحوا. فهذه آيةُ الله -عزّ وجلّ- الدّالةُ على قدرته -سبحانه وتعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ * وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص:71-73].
وقد بيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في خطبتِه بعد أن فزع فزعًا شديدًا عندما رأى هذا الخسوفَ للشّمس، حتى أخطأ في الدِّرع -صلى الله عليه وسلم-، وذلك الفزعُ بسبب أنَّ الخسوفَ والكسوف من علامات الساعة ومن علامات العذاب، لذلك سُمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه في سجوده: "يا ربّ، ألم تعدني أن لا تعذِّبهم وأنا فيهم؟!" (أخرجه أحمد 2/188، وأبو داود: 1194، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود: 1055).
فكان يبتهل إلى الله -عز وجلّ- أن لا يُنزل العذابَ بأمته رحمةً منه -صلى الله عليه وسلم-.
وذكر -صلى الله عليه وسلم- في خطبتِه بعضَ أحوالِ الآخرة ممّا رآه في صلاته تنبيهًا وتذكيرًا للمؤمنين، فمِن ذلك عذابُ القبر -أجارنا الله وإياكم منه-، وبيّن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه لا ينجو منه إلاّ من كان مؤمنًا موقنًا، عندها يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت. جعلنا الله وإيّاكم من الثابتين في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
كما أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنّ الله -عز وجل- يغضب ويغار عندما تُنتهَك حرماته -عزّ وجلّ-، وفيه تنبيه على أنّ الخسوفَ والكسوف علامة على الغضَب والعذاب، عافانا الله وإياكم.
ومن هذه المحارم التي نبّه عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- الزنا، فهو موجِبٌ لغضَب الله -عزّ وجلّ- وأليم عقابه. فالله -عز وجل- يغار ويغضب من انتهاك هذه الحرمات أو ما أحاط بها -عزّ وجلّ- من حرمات عندما قال سبحانه: (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزّنَى) [الإسراء:32] بأيِّ حالٍ من الأحوال، سواء كان الوقوع في الزنا أو قربان الزنا، أو أيّ شيء يوصل إلى هذه الفاحشةِ الموجبة لغضب الله -عزّ وجلّ- وسخطه وأليم عقابه.
سواء كانت هذه الأسباب الموصلة إليه الاختلاط أو السفور أو التبرّج أو الدعوة إلى الرذيلة كما ينادي بذلك الذين يحبّون أن تشيعَ الفاحشة في الذين آمنوا، والاستهزاء بما أحاط الله -عزّ وجلّ- هذه المحارم، أحاطها الله -عزّ وجلّ- بسياجٍ منيع من الحرمات، فالاستهزاء بذلك وانتهاكُ ذلك موجبٌ لعِقاب الله -عزّ وجلّ-، وكذلك نقصُ الأرزاق والخوف وغير ذلك من العقوبات، كلُّ هذا بسبب ذنوب العباد.
فهذه أسبابُ العقوبات قد انعقَدت، وعلامات العذاب قد ظهَرت، فعلى المسلمين جميعًا أن يتوبوا إلى الله -عزّ وجلّ-، وأن يخلِصوا له التوبةَ النصوح، وأن يستغفروه ويتوبوا إليه، فإنّ الله -عزّ وجلّ- يبسُط يدَه بالليل ليتوب مسيء النّهار، ورحمتُه سبحانه وسِعت كلَّ شيء، وهو يدعوكم إلى جنته، (وَاللَّهُ يَدْعُواْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) [البقرة:221]، (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ) [يونس:25]، (قُلْ يا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) [الزمر:53]، (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء) [الأعراف:156].
رحمةُ الله -تعالى- واسعة، فهو يناديكم، وهو أفرحُ بتوبة عبده من رجلٍ أضلَّ ناقتَه في الصحراء عليها متاعُه وزادُه، ثم فرح بها، فالله -عزّ وجلّ- أفرح من هذا العبد الذي لقي ناقتَه بعد ضياعها.
فعلينا أن نتوبَ إلى الله -عزّ وجلّ-، وأن نستغفرَه ونعودَ إليه، وأن نكبِّره ونصلِّي له ونستغفره -سبحانه وتعالى-.
وقد يقول بعضُ المتحَذلقين: إنّ هذه التغيّرات الكونيةَ لها أسبابٌ طبيعيّة معروفة، وليست بسبب الذنوب، فيجاب عن هؤلاء الغافلين عن آيات الله -عزّ وجلّ- بأن يقال: إنّ كونَها معروفةً أو أنّ لها أسبابًا طبيعية لا يخرِجُها من كونها مقدَّرةً من عند الله عزّ وجل، فالله سبحانه هو خالق الأشياء والحوادثِ وأسبابها والمسبّبات، فالله –تعالى- إذا أراد شيئًا بعث سببَه، فيخلق سبحانه الأشياءَ وأسبابَها.
فعلينا أن نتوبَ إلى الله -عزّ وجلّ-، وأن نعودَ إليه، خصوصًا في هذا الشهرِ الكريم الذي يُعتِق الله -تعالى- فيه رقابًا من الناس، والذي يغفر الله لجمٍّ غفير من المسلمين في هذا الشهر الكريم.
نسأل الله -تعالى- أن لا يؤاخذَنا بذنوبنا، وأن لا يؤاخذنا بما فعل السّفهاء منا، وأن يغفر لنا ويرحمنا، ويتقبّل منا ومنكم صالحَ القول والعمل، والله -تعالى- أعلى وأجلّ. وصلّى الله وسلّم على نبيِّنا محمّد وآله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
لم ترد.