البحث

عبارات مقترحة:

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

حقوق الجار

العربية

المؤلف عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك
عناصر الخطبة
  1. حث الإسلام على أداء الحقوق .
  2. أمر الإسلام بالإحسان إلى الجار .
  3. منزلة الجار في الإسلام .
  4. الإهداء إلى الجيران .
  5. جريمة أذية الجار .
  6. تعظيم أهل الجاهلية لحقوق الجار .
  7. كف الأذى عن الجار .

اقتباس

إنَّ الشارعَ الحكيم أمر بالإحسان إلى الجيران، والإحسانُ إلى الجيران يشمل كُلَّ أَوْجُهِ الإحسانِ: من الخُلُق الرفيع، والكلمة الطيبة، وقضاء الحوائج، والوقوف معه في النوائب والمكروهات، ونحو...

الخطبة الأولى:

عباد الله: لقد رتَّب الشارع الحكيم للجيران حقوقًا كثيرة، رغَّب في أدائها، ورهَّب مِن تضييعها؛ فمن قام بها حَقَّ القِيام فقد عظم شعائر الله: (وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، ومن فرط فيها فقد أساء وتَعَدَّى وظلم: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) [الطلاق: 1].

إنَّ الشارعَ الحكيم أمر بالإحسان إلى الجيران، والإحسانُ إلى الجيران يشمل كُلَّ أَوْجُهِ الإحسانِ: من الخُلُق الرفيع، والكلمة الطيبة، وقضاء الحوائج، والوقوف معه في النوائب والمكروهات، ونحو ذلك، يقول عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ كما في الصحيحين: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ"، وفي الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لاَ يُؤْمِنُ"، قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: "مَنْ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ" ففي هذا الحديث تحذير شديد ووعيد أكيد لكل مسلم من أن يَتَعَدَّى على جاره، وأن يُفَرِّطَ في حُقُوقِهِ، بجلب أذى إليه، أو دفع خيرٍ عنه.

وقد جعل الشارع الحكيم للجارِ منزلةً أخرى عظيمة في صورة ثانية؛ وهي أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ظن أن الجار سيرث جاره؛ مِن كثرة إيصاء جبريل -عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ- للنبي   -صلى الله عليه وسلم- بالجار؛ فقد ثبت في الحديث أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ" (أي: أنه سيجعل الجوار سببًا من أسباب الميراث).

عباد الله: هناك خصلة بدأت في الانقراض؛ وهي الإهداء إلى الجيران، فإن التهادي بين الجيران يورث المحبة، وينزع الضغائن، ويزيل الأحقاد؛ ولذا فإنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أوصى أبا ذر -رضي الله عنه- إذا طبخ مرقة أن يُكثر ماءها، وأن يتعاهد جيرانه بها، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم. وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَحْقِرَنَّ امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ مَعْرُوفًا لِجَارَتِهَا وَلَوْ كَانَ فِرْسِنَ شَاةٍ" أو كما قال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ. وفرسن الشاة هو عظمها الذي فيه لحم قليل.

فعلى المسلمين أن يتهادوا مع جيرانهم؛ ليتحقق المقصود من بقاء المحبة ودوامها، وإزالة الضغناء والبغضاء من قلوبهم.

عباد الله: إن أذية الجار عظيمة كبيرة، ومصيبة كبيرة، إثمُها عظيم مضاعف؛ ولذا فإنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ جعل الاعتداء على عِرض الجار أعظمَ من الاعتداء على عِرض غيره، وجعل السَّرِقَة من الجار أعظمَ من السرقة من غيره؛ كما في الصحيحين عن ابن مسعود -رضي الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عنه- أنه قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أيُّ الذنب أكبر؟ فقال: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"، قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ"، قلت: ثم أي يا رسول الله؟ قال: "أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ". وثبت في حديث آخر أنه عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ قال لأصحابه: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَى؟" قالوا: قد حرَّمه الله ورسولُه؛ فهو حرامٌ إلى يوم القيامة. فقال: "لأنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ. مَا تَقُولُونُ فِي السَّرِقَةِ؟" قالوا: قد حرَّمها الله ورسوله. قال: "لأنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِنْ عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ".

فاتقوا الله -عباد الله-، وارعوا للجيران حرماتهم، أدُّوا إليهم حقوقهم، واجتنبوا أذيتهم، يقول الله -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا) [النساء: 36].

الخطبة الثانية:

عباد الله: لقد كانت الجاهلية يُعَظِّمُون حقَّ الجِوَار، ويحترمون الجار احترامًا عظيمًا، فجاء الإسلام مقرًّا لهم على ذلك، وجاعلاً ذلك من مكملات الإيمان، ومِن خِصاله الحميدة.

وليس حَقُّ الجوار كفَّ الأذى فحسب؛ وإنما حَقُّ الجوار كَفُّ الأذى عن الجار، واحتمالُ الأذى عن الجار؛ كما قال جماعة من السلف -رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى-.

فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلاَ- عباد الله، وأحْسِنُوا إلى جِيرانِكُم، واجتنبوا الإساءة إليهم في أموالهم وفي أهليهم وفي أبنائهم؛ تفلحوا وتسعدوا في الدين والدنيا.