البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | عكرمة بن سعيد صبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب - فقه النوازل |
أيها المعلِّمُ: أنت قبَس من نور، قبَس من رسالة الأنبياء والمرسَلين، فاحرص على هيبة المعلم، وهيبة التعليم، فقد أودعناكَ فلذاتِ أكبادنا، فلا تَيْأَسْ من إصلاح الطلاب، في تقييمهم مهمَا عَظُمَ الفسادُ، وانفلتت الأمورُ، وبخاصة في هذه الأيام العصيبة التي لا تَخفى على أحد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
الحمد لله إذ لم يأتني أجَلِي | حتى اكتسيتُ من الإسلام سربالَا |
الحمد لله حمدَ العابدينَ الشاكرينَ، ونستغفرك ربَّنا ونتوكَّل عليكَ، ونُثني عليكَ الخيرَ كلَّه، أنتَ ربُّنا ونحن عبيدُكَ، لا معبودَ سِوَاكَ، لا ركوعَ ولا سجودَ ولا تذلُّلَ ولا خضوعَ إلا لكَ، سبحانكَ فأنتَ ملاذُ المؤمنينَ الصادقينَ، حافظُ المسلمين المجاهدينَ، مُخزي المنافقينَ المفضوحينَ والسماسرةِ الملعونينَ، والبائعينَ الخائنينَ، هازمُ الكافرين المحتلِّينَ المتغطرسينَ.
ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، القائل: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)[الْأَحْزَابِ: 39]، اللهم اجعل في قلوبنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وبين أيدينا نورًا، اللهم يسِّر لنا أمورنا، ووحِّد صفوفَنا، واحقن دماءنا، وعليك بمن ظلمنا وآذَانَا.
ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمدًا عبد الله ونبيه ورسوله، الصادق الوعد الأمين، إمام الأنبياء والمرسلين، وقدوة العلماء العاملين، صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله، وعلى آلك الطاهرين المبجَّلين، وصحابتك الغُرّ الميامين المحجَّلين، ومن تَبِعَكم وجاهَد جهادَكم إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فيقول الله -عز وجل- في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[الْعَلَقِ: 1-5].
أيها المسلمون، أيتها المسلمات، أيها المصلون، أيتها المصليات، أيها المعلمون، أيتها المعلمات، أيها المربون، أيتها المربيات، أيها الآباء، أيتها الأمهات: يتوجَّه في هذه الأيام ما يزيد عن مليون ومائتي ألف طالب وطالبة من أبنائنا وبناتنا، ومن أحفادنا وحفيداتنا، فلذات أكبادنا، يتوجَّهون إلى مقاعد الدراسة لاستئناف العام الدراسي الجديد، وفي أيديهم وعلى ظهورهم حقائب الغد المختبئ، هذا الغد المجهول الذي لا يعلمه إلا الله، رب العالمين، نسأله -عز وجل- أن يكون هذا العام الدراسي عام يُمن وخير، وأمن وأمان، على طلابنا وطالباتنا.
أما أنتم أيها المعلمون، أيتها المعلمات: فإن ثقتنا بكم قوية وكبيرة إن شاء الله، فتفانَوْا في الجِدّ والاجتهاد والتحضير، كونوا قدوةً صالحةً لأبنائنا وبناتنا، للطلاب والطالبات، فإن المعلم الناجح هو الذي يكون مُحِبًّا لمهنة التعليم، مُخلِصًا متفانيًا فيها، كيف لا؟ فإن التعليم أشرف مهنة إنسانية.
أيها المعلِّمُ: أنت قبَس من نور، قبَس من رسالة الأنبياء والمرسَلين، فاحرص على هيبة المعلم، وهيبة التعليم، فقد أودعناكَ فلذاتِ أكبادنا، فلا تَيْأَسْ من إصلاح الطلاب، في تقييمهم مهمَا عَظُمَ الفسادُ، وانفلتت الأمورُ، وبخاصة في هذه الأيام العصيبة التي لا تَخفى على أحد.
أما أنتم أيها الآباء، أيتها الأمهات، يا أولياء الأمور: لا تظنُّوا أنكم معفيُّون من المسئولية تجاهَ أولادكم، فلا يجوز لكم أن تُلقُوا بالمسئولية الكاملة على المدرسة؛ فيجب أن تكون المسئولية مناصفةً بين البيت والمدرسية، عليكم أن تُتابِعوا تصرفات أولادكم في الصباح والمساء، تأكَّدوا من دوام أبنائكم وبناتكم في المدارس، فقد حصَل في أعوام سابقة، أن الطالب يتغيَّب من المدرسة، فلا رقيب ولا سؤال ولا متابَعة، وبالنسبة للطالبة التي تخلع الزي المدرسي لتذهب إلى مكان مجهول، ونكتفي بالتلميح لا بالتصريح، فاللبيبُ بالإشارة يَفهَم.
أيها المسلمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أما بالنسبة للمناهج المدرسية: فإننا من على منبر المسجد الأقصى المبارك، نوضِّح الموقفَ الشرعيَّ بشأن هذه المناهج وبالله التوفيق: إن كل شخص، أو كل أُمَّة له ديانته، ومعتقَده، له ثقافته وعاداته وتقاليده، له خصوصياته؛ لذا فله الحق في وضع المناهج المدرسية التي تتناسب وتتماشى مع دِينه ومبادئه، وعليه فلا يجوز أن تُفرَض المناهج الإسرائيلية على مدارسنا؛ وذلك لِمَا تتضمَّنه هذه المناهج من معلومات وأفكار تتعارض مع ديننا ومعتقَداتنا وتاريخنا، وعليه فمن واجب أولياء الأمور، بل من حقهم متابَعة موضوع المناهج المدرسية، وأن يُطالِبوا باستمرار بالمناهج العربية حاليًا، رغم هَناتها وسلبيَّاتها، وذلك كحد أدنى إلى أن ترقى مناهجُنا إلى المستوى المطلوب، الذي يحافظ على ديننا وتاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا، كما هو حقٌّ من حقوق أي شعب في العالَم.
أيها المسلمون، أيها المرابطون: إن الأحداث السياسية المتعاقبة، وإن انتشار فيروس "كورونا" قد أشغلتنا عن الاهتمام بالتعليم، الذي يمثِّل العمود الفقري في بنيان المجتمع، كما يمثِّل الشأن المركزي الذي تقوم عليه الأمم والشعوب، فنقول للآباء والأمهات: هل فكرتُم إلى أي المدارس ستُرسِلون أبناءكم؟ وما المناهج التي ستطبق في هذه المدارس؟ فإن أولادكم هم أمانة في أعناقكم وأن الله -سبحانه وتعالى- سيُحاسِبكم عن تصرفاتكم تجاهَهم، أما موضوع التعليم المختلط: فإن له محاذير كثيرة وكثيرة، لا تخفى عليكم.
أيها الآباء، أيتها الأمهات: من حقكم أن تُطالِبوا بأن تكون مدارس الطالبات منفصلةً عن مدارس الطلاب، وأن تعترضوا على فكرة التعليم المختلط، وفي هذا المقام ندعو قائلين: اللهم فقِّهْنا في الدِّين، وعلِّمْنا التأويلَ وارزقنا التأويلَ، جاء في الحديث النبوي الشريف: "عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا النبي الأمي الأمين، وعلى آله الطاهرين المبجلين، اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد.
نلفتُ نظركم أيها المصلون باتباع التعليمات الصحية بخصوص وباء كورونا، بما في ذلك كما هو معروف لبس الكمامات.
أيها المصلون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز:
الرسالة الأولى: بشأن وقف البيوت والعقارات والأراضي، فنداؤنا الخاص لأهل بيت المقدس، بالعمل على وَقْف البيوت والعقارات والأراضي إما وقفا عامًّا، وإما وَقْفًا للذرية؛ وذلك لحمايتها من التسريب ومن السماسرة الخائنين المجرمين، وحتى يغادر المسلم هذه الحياة وهو مطمئنٌّ قريرُ العين، وحتى تحافظ الأجيال الصاعدة عليها، وكما هو معلوم أن الوقف لا يسري عليه بيع ولا شراء، وإنما يُنتفَع من نتاجه، ويَحرُم الاعتداء على الوقف الإسلامي، ومهما طال الوقت عليه فلا يسقط حقُّ الوقف مهما طال الزمان.
أيها المصلون، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس: الرسالة الثانية بشأن جثامين الشهداء، الذين ارتقَوْا إلى بارئهم: فإن سلطات الاحتلال تحتجز هذه الجثامين، فلا يحقُّ لها شرعًا أن تحتجز هذه الجثامين، فهذا احتجاز غير شرعي، وغير قانوني وغير إنساني، وقد أصدَرْنا فتوى شرعية تضمَّنت أن الإنسان له كرامته حيًّا أو ميتًا، بغضِّ النظر عن دِينه وعِرقه.
الرسالة الثالثة أيها المصلون والأخيرة: بشأن ذكرى حريق المسجد الأقصى المبارك، حريق الأقصى المشئوم، تأتي ذكراه غدًا السبت، والذي حصل يوم الخميس في (21-8-1969م)، ولا زلنا نُحيي هذه الذكرى السنوية؛ لتطَّلِع الأجيالُ الصاعدةُ على ما جرى ويَجري بحقِّ المسجد الأقصى المبارَك، من حرق ومن اعتداءات عليه، فالأقصى -كان ولا يزال- يتعرَّض للحرائق بصور متعددة، وكان آخرُها أداء صلوات تلمودية مِنْ قِبَل الجماعات اليهودية في الجهة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، فهل مَنْ ينتهكون حرمة الأقصى المبارك يريدون سلاما؟
أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان: إن الأقصى هو جزء من إيمان مليارين من المسلمين، ولا علاقة لغير المسلمين بهذه المسجد، لا سابقًا ولا لاحقًا، ويتوجب على الحكومات في العالَم العربي والإسلامي أن يتحمَّلوا مسئولياتهم تجاه القدس والأقصى، وأن الله -عز وجل- سيحاسِب كلَّ مَنْ يُقصِّر بحق القدس والأقصى، ولا يسعُنا في هذ المقام إلا أن نقول: حماكَ اللهُ يا أقصى. قولوا: آمين.
أيها المصلُّون: الساعة ساعة استجابة، فأمِّنوا من بعدي: اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واصرف الشرَّ عنا، اللهم احفظ المسجد الأقصى من كل سوء، اللهم هيئ مَنْ يوحد المسلمين، ويحذو حذوَ صلاح الدين، اللهم ارحم شهداءنا، وشافِ جرحانا، وأطلِقْ سراحَ أسرانا، اللهم يا الله، يا أملَ الخائفينَ، ويا نصيرَ المستضعَفين، ندعوكَ بكل يقينٍ، إعلاءَ شأن المسلمين، بالعز والنصر والتمكين، اللهم انصر الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمتَي الحق والدِّين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وأقمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].