الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | عبد الله اليابس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - |
كيف لا تكون لحظات تاريخية.. والرسول -صلى الله عليه وسلم- شهد وهو الصادق المصدوق أنها أفضل أيام الدنيا.. فعن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر.. قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب"، كيف لا تكون لحظات تاريخية.. والعمل الصالح فيها أفضل من العمل في غيرها.. أفضل من جميع أيام العام.. حتى من أيام رمضان..
الخطبة الأولى:
الحمد لله العفو الغفور, لا تنقضي نعمه ولا تحصى على مر الدهور. وسع الخلائقَ حلمُه مهما ارتكبوا من شرور, يتوب على من تاب ويغفر لمن أناب ويجبُر المكسور, أحمده -تبارك وتعالى- حمد القانع الشكور.
وأشهد أن لا إله إلا الله جعل الظلمات والنور، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله كاملُ النور, ما لبس الحرير، و ما نام على الوثير، ولا شُيِّدت لسكناه القصور.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا بدر البدور, وعلى الصحب والآل ومن تبعهم بإحسان إلى يوم النشور.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. ثلاثة أيام أو أربعة.. تفصلنا عن لحظات تاريخية..
نعم.. لحظاتٌ تاريخية بحق.. كيف لا.. وقد أقسم الله -تعالى- بها.. يقول -سبحانه وتعالى-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2], قال ترجمان القرآن ابن عباس: "هنَّ الليالي الأول من ذي الحجة", وكذلك جاء الخبر عن ابن الزبير ومسروق وعكرمة، ومجاهد وقتادة والضحاك، وغيرهم -رحم الله الجميع-.
كيف لا تكون لحظات تاريخية.. والرسول -صلى الله عليه وسلم- شهد وهو الصادق المصدوق أنها أفضل أيام الدنيا.. فعن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أفضل أيام الدنيا أيام العشر. يعني عشر ذي الحجة. قيل: ولا مثلهن في سبيل الله؟ قال: ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب".
كيف لا تكون لحظات تاريخية.. والعمل الصالح فيها أفضل من العمل في غيرها.. أفضل من جميع أيام العام.. حتى من أيام رمضان.. باستثناء الليالي العشر الأخيرة..
روى البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" يعني أيام العشر. قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء".
أيها الإخوة: إننا مقبلون على موسم عظيم من مواسم الأجر والخير ومضاعفة الحسنات.. والله -تعالى- قد أمرنا بالتزود للعمل الصالح؛ فقال –سبحانه-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [الحج: 197].
ومن أبرز الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في هذه العشر الصيام..
فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عن الجميع- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر, أول اثنين من الشهر وخميسين" (رواه أبو داوود وصححه الألباني).
والصيام عمومًا من أجلّ الأعمال وأشرفها.. وثوابه عظيم.. فكيف إذا كان في موسم عظيم.. روى النسائي وصححه الشيخ الألباني عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَن صامَ يومًا في سبيلِ اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- باعدَ اللَّهُ وجهَهُ من جَهَنَّمَ سبعينَ عامًا".
ويتأكد الصيام في يوم عرفة.. فهو من أفضل أيام العشر.. وفضله عظيم.. والمحروم كل الحرمان من فرط فيه..
روى أبو داوود وصححه الألباني عن أبي قتادة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "صيامُ عرفةَ إنِّي أحتسبُ على اللَّهِ أن يُكفِّرَ السَّنةَ الَّتي قبلَهُ والسَّنةَ الَّتي بعدَهُ".
الله أكبر.. أي فضل عظيم اختص به هذا اليوم.. وأيّ حرمان يحل بمن فرط في صوم يوم يكفِّر ذنوب سنتين؟!
ومن الأعمال الصالحة التي ينبغي الاجتهاد فيها خلال هذه العشر المقبلة: التكبير والتحميد والتهليل.
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله، ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".
قال البخاري -رحمه الله-: "كان ابن عمر وأبو هريرة -رضي الله عنهم- يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرها".
وقال: "وكان عمر -رضي الله عنه- يكبر في قُبته بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون، ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً".
وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- يكبِّر بمنى تلك الأيام وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيام جميعاً.
فيستحب للمسلم إذاً أن يجهر بالتكبير في هذه الأيام ويرفَعَ صوته به، وعليه أن يحذر من التكبير الجماعي؛ حيث لم يُنقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا عن أحد من السلف، والسنة أن يكبِّر كل واحد بمفرده.
ومن الأعمال التي تُستحب في العشر من ذي الحجة بل هي أفضل أعمالها الحج.. فهو ركن الإسلام.. ومن أدَّاه فلم يرفث ولم يصخب رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه.
أيها الإخوة: قد أقبلت علينا أيام عشر ذي الحجة الفاضلة؛ فاغتنموها.. وبادروا.. وسارعوا.. وسابقوا.. إلى جنة عرضها السماوات والأرض.. لننقطع فيها للعبادة.. ولنلزم المساجد.. وليكن لنا فيها ختمة للقرآن أو أكثر..
وليكن لك في كل يوم أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة؛ بجلوسك في المسجد حتى تطلع الشمس.. تصدقوا.. أحسنوا.. أكثروا من الأعمال الصالحة.. ففضل الله واسع.. ونعمة منه عليك إن وفقك لإدراك هذه الأيام.. التي إن ذهبت لن تعود..
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم, ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم, قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تعالى- وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى, واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.
فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. إن من أجل الأعمال في عشر ذي الحجة: ذبح الأضحية.
والأضحية سنة مؤكدة عند جمهور العلماء وقيل بوجوبها, وتكون للشخص عن نفسه وعن أهل بيته, روى الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما عَمِلَ ابنُ آدم يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطيبوا بها نفسًا".
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من وجدَ سَعةً فلم يضحِّ؛ فلا يقربنَّ مُصلَّانا"؛ والحديث صححه الألباني.
فمن عزم على الأضحية فليمسك عن شعره وبشرته وأظفاره من غياب شمس ليلة أول أيام العشر من ذي الحجة حتى يذبح أضحيته.
لما روى مسلم من حديث أم سلمة هند بنت أبي أمية أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا رأيتم هلالَ ذي الحجةِ، وأراد أحدكم أن يُضحِّي، فليُمسك عن شعرِهِ وأظفارِهِ".
والإمساك عن الشعر خاصّ بالمضحي فقط.. ولا يشمل أهل بيته ممن يضحي عنهم..
أيها الإخوة: أروا الله من أنفسكم خيرًا.. فلعل هذه العشر آخر عشر ندركها.. ولعلنا لا نلقاها بعد عامنا هذا..
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.. اعلموا أن الله -تعالى- قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام, فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله.. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى, وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي, يعظكم لعلكم تذكرون, فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر, والله يعلم ما تصنعون.