البحث

عبارات مقترحة:

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

مكائد إبليس: الرياء

العربية

المؤلف محمد بو سنه
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات
عناصر الخطبة
  1. الإخلاص شرط في جميع العبادات .
  2. آفة الرياء .
  3. كيفية القضاء على الرياء .
  4. أمثلة للرياء .
  5. محاسبة النفس .
  6. من فوائد الإخلاص .

اقتباس

فالرياء -عباد الله- لا يكون إلا من رجل قصرٍ نظره وضعف إيمانه، فإنه هو الذي يتصور أن الناس إذا رأوه يصلي كثيرًا أو رأوه يطيل الصلاة أو يصوم النوافل أو يحج ويعتمر دائمًا أو يتصدق أو نحو ذلك من أفعال الخير، يتصور أنهم يحسنون به الظن ويعاملونه معاملة خاصة تتركه في دنياه مسرورًا فرحًا ..

 

 

 

 

اعلم -وفّقني الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه- أن إخلاص العمل لله وحده لا شريك له شرط في قبول جميع أنواع الطاعات، فالإخلاص ضد الشرك، الإخلاص أن تريد بطاعتك التقرب إلى الله دون أي شيء آخر من تصنّع لمخلوق أو اكتساب مال أو محمدة أو جاه أو محبة أو مدح من مخلوق. 

الإخلاص أن تكون حركتك وسكونك في سرك وعلانيتك لله وحده كما قال -جل وعلا-: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ) [الأنعام: 162، 163]، وقال سبحانه: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة: 5]، وقال تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر: 14]، وقال -جل شأنه-: (مَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110].

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال قلت: يا رسول الله: من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟! قال: "من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه".

وعن زيد بن أرقم –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قال: لا إله إلا الله مخلصًا دخل الجنة"، قيل: وما إخلاصها؟! قال: "أن تحجزه عن محارم الله"، وفي رواية: "أن تمنعه عمّا حرم الله".

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما قال عبد: لا إله إلا الله مخلصًا إلا فتحت لها أبواب السماء حتى تفضي إلى العرش، ما اجتنبت الكبائر".

وعن أنس بن مالك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها واللهُ عنه راضٍ".

وعن أبي الدرداء –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ما ابتغي به وجه الله".

إذا فهمتم -عباد الله- أهمية الإخلاص في العمل، فاعلموا أن عدوّكم الشيطان يسعى جاهدًا أن يدخل عليكم من هذا الباب ليشوش على إخلاصكم، فتبطل بذلك أعمالكم، وإن من أظهر تلكم المشوشات على الإخلاص الرياء.

فالشيطان يدخل الآفة على المصلي مهما كان مخلصًا في صلاته، إذا كان حوله أناس ينظرون إليه أو دخل عليه داخل وهو يصلي فيقول له الشيطان: حسّن صلاتك وزد فيها حتى ينظروا إليك بعين الاحترام والتعظيم والصلاح. فتخشع جوارحك وتحسن صلاتك لا لأجل الله، ولكن من أجلهم، وهذا هو الرياء الظاهر.

وحتى تسدّ عليه هذا الباب وتقطع عليه هذه الآفة ينبغي أن تجعل صلاتك في خلوتك مثل صلاتك أمام الناس، وتستحي من ربك أن تخشع نفسك عند مشاهدة الناس خشوعًا زائدًا على عادته.

فالإخلاص أن تكون صلاتك عند الناس مثل صلاتك منفردًا، وهذه الآفات قلّ من يتنبه لها فلا يسلم من الشيطان إلا من دقق النظر وسَعِد بحفظ الله وتوفيقه وهدايته.

وإلا فالشيطان ملازم للمجتهدين في عبادة الله والإخلاص له، لا يغفل عنهم لحظة من اللحظات حتى يحملهم على الرياء في كل حركة إن قدر على ذلك.

ولا يسلم من شرّه وغروره وحيله، ومكره وخداعه إلا العالم البصير بدقائق آفات الأعمال حتى يخلّصها منها.

قال أبو الدرداء: "إن من فقه العبد أن يعلم نزعات الشيطان"، أي يعلم متى يأتيه ومن أين يأتيه.

وصدق -رحمه الله-؛ إذا فقه العبد عن الله -عز وجل- أنه لا يقبل من العمل إلا ما خلص وصفًا لوجهه الكريم دون خلقه، فإن نفسه وعدوّه إبليس -لعنه الله- يدعوانه إلى ما يحبط عمله خاف وحَذِر، فعلم حينئذ أن نزغة الشيطان تأتيه من قبل الرياء وغيره.

وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله، فليس للعبد غنىً عن معرفة ما أمرنا باجتنابه من الرياء وغيره، ولا سيما الرياء الذي وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه شرك خفي أخفى من دبيب النمل".


فالرياء -عباد الله- لا يكون إلا من رجل قصرٍ نظره وضعف إيمانه، فإنه هو الذي يتصور أن الناس إذا رأوه يصلي كثيرًا أو رأوه يطيل الصلاة أو يصوم النوافل أو يحج ويعتمر دائمًا أو يتصدق أو نحو ذلك من أفعال الخير، يتصور أنهم يحسنون به الظن ويعاملونه معاملة خاصة تتركه في دنياه مسرورًا فرحًا.

وأما العاقل البعيد النظر الصادق في إيمانه فإنه يعلم علمًا يقينيًا أن الأمر كله دنيا وأخرى لله وحده لا شريك له، وأن العالم كلّه جنه وإنسه أعجز من أن يدفع أجلاً أو يكثر رزقًا، كما جاء ذلك في حديث ابن عباس قوله -صلى الله عليه وسلم-: "واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".

فإذا كان المخلوق بهذا الضعف فلا يلتفت العبد بعمله له إلا إذا كان ضعيف الدين قاصر العقل.

روي عن ابن مسعود أنه سمع رجلاً يقول: "قرأت البارحة سورة البقرة، فقال: ذلك حظك منها". فاللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، وهب لنا إخلاص التوكل عليك والاستغناء عن خلقك، والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

 

عباد الله: أخلصوا في أعمالكم كلها، لا فرق بين عمل وعمل، سواء أكنتم تعملون لله -عز وجل- أم كنتم تعملون لخلق الله، وسواء أكنتم بين الخلق أم كنتم في محل خفي لا يراكم فيه إلا الله. وسواء أكنتم في سراء وقت العمل أم في ضراء.

ذلك الإخلاص هو أن تعمل العمل الصالح لا تريد جزاءً عليه إلا من الله، يكون ذلك قصدك قبل العمل، وأثناء العمل، وبعد الفراغ منه، لا تذكره بلسانك إلا من باب التحدث بنعم الله، أو من باب أن يقتدي بك غافل متبع لهواه.

فعلى المسلم المخلص أن يحذر كل الحذر أن يُخلط عمله بشيء من أنواع الرياء مثل ما يفعله كثير من الناس، تراهم يخرجون زكاة أموالهم خوفًا من ذم الناس لهم بقولهم: هذا ما زكَّى ماله لله، أو يدخل المسجد وقت صلاة مفروضة وفيه أناس يستحيي منهم أن يترك الصلاة، ولو كان وحده ما صلى، ومثل ذلك الصيام لو كان مع أناس أهل دين وطاعة صام، ولو كان وحده أفطر، ومثل ذلك حضور الجمعة ولولا خوف الذم لما حضرها، ومثله صلة الرحم وبر الوالدين إذا كان يصلهم خوفًا من الناس أو رجاءً فيهم، لا يفعل ذلك ابتغاء وجه الله، فكم من أعمال يتعب الشخص فيها نفسه، ويظن أنها خالصة لوجه الله، بل يكون فيها مغرورًا لأنه لا يخاف عليها أتقبل عند الله أم لا؟! فبالخوف والحذر يتفقد العبد أعماله، ويحرسها من الرياء ومن كل ما يبطلها حتى تكون خالصة مقبولة عند الله. وإن من الفوائد التي يجنيها المخلص بعمله أن صدره ينشرح للإنفاق في وجوه البر، فتجده يؤثرها بجانب من ماله ولو كانت به حاجة.

ومن فوائد الإخلاص: أنه يُعلّم صاحبه الزهد في الدنيا، فلا يمنعه عَرَض من الدنيا قدم له من أن يقول الحق أو ينكر على باطل، ولو أعطي الشيء الكثير من المال.

ومن فوائد الإخلاص: أنه يحمل المعلّم أن يبذل جهده لإيضاح ما خفي على التلميذ، وأن يحرص على اتباع طريقة في التدريس تجدد نشاط الطلاب وتشجعهم على المزيد من العلم.

ومن فوائد الإخلاص: أنه يمنع التاجر من الخيانة، فلا يغش في البضاعة أو في قيمتها.

ومن فوائد الإخلاص: الإتقان في العمل، يَحْمل صاحبه على أن يحسن العمل ويأتي به كاملاً.

ومن فوائد الإخلاص: أنه يحمل صاحبه على الابتعاد عن الرشوة.

ومن فوائده أيضًا: أنه يحمل المسؤول -مهما كانت مسؤوليته- أن يختار للأعمال الأتقى والأرضى والأكْفاء، عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من استعمل رجلاً على عصابة -أي جماعة- وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".

ومن فوائد الإخلاص: أن العمل الخالص القليل منه يجزئ؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن: "أخلص دينك يكفيك العمل القليل".

ومن أعظم فوائد الإخلاص: أن العبد لا ينجو من الشيطان وكيده ومكره إلا بالإخلاص، كما قال تعالى إخبارًا عما قاله إبليس -لعنه الله-: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ) [ص: 82، 83].

ومن فوائد الإخلاص: أنه يميز العمل من العيوب كتميز اللبن من الفرث والدم. فأخلصوا أعمالكم -أيها الناس-؛ فإن الله -تبارك وتعالى- لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له، واحذروا أن يدخل عليكم الشيطان من باب الرياء، فيفسد عليكم أعمالكم، ويوقعكم في الإشراك بربكم، واستعينوا في ذلك بدعاء الله والاستعاذة به من نزغات الشيطان ومكره وخداعه، فإنه سبحانه أرشدنا إلى الاعتصام به من الشيطان بالاستعاذة فقال: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [فصلت: 36].