البحث

عبارات مقترحة:

الشاكر

كلمة (شاكر) في اللغة اسم فاعل من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

السلام

كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...

حج الأندلسيين بعد سقوط الأندلس

العربية

المؤلف إبراهيم بن محمد الحقيل
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فقه النوازل -
عناصر الخطبة
  1. يوم النحر هو أفضل أيام السنة .
  2. الشعائر والمناسك والأضاحي من نعمة الله -تعالى- على عباده المؤمنين .
  3. يوم احتل الصليبيون الأندلس قبل زهاء خمسة قرون فعلوا بالمسلمين الأفاعيل .
  4. ذكر المؤرخون لتلك الحقبة أن الحج كان أصعب الفروض على الموريسكيين .
  5. لنحمد الله -تعالى- على هذا الدين الذي جمع قلوب المسلمين على شعائره .
  6. الأضحية سنة مؤكدة، وبعض العلماء يوجبها لمن وجد ثمنها .

اقتباس

وَيَوْمَ احْتَلَّ الصَّلِيبِيُّونَ الْأَنْدَلُسَ قَبْلَ زُهَاءِ خَمْسَةِ قُرُونٍ فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ الْأَفَاعِيلَ، وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِمْ لَقَبَ الْمُورِيسْكِيِّينَ (أَيِ: الْمُسْلِمِينَ الْأَصَاغِرِ) احْتِقَارًا لَهُمْ، وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى تَرْكِ دِينِهِمْ، وَقَسَرُوهُمْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَرَاقَبُوهُمْ أَشَدَّ مُرَاقَبَةٍ عَلَى الْتِزَامِ شَعَائِرِ النَّصْرَانِيَّةِ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 70 - 71].

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أَيُّهَا النَّاسُ: هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ؛ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمُ النَّحْرِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ). وَقَدْ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ). فَاجْتَمَعَ الْفَضْلَانِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَفِيهِ أَكْثَرُ أَعْمَالِ الْحَجِّ؛ وَلِذَا سُمِّيَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ؛ كَمَا فِي حَدِيثِ مُرَّةَ الطَّيِّبِ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ مُخَضْرَمَةٍ فَقَالَ: هَذَا يَوْمُ النَّحْرِ، وَهَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" رَوَاهُ أَحْمَدُ.

وَإِنَّ هَذِهِ الشَّعَائِرَ وَالْمَنَاسِكَ وَالْأَضَاحِيَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِذْ شَرَعَهَا لَهُمْ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا، ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُجَازِيهِمْ بِهَا أَحْسَنَ الْجَزَاءِ؛ فَنَحْمَدُ اللَّهَ -تَعَالَى- عَلَى مَا شَرَعَ لَنَا مِنْ دِينِهِ، وَمَا عَلَّمَنَا مِنْ شَرَائِعِهِ، وَمَا هَدَانَا إِلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ شَعَائِرِهِ، وَمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْنَا مِنَ الْقُدْرَةِ عَلَى إِقَامَةِ الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ فِي أَمْنٍ وَطُمَأْنِينَةٍ؛ فَإِنَّ جُمُوعًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُؤْذَوْنَ فِي دِينِهِمْ، وَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهِ، وَيُهَجَّرُونَ مِنْ دِيَارِهِمْ بِسَبَبِهِ، لَيْسَ لَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا أَنَّهُمْ رَضُوا بِاللَّهِ -تَعَالَى- رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبِيًّا.

وَيَوْمَ احْتَلَّ الصَّلِيبِيُّونَ الْأَنْدَلُسَ قَبْلَ زُهَاءِ خَمْسَةِ قُرُونٍ فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ الْأَفَاعِيلَ، وَأَطْلَقُوا عَلَيْهِمْ لَقَبَ الْمُورِيسْكِيِّينَ (أَيِ: الْمُسْلِمِينَ الْأَصَاغِرِ) احْتِقَارًا لَهُمْ، وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى تَرْكِ دِينِهِمْ، وَقَسَرُوهُمْ عَلَى النَّصْرَانِيَّةِ، وَرَاقَبُوهُمْ أَشَدَّ مُرَاقَبَةٍ عَلَى الْتِزَامِ شَعَائِرِ النَّصْرَانِيَّةِ، وَتَرْكِ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَمَنِ اكْتَشَفُوهُ مُخِلًّا بِذَلِكَ سَجَنُوهُ وَعَذَّبُوهُ وَأَحْرَقُوهُ. وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِدِينِهِمْ يَسْتَخْفُونَ بِهِ، وَيَلْتَزِمُونَ شَعَائِرَهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَيَتَوَاصَوْنَ عَلَى ذَلِكَ، وَيُصَبِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَيْهِ، حَتَّى يَلْقَوُا اللَّهَ -تَعَالَى-. وَقَدِ اعْتَرَفَ مُلُوكُ النَّصَارَى بَعْدَ عَمَلِيَّةِ التَّنْصِيرِ الْقَسْرِيِّ لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ عَمَلِيَّةَ التَّنْصِيرِ الْقَسْرِيِّ فَاشِلَةٌ، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَنَصِّرِينَ بِالْقُوَّةِ يُحَافِظُونَ عَلَى شَعَائِرِ دِينِهِمْ فِي السِّرِّ.

يَقُولُ الْمَلِكُ الصَّلِيبِيُّ فِيلِيبُ الثَّالِثُ فِي مَجْمَعٍ لِلْقَسَاوِسَةِ وَالرُّهْبَانِ وَرِجَالِ دَوْلَتِهِ: "إِنَّكُمْ عَلَى عِلْمٍ بِمُحَاوَلَاتِي مُدَّةَ سِنِينَ طَوِيلَةٍ لِتَنْصِيرِ مُورِيسْكِيِّي هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ بَلَنْسِيَةَ وَكَذَلِكَ قَشْتَالَةُ... وَبِإِصْدَارِي أَوَامِرَ الْعَفْوِ مِنَّةً مِنِّي عَلَيْهِمْ... وَالنَّتَائِجُ الْمُحَصَّلُ عَلَيْهَا هَزِيلَةٌ؛ إِذْ مِنَ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَصَّرْ أَحَدٌ، بَلْ عَلَى الْعَكْسِ لَمْ يَزِدْهُمْ إِلَّا إِصْرَارًا". ثُمَّ أَمَرَ بِتَهْجِيرِهِمْ عَنْ دِيَارِهِمْ بِالْقُوَّةِ.

لَقَدْ كَانَ الْمُضْطَهَدُونَ فِي الْأَنْدَلُسِ يَعْتَنُونَ بِتَرَائِي الْأَهِلَّةِ لِأَجْلِ صِيَامِ رَمَضَانَ، وَمَعْرِفَةِ الْأَعْيَادِ، وَصِيَامِ عَرَفَةَ، وَالتَّنَسُّكِ بِالْأُضْحِيَّةِ، وَكَانُوا يَتَنَاقَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَضْلَ الْأُضْحِيَّةِ، وَفَضْلَ صِيَامِ عَرَفَةَ، وَيُوَرِّثُونَ الْعِلْمَ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُمْ، حَتَّى حَافَظُوا عَلَى شَعَائِرِ دِينِهِمْ، رَغْمَ أَنَّهُمْ تَحْتَ سَطْوَةِ الْقَهْرِ وَالْخَوْفِ وَالْعَذَابِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَرِّخُونَ لِتِلْكَ الْحِقْبَةِ أَنَّ الْحَجَّ كَانَ أَصْعَبَ الْفُرُوضِ عَلَى الْمُورِيسْكِيِّينَ، وَرَغْمَ أَنَّ وُجُوبَ الْحَجِّ مَشْرُوطٌ بِالِاسْتِطَاعَةِ فَإِنَّهُ وُجِدَ فِي أَشْعَارِ الْمُورِيسْكِيِّينَ وَكِتَابَاتِهِمْ شِعْرٌ وَنَثْرٌ يَحْكِي عَنْ رِحْلَاتِ حَجِّهِمْ خُفْيَةً؛ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَعْرِفَتِهِمْ بِالْحَجِّ وَعَدَمِ خَفَائِهِ عَلَيْهِمْ، رَغْمَ عَمَلِيَّةِ التَّجْهِيلِ الْمُمَنْهَجِ، وَالتَّنْصِيرِ بِالْقُوَّةِ.

وَكَانَ مِنَ الْعَسِيرِ جِدًّا الِانْتِقَالُ مِنَ الْأَنْدَلُسِ إِلَى الْحِجَازِ لِزِيَارَةِ الْبِقَاعِ الْمُقَدَّسَةِ، خَاصَّةً وَأَنَّ الْمُرَاقَبَةَ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَى تَحَرُّكَاتِ الْمُورِيسْكِيِّينَ، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَقَدَ ثَرْوَتَهُ بَعْدَ مُصَادَرَةِ الصَّلِيبِيِّينَ لَهَا، وَرَغْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ بَعْضَ الْمُورِيسْكِيِّينَ قَدْ أَدَّوْا فَرِيضَةَ الْحَجِّ، وَأَحَدُهُمْ كَتَبَ قَصِيدَةً طَوِيلَةً فِي حَجَّتِهِ الَّتِي حَجَّهَا، يُعْلِنُ فِيهَا ابْتِهَاجَهُ بِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَمِمَّا حُفِظَ مِنْ مَعَانِي قَصِيدَتِهِ قَوْلُهُ: "لَقَدْ سَافَرْتُ بِفَرَحٍ بَعِيدًا عَنْ أَهْلِي لِلِانْتِقَالِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ لِإِكْمَالِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ، وَهِيَ تَغْسِلُ كُلَّ آثَامِ مَنْ يَقُومُ بِهَذِهِ الرِّحْلَةِ".

لَقَدْ كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ فَرْحَتِهِ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ رَغْمَ الْمَشَقَّةِ وَالْخَوْفِ وَبُعْدِ الشُّقَّةِ، وَلَكِنْ يَهُونُ كُلُّ شَيْءٍ فِي أَدَاءِ فَرَائِضِ اللَّهِ -تَعَالَى-. وَأَرَادَ بِمَا كَتَبَ أَنْ يُظْهِرَ لِقَوْمِهِ مَنَافِعَ رِحْلَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ الْقَادِرُونَ، وَلِتَظَلَّ فَرِيضَةُ الْحَجِّ مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ.

وَكَانَ الْمُورِيسْكِيُّونَ يَعْلَمُونَ فَضْلَ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، فَكَانُوا يَتَحَرَّوْنَهُ وَيَصُومُونَهُ بِاسْتِخْفَاءٍ، وَكَانُوا يَحْتَفِلُونَ بِعِيدِ الْأَضْحَى، وَيُضَحُّونَ اسْتِخْفَاءً.

فَرَحِمَهُمُ اللَّهُ -تَعَالَى- رَحْمَةً وَاسِعَةً، حَافَظُوا عَلَى دِينِهِمْ، وَأَقَامُوا شَعَائِرَهُ رَغْمَ الْعَذَابِ وَالْأَذَى، وَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يُعْظِمَ أُجُورَهُمْ، وَأَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى دِينِنَا إِلَى أَنْ نَلْقَاهُ، وَأَنْ يَكْشِفَ الْغُمَّةَ عَنِ الْأُمَّةِ، وَأَنْ يَرْفَعَ الْبَلَاءَ عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ...

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَعَظِّمُوا حُرُمَاتِهِ وَشَعَائِرَهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَظِيمَةِ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الْحَجِّ: 32]. وَاذْكُرُوهُ كَثِيرًا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ -تَعَالَى-.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لِنَحْمَدِ اللَّهَ -تَعَالَى- عَلَى هَذَا الدِّينِ الَّذِي جَمَعَ قُلُوبَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى شَعَائِرِهِ، وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي الْحَجِّ الَّذِي يَفِدُ إِلَيْهِ الْحُجَّاجُ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَقْطَارِ بِلِبَاسٍ وَاحِدٍ، وَشِعَارٍ وَاحِدٍ، وَمَنَاسِكَ وَاحِدَةٍ.

وَلْنَحْمَدِ اللَّهَ -تَعَالَى- وَنَحْنُ نَرَى أَفْوَاجَ الْحَجِيجِ تَمْلَأُ الْبِقَاعَ الْمُقَدَّسَةَ، وَقَدْ كَانَتْ وَقْتَ أَذَانِ الْخَلِيلِ بِالْحَجِّ خَالِيَةً مُقْفِرَةً.

وَلْنَحْمَدِ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ حَفِظَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَأَهْلَهُمَا وَزُوَّارَهُمَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ.

وَلْنَحْمَدِ اللَّهَ -تَعَالَى- عَلَى عَافِيَتِنَا مِنَ الْبَلَاءِ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّ إِخْوَانًا لَنَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الدِّيَارِ يَسْتَخْفُونَ بِدِينِهِمْ بِسَبَبِ مَا يُلَاقُونَهُ فِيهِ مِنْ أَذًى وَاضْطِهَادٍ، كَمَا كَانَ الْأَنْدَلُسِيُّونَ يَسْتَخْفُونَ بِدِينِهِمْ، نَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- لَهُمْ فَرَجًا عَاجِلًا، وَنَصْرًا مُؤَزَّرًا، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَلْنَحْمَدِ اللَّهَ -تَعَالَى- عَلَى مَا رَزَقَنَا مِنَ الضَّحَايَا، نَذْبَحُهَا لِلَّهِ -تَعَالَى- وَبِاسْمِهِ، فَنُؤْجَرُ عَلَيْهَا عَظِيمَ الْأَجْرِ، وَتَعُودُ إِلَيْنَا فَنَنْتَفِعُ بِلَحْمِهَا (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) [الْحَجِّ: 37].

وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللَّهِ- أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُوجِبُهَا لِمَنْ وَجَدَ ثَمَنَهَا، وَأَنَّ وَقْتَ الذَّبْحِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الَّتِي يَحْرُمُ صَوْمُهَا.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201].

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ...