الملك
كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...
العربية
المؤلف | عبدالله عوض الأسمري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية - |
نحن جميعًا نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا يذكِّرنا بمناسبة هجرة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- التي ابتدأ بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل بالمدينة المنورة، بعد تلك الفترة التي عاشها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ولقي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة -رضوان الله عليهم- أشد أنواع العذاب من قبل المشركين في مكة..
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمدًا كثيرًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وبعد: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
نحن جميعًا نستقبل عامًا هجريًّا جديدًا يذكِّرنا بمناسبة هجرة النبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- التي ابتدأ بها تكوين الأمة الإسلامية في بلد إسلامي مستقل بالمدينة المنورة، بعد تلك الفترة التي عاشها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة، ولقي -عليه الصلاة والسلام- والصحابة -رضوان الله عليهم- أشد أنواع العذاب من قبل المشركين في مكة..
فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقى أنواع السخرية والاستهزاء، ويُتَّهَم بالجنون والكذب والسحر، بل ويُوضَع سلا الجرور علي ظهره -عليه الصلاة والسلام- وهو ساجد عند الكعبة المشرفة، وتأتيه العروض المغرية يعطي المال والنساء والرئاسة على أن يترك هذا الدين إلا أنه كان صامدًا على دينه ويقول: "والله لو وُضعت الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الدين لا أتركه إلا أن أموت دونه" (صححه الألباني).
وكذلك الصحابة لاقوا في العذاب الشيء الكثير، فهذا بلال -رضي الله عنه- يُوضَع الحجر على صدره في الرمضاء في شدة الحرّ، ويقال له: "اكفر بمحمد"؛ فما يتردد -رضي الله عنه- على أن يقول: "أَحَد أَحَدٌ", هذا وقد تم محاصرة الصحابة في شِعْب بمكة ثلاث سنوات، حتى أنهم أكلوا الشجر من الجوع، ومع ذلك لم يُثْنِهم عن دينهم، بل تمسكوا به حتى أذن الله -عز وجل- لرسوله -عليه الصلاة والسلام- بالهجرة إلى المدينة والمنورة.
فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة أن يهاجروا إلى المدينة المنورة، فهاجر الصحابة ولما علم كفار قريش بذلك أرادوا أن يقتلوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، واتفقوا على أن يجمعوا من كل قبيلة شابًّا من الشباب، فيهجموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيته فيضربوه ضربة رجل واحد حتى القتل، ويتفرق دمُه في القبائل لا يُدرى مَن قتَله فتعجز بنو هاشم عن مقاتلة تلك القبائل جميعها كما قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30].
فأخبر الله -عز وجل- نبيه -عليه والصلاة والسلام- بنية قريش السيئة فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- أن ينام على فراشه، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من منزله آخر الليل، ووجد المشركين قد أحاطوا بمنزله يريدون قتله -عليه الصلاة والسلام- لكن الله -عز وجل- ألقى عليهم النعاس، وأعمى أبصارهم، ثم وضع الرسول -عليه والصلاة والسلام- التراب على رؤوسهم، ثم أخذ أبو بكر، واتجهوا إلى جبل ثور عكس اتجاه المدينة؛ حتى يُخْفِي عنهم مكانه، وبقوا ثلاثة أيام في كهف بجبل ثور وكانت أسماء بنت أبو بكر تأتي لهم بالطعام عندما ترعى بالغنم.
وقد رصد الكفار 100 ناقة لمن يجد محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى إن الكفار يأتون إلى جبل ثور، وإلى الكهف الذي هو فيه وصاحبه أبو بكر ولا يجدونهم، فيقول أبو بكر: "يا رسول الله! لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا"، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر! ما بالك باثنين الله ثالثهما" (رواه البخاري).
وقد ذكر الله ذلك بقوله -سبحانه وتعالى-: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [سورة التوبة: 40].
ثم خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه بعد ثلاثة أيام، وتقابلا مع عبدالله بن أريقط الذي كان دليلاً لهم عن طريق بعيد عن أنظار قريش حتى وصلوا إلى المدينة المنورة.
فكانت هذه الهجرة نجاة للمسلمين بدينهم من أهل الطغيان والكفر وتكوين الدولة الإسلامية، ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة قدوة لنا في الصبر على دينهم؛ رغم ما لاقوه من العذاب في مكة، نسأل الله -عز وجل- أن يجمعنا بهم في الجنة؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
لقد بدأ العمل بالتاريخ الهجري من عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه-، واختاروا أن يكون التاريخ يبدأ من هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعلينا مع بداية كل عام أن نحاسب أنفسنا عما فعلنا من أخطاء في العام الماضي، وما ارتكبنا من ذنوب سواء في تفريط في الصلوات أو غيرها، وما أكلنا من حقوق الناس، أو اعتداء على أنفسهم أو أموالهم أو أعراضهم، وأن نتوب إلى الله -عز وجل- وأن نبدأ عامنا بصفحة جديدة نُصَحِّح فيها مسارنا إلى الله -عز وجل- بالندم على ما فات، والعزم على ترك المعاصي والآثام، سواء مع الله أو مع الناس.
وفَّقنا الله -عز وجل- جميعًا في هذا العام 1439هـ، ونسأل الله أن يجعله عام خير وبركة، وتوبة إلى الله، وعمل صالح علينا جميعًا.
ألا وصلوا وسلموا على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا ولوالدينا وجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وأقم الصلاة.