المعطي
كلمة (المعطي) في اللغة اسم فاعل من الإعطاء، الذي ينوّل غيره...
العربية
المؤلف | بندر بن محمد الرباح |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التاريخ وتقويم البلدان - فقه النوازل |
إنّ مما يجب أن نعلمه أننا لن نستطيع إيقاف هذه الهجمة الشرسة على بلاد الشام، والمجازر الوحشية التي يقوم بها النصيرية والرافضة فيها إلا بمشاركات عملية تقوم بها الأمة على جميع مستوياتها، قبل أن يرتكب النصيرية وأعوانهم مزيداً من المجازر في بلاد الشام، بل قبل أن يباد من بقي من إخواننا فيها؛ والله...
الخطبة الأولى:
الحمد لله كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مزيل الشدائد، وكاشف المصائب.
والصلاة والسلام على إمام المرسلين وسيد ولد آدم المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها المسلمون: لن نتحدث في هذه الجمعة عن حجم المأساة التي يعيشها إخواننا في الشام, ولن ننقل لكم صوراً من المجازر والجرائم التي يرتكبها النصيرية والرافضة ضد إخواننا في الشام, مما يعجز الإنسان عن مشاهدته, ويتمزق القلب من مجرد سماعه.
فيا الله! ما هو حال طفل عايشه, وفتاة قد اكتوت بناره, وأب وأم رأوا في أولادهم ما عجزت عقولهم عن إدراكه؟! نسأل الله أن يلطف بهم، وأن يهلك عدوهم.
والله! لو أن أحداً قرأ عن هذا الجرائم والمجازر في كتب التاريخ لعجب! أين الأمة التي فيها العلماء والأمراء والخطباء والمفكرون والأغنياء؟ بل؛ أين كل صاحب دين ونخوة؟ أين رجالها ونساؤها؟ كيف لم يقوموا بنصرة إخوانهم وحماية أعراضهم ورفع الظلم عنهم؟ وفي الصحيح من حديث أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً".
وقد ذكر الذهبي في ترجمة المنصور محمد بن أبي عامر أنه قدم من غزوة فتعرضت له امرأة فقالت: يا منصور، يفرح الناس وأبكي؟ إن ابني أسير في بلاد الروم! فثَنَى عنانه، وأمر الناس بغَزْوِ الجهة التي فيها ابنها هذا، وهو أسير واحد!.
هؤلاء هم الرجال الذين تفخر الأمة بمثلهم!.
وسوف يسجل التاريخ أن أطفال الأمة يُقتَلون، ونساؤها تغتصب، وحرماتها تدنَّس، وأرضها تنهب، ولا زال من أبنائها ورجالها من يخاف من الكلمة!.
إن الذي يشاهد ما يجري لإخواننا في الشام، الأرض المباركة التي جاء الثناء عليها في كتاب الله، ومدَح المقاتلين فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعلم جازماً أن كل من خذلهم أو وقف في وجه من ينصرهم آثمٌ ظالم،كائناً مَن كان! وعند الله تجتمع الخصوم.
إنّ مما يجب أن نعلمه أننا لن نستطيع إيقاف هذه الهجمة الشرسة على بلاد الشام، والمجازر الوحشية التي يقوم بها النصيرية والرافضة فيها إلا بمشاركات عملية تقوم بها الأمة على جميع مستوياتها، قبل أن يرتكب النصيرية وأعوانهم مزيداً من المجازر في بلاد الشام، بل قبل أن يباد من بقي من إخواننا فيها؛ والله المستعان!.
فعامة الناس لهم دور عظيم في نصرة الشام، وقد يظن كثير من الناس أنهم لا يستطيعون عمل شيء؛ لأنهم من عامة الأمة وليس بيدهم شيء؛ لكن حقيقتهم خلاف ذلك، فهم السواد الأعظم في الأمة في جميع بلدانها، وهم من يؤثر على من يصنع القرار فيها، وكثير من الناس اليوم، رجالا ونساء، لهم مواقع يكتبون فيها ويعبرون عن رأيهم ويتحدثون لغيرهم من خلالها.
فهلا جعلوا الدفاع عن أعراض إخوانهم من أعظم أهدافهم، ونصرتهم من أهم مطالبهم؟ لأجله يكاتبون العلماء، ويطالبونهم بنصرتهم، والصدع بالحق الذي يعلمونه، ويذكرونهم بأن الأمة تنتظر رأيهم، وتسمع صوتهم، وتتحرك معهم.
بل لو بادر هؤلاء الملايين في مختلف البلدان بمكاتبة أمرائهم وحكامهم عن طريق مواقعهم وذكروهم بواجب النصرة لإخوانهم وأن الأمة لن تقف كلها متفرجة وهي ترى بلدانها تسقط واحدة تلو الأخرى بيد شيعة الشيطان، وطالبوهم بفتح باب التبرعات، وتوثيق وصولها لأهل الجهاد؛ والله! لو فعل عامة الأمة ذلك لحركوا العلماء والأمراء؛ فهم ملايين، يحسب لهم حسابهم.
ومن دورهم في نصرتهم النصرة المادية؛ فإخوانهم في الشام بأشد الحاجة لما يبذلونه ولو كان شيئا قليلا، فالله يبارك في قليلهم، وفي الحديث: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبِه، من صاعِ بُرِّه، من صاعِ تمرِه (حتى قال) ولو بشِقِّ تمرةٍ".
ومن السبل التي يملكونها في نصرتهم الدعاء لإخوانهم، ولا ينبغي التقليل من أمر الدعاء والظن أنه حيلة العاجز، كلا والله! بل الدعاء من أعظم أسباب النصر؛ لأن النصر الحقيقي إنما يكون ممن بيده الأمر، (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران:126].
ومن تتبع سيرته -عليه الصلاة والسلام- يجد الالتجاء إلى الدعاء أمراً ظاهراً في سيرته -صلى الله عليه وسلم-.
أتهزأُ بالدُّعــاءِ وتزدريــهِ | وما تدري بما صَنَعَ الدُّعاءُ؟ |
سهامُ اللَّيْلِ لا تُخْطِي ولكنْ | لـَهَا أَمَـدٌ ولِلْأَمَــد انْقِضـَـاء |
فماذا لو عج المسلمون بالدعاء لإخوانهم؟ فكم من الفتوحات حصلت وتحصل لهم كان سببها الدعاء! كم من خُطط لأعدائهم أفشل الله أمرها بسبب الدعاء! فإن له أثراً عظيماً في تحقيق النصر للمسلمين.
وقد جاء في أحداث سنة ثلاث وستين وأربعمائة أن ملحمة عظمى وقعت بين المسلمين والنصارى، وكان السلطان ألب أرسلان هو سلطان المسلمين وقائدهم، فخاف لما يرى من كثرة عدد المشركين وعدتهم، فاقترح عليه أحد العلماء الصادقين أن يهاجمهم وقت صلاة الجمعة، وذلك لأن الخطباء وقتها يدعون لهم على المنابر، وكان الأمر، وتم النصر بحمد الله لهم.
فلا ينبغي لأحد أن يغفل عن الدعاء للمسلمين المنكوبين في الشام وفي غيره.
رَد
إعادة تغريد مُعاد تغريدها
حذف
تفضيل مُفضّلة
المزيد
أما الأغنياء وأهل اليسار فإن لهم دوراً عظيماً في نصرة إخوانهم بالشام، فهذا وقتهم، وهنا تجارتهم، فهلا قاموا بتجهيز الجيوش وبذل السلاح للمجاهدين؟ وليس من داعٍ للخوف؛ فإن إخوانهم الآن يذبحون ذبح الشياه من أنجس خلق الله, وتنتهك أعراضهم، وتستباح حرماتهم، ووالله! لو كان مع المجاهدين سلاح يكفي لجعلوا النصيرية والرافضة تحت أقدامهم وأذاقوهم سوء العذاب!.
وها نحن نسمع الرافضة في كل مكان يتبجحون بدعم إخوانهم والجهاد معهم، ولا زال من أغنيائنا من يخاف من دعم الجهاد وأهله!.
هل علم التجار والأغنياء أنهم بذلك ينالون شرف الغزو في سبيل الله وهم في بلادهم وبين أهليهم؟ ففي حديث زيد بن خالد في الصحيحين: "من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا".
ما أعظمه من فخر وما أحسنه من شرف لمن ناله!.
ومن مبادراتهم وضع الجوائز والحوافز لمن قتل رموز النصيرية والرافضة الذين قادوا الجرائم وأمروا بالمجازر ضد أهل الإسلام؛ فهلا سمعنا من أغنيائنا مثل هذه المبادرات كما فعلها عثمان -رضي الله عنه- بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حين جهز جيشاً كاملا؟ متى نسمع منهم التنافس في دعم الجهاد وتسليح المجاهدين الذين يدافعون عن دينهم وأرضهم وأعراضهم؟ فالأمة تنتظر من أغنيائها وتجارها مثل هذه المبادرات، وهم بإذن الله أهل لذلك.
وأما أهل الإعلام والسياسة فلهم طرق تخصهم في نصرة إخوانهم بالشام، منها أن يستثمروا برامجهم ويستفيدوا من مواقعهم فيحركوا مشاعر الأمة من خلال تعليقهم على الأحداث وربطها بأسبابها الحقيقية، وأنها حرب دين وعقيدة.
ومن نُصْرَتِهِم للجهادِ وأهله تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، فإن كثيراً من عامة الأمة يأخذون الأخبار من أهل الإعلام وينتظرون رأي أهل السياسة فيها، فيجب عليهم أن يصدقوا الأمة، فمن يقاتلون دفاعاً عن أعراضهم ودينهم مجاهدون لا إرهابيون أو ثوار.
ومن دورهم أن يستثمروا مواقعهم في فضح مخططات الرافضة في الدول الإسلامية عموماً وفي بلاد الشام خصوصاً، وبيان مكرهم للأمة، وإيصال الصورة الصحيحة إلى أهل القرار في الأمة؛ فهم أقربها إليهم، وأسهل الناس وصولاً إلى قادتها.
فهلا بادروا ببيان هذه الحقائق، وحذروا قادة الأمة من هذه المخططات الرافضية، وشجعوهم على أن يخاطبوا رؤساء الدول حتى يبينوا لهم أن السكوت عن مثل هذه الاعتداءات يؤجج المنطقة كلها ويقود إلى حروب كبيرة قل من يسلم منها؟.
ومن دورهم في نصرة إخوانهم أن يبينوا للحكام أن اليهود والنصارى والرافضة يتبرعون لمقاتليهم أفراداً وجمعيات ولا يرون بذلك حرجاً أمام العالم، ويعدون ذلك مفخرة لهم، فلماذا الخوف من تبرعات المسلمين؟ وما المبرر لمنعها؟.
ومن دورهم في نصرة إخوانهم في الشام أن يشجعوا قادة المسلمين، ويستخرجوا منهم كلمات قوية ومواقف شجاعة تسجلها الأمة لهم ويذكرها التاريخ لهم في صفحاتهم؛ فهلا فعلوا ذلك؟! فإن الأمة تنتظر منهم دوراً عظيماً، ولا زال فيهم -بحمد الله- أهل فضل وخير.
أما أولئك الشرذمة من أهل الإعلام الذين أزعجهم تكاتف الأمة ومناصرة العلماء لإخوانهم في الشام فلم يجدوا إلا القدح بثوابت الدين بوصف المخلوق بصفات الخالق والسخرية من أحاديث سيد المرسلين -عليه الصلاة والسلام- حتى يفرقوا الكلمة ويشغلوا أهل العلم بالرد عليهم عن مناصرة إخوانهم في بلاد الشام ومتابعة أحوالهم والدفاع عنهم فبئس ما صنعوا! وتباً لما فعلوا! نسأل الله أن يكفي الأمة شرهم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن أعظم الناس دوراً في نصرة بلاد الشام هم العلماء وطلبة العلم، فدورهم في الأمة كبير، فهم من يقود الأمة في أزماتها، وهم من يقف معها في شدائدها.
وقد حفظ التاريخ من مواقفهم في الأزمات صوراً مشرقة، وصفحات أنارت التاريخ كله.
يغزو التتار بلاد الشام، وما أشبه الليلة بالبارحة! فيهرب أكثر الناس ويتشتت أمرهم، فيقوم في الناس جبل من جبال العلم وبحرٌ من بحوره، إنه شيخ الإسلام، يقف في الناس يحرضهم على الجهاد ويقوي عزائمهم ويعدهم بالنصر؛ بل ويخرج إلى مصر ويحث سلطانها على دعم الشام ونصرته، ويقول: والله! لو لم يكن الشام تابعاً لكم لوجب عليكم نصرته!.
ثم يقول كلمته العظيمة وهو يحثهم على القتال: والله لتنصرنّ! فيقول الناس له: قُل إن شاء الله! فيقول إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقا! فكان الأمر كما قال -رحمه الله- وتم النصر العظيم لهم بفضل الله ثم بفضل ثباته وتثبيته لهم.
هؤلاء هم العلماء الذين تريدهم الأمة، لا الذين يتصدرونها وقت الرخاء ويخذلونها وقت الشدة.
وإن من مواقف العلماء التي من شأنها إيقاف زحف الروافض على بلاد المسلمين أن يتفق جمع كبير منهم ممن تثق الأمة بهم وتعلم صدقهم على كلمة يسيرة في مبناها، عظيمة في معناها: "إما أن توقف هذا المجازر، أو أن نعلن في الأمة كلها الجهاد في سبيل الله ضد الرافضة".
فإن مجرد التهديد الصادق بإعلان الجهاد يقذف الرعب في قلوبهم؛ بل لو سمع اليهود والدول النصرانية التي تقف خلف الرافضة أن الأمة سوف تعلن الجهاد لسارعوا إلى وقف تلك المجازر خوفاً من كلمة الجهاد في سبيل الله التي جعل الله في قلوبهم رعباً من سماعها.
ومن كان عنده اطلاع على الواقع أدرك أن كثيراً من الحروب المعاصرة التي قامت ضد المسلمين وسعى الغرب الكافر في وقفها علم أنهم ما فعلوا ذلك إلا خوفاً من إعلان الجهاد في بلاد المسلمين. فما أعظم هذه المبادرة! وما أعلى شأنها!.
إن من دور العلماء في نصرة إخوانهم في الشام حث الأمة على دفع الزكاة والصدقات للمجاهدين، وبيان فضل جهاد المال، ورد الشُّبهات التي تثار ضد الجهاد في الشام وأهله.
ومما ينتظره الناس من العلماء أن يبينوا لهم الجهات الموثوقة في جمع الأموال داخل بلدانهم وخارجها؛ لأن الأمة تثق بهم وتسمع لهم.
ومن دور العلماء أن يخاطبوا حكامهم ويحثوهم على نصرة بلاد الشام، وأن ذلك واجب عليهم، وعليهم أن يذكروا لهم مواقف مشرقة من تاريخ حكام المسلمين في الوقوف ضد أعداء الملة، وكيف أن الله أتم لهم النصر وأحبتهم الأمة كلها ولا زالت تتغنى بأمجادهم.
كم كان لكلمات العلماء الصادقين من أثر في تحريك قادة الأمة في نصرة المسلمين! فهذا منصور بن عمار حين سبى الروم نساء مسلمات قيل له: لو اتخذت مجلسا بالقرب من أمير المؤمنين هارون الرشيد فحرضت الناس على الغزو! ففعل، وتحمس الناس، فأمر هارون الرشيد بالغزو، وتم لهم النصر.
ثم اعلموا -رحمكم الله- أن التاريخ سيسجل في مفاخر الأمة ما قام به جمع من أهل العلم والفضل من مبادرات لنصرة الشام، ولن ينساها لهم، وسوف يسجل مواقف مخزية لبعض المنتسبين للعلم في خذلان الأمة في أزماتها، فالتاريخ لا يعرف العلماء بوظائفهم، ولا يجاملهم لأجل مناصبهم.
فهذا ابن تيمية -قدس الله روحه- لم يكن له وظيفة، ويدخل السجن ومن خصومه قضاة وأهل مناصب، لكن التاريخ حفظ له لقب شيخ ا?سلام، وأعلى ذكره؛ أما هم فقد نسي اسمهم، وأهمل ذكرهم.
اللهم انصر إخواننا في بلاد الشام! اللهم وارحم ضعفهم، وقوّ عزائمهم، وانصرهم على من بغى عليهم.
اللهم احفظ عليهم دينهم وعرضهم ودماءهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام النصيرية وأعوانهم.
اللهم أرنا في النصيرية ومن عاونهم يوماً أسود، اللهم واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة وآية للمعتبرين، بقوتك يا عزيز يا متين...