الباسط
كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن داود الفايز |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - أركان الإيمان |
إذا أحب الله عبدًا -يا عباد الله- أجاب دعاه، وإذا سألني أعطيته. وإذا أحب الله عبدًا فإنه يكشف عنه الهموم والغموم والأحزان، ويدافع عنه. إذا أحب اللهُ عبدًا ثبته عند الموت، وأحسن له الختام، ونطق بشهادة التوحيد: لا إله إلا الله. إذا أحب اللهُ عبدًا...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على طريقته ونهجه، وعنا معهم بمنك وعفوك وكرمك.
أما بعدُ:
فيا عباد الله: اعلموا -رحمكم الله- أن السعادةَ والفلاح عندما يدرك المسلم محبة الله إذا أحب الله عبدًا سعد في الدنيا والآخرة، إذا أحب الله عبدًا طرح له المحبة والقبول، فأحبه المؤمنون، ولهجوا له في الدعاء، إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل: "يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهلُ السماءِ" ثم يُطرح له القبول.
إذا أحب الله عبدًا -يا عباد الله- أجاب دعاه، وإذا سألني أعطيته.
وإذا أحب الله عبدًا -يا عباد الله- فإنه يكشف عنه الهموم والغموم والأحزان، ويدافع عنه: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة: 38].
إذا أحب اللهُ عبدًا ثبته عند الموت، وأحسن له الختام، ونطق بشهادة التوحيد: لا إله إلا الله.
إذا أحب اللهُ عبدًا أمنه من عذاب القبر، وأمنه من يوم الفزع الأكبر.
إذا أحب اللهُ عبدًا -يا عباد الله- أظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
إذا أحب اللهُ عبدًا -يا عباد الله- يمن كتابه، ويسر حسابه.
إذا أحب اللهُ عبدًا -يا عباد الله- أدخله الجنان مع سيد الأنام -عليه الصلاة والسلام-.
إذا أحب اللهُ عبدًا حرم جسده على النار -يا عباد الله-، فإذا أحب الله عبدًا نال السعادة والرفعة في الدنيا والآخرة.
فكيف تُنال محبة الله -يا عباد الله-؟
إن هناك أسبابًا جعلها ربنا -جل وعلا- يدرك بها المسلم محبة خالقه -جل وعلا-، أول ذلك -يا عباد الله-: أن نتبع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [آل عمران: 31]، فمن أحب الله -جل وعلا- فهناك علامة ظاهرة وهو أن يتبع سيد الأولين والآخرين -عليه الصلاة والسلام-.
نعم يفعل كما فعل النبي -صلوات ربي وسلامه عليه-، يجاهد نفسه بذلك.
ومن أيضًا أسباب محبة الله -يا عباد الله-: أنْ يفعلَ المسلمُ النوافلَ بعد الفرائض، قال الله -جل وعلا-؛ كما جاء في الحديث القدسي في صحيح البخاري: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددتُ بشيء أنا فاعله ترددي بقبض نفس عبدي يكره الموت وأنا أكره إساءته".
فتقرب -يا عبد الله- بالسنن وأكثر من ذلك، فكلما تقربتَ إلى الله -جل وعلا- بسنة من السنن أحبك الله، حافظ على صلاة الضحى، حافظ على السنن الرواتب، صلِّ من الليل شيئًا، تصدق، افعل المعروف، وغير ذلك من وجوه البر والإحسان.
ومن أسباب محبة الله -جل وعلا-، من الأسباب التي تجلب محبة الله -جل وعلا-: التقوى، قال الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 4،7].
وجاء في صحيح مسلم: "إن الله يحب التقي الغني الخفي" فالتقوى من أسباب محبة الله.
والتقوى -يا عباد الله- أن نجعل بيننا وبين عذاب الله -جل وعلا- وقاية؛ بفعل طاعته وترك معصيته.
نعم، النفس الأمارة بالسوء والشيطان والهوى قد تتسلط على الإنسان وقد تضعف نفسه فيقدم على معصية الله -جل وعلا-، فيجاهد نفسه على عدم الوقوع في الذنب، وإذا وقع في الذنب فإنه يبادر بالتوبة إلى الله -جل وعلا-.
وهذا -أعني التوبة- من أسباب محبة الله -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة: 222]، وهذا من لطف الله -يا عباد الله-: أن الإنسان إذا وقع بذنب من الذنوب ثم رجعَ إلى خالقه -جل وعلا- فإن الله يحبه: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 135].
فإذا رجع المسلمُ إلى خالقه بعد أن وقع في الذلة وفي الذنب فإن الله يحبه؛ لأن هذه التوبة منشأها الخوف من الجليل -جل وعلا-، منشأها التعظيم والإجلال لله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه يعلم أنه سيرجع إلى خالقه -جل في علاه-، وسيحاسبه عن كل فعلةٍ فعلها، فيتوب إلى الله -جل وعلا-، واللهُ -سبحانه وتعالى- كريم يفرح بتوبة عبده، ويقبل توبته، ويبدل سيئته إلى حسنة، وهذا من لطف الله -جل وعلا-: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) [الفرقان: 70].
ومن أسباب محبة الله -يا عباد الله-: الإحسان.
والإحسان يكون بين العبد وبينه ربه؛ بإخلاص العمل لله -جل وعلا- أن يعبدَ المسلمُ ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه، فاعلم -يا عبد الله- بأنه يراك، ويعلم سرك ونجواك، ولا يخفى عليه شيء من أمرك، سواء كنت في غرفة مظلمة أو في سفرة أو في أي مكان من الأماكن فإن الله -جل في علاه-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
والإحسان يكون إلى عباد الله -جل وعلا- بقضاء حوائجهم، وبتفريج كرباتهم، بل إن الإحسان -يا عباد الله- يكون أيضًا مع الحيوانات، وهذا من أسباب رحمة الله ومغفرته، ألا ترون إلى المرأة البغي التي سقت كلبًا، فشكر الله صنيعها، وغفر الله -جل وعلا- لها على هذا العمل؛ لأنها أحسنت تريد ما عند الله -سبحانه وتعالى-.
واعلموا -يا عباد الله- أن من أسباب محبة الله -جل في علاه-: الصبر، قال الله -جل وعلا-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146] أن تصبر -يا عبد الله- على طاعة الله، وأن تصبر عن معصية الله، تحفظ البصر، تحفظ اللسان: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) [الإسراء: 36] تصبر عن معصية الله، تصبر على أقدار الله المؤلمة.
فإذا حقق المسلم هذه الأمور أحبه اللهُ -جل في علاه-، ومَن أحبه الله -سبحانه وتعالى- فقد نجا وسعد في الدنيا والآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيته فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله حمدَ الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ:
فيا عباد الله: اعلموا أيضًا أن من أسباب محبة الله: أن تحب لله -جل وعلا-، زار رجلٌ رجلًا بمدينة فأرسل الله على مدرجته ملك فقال له: هل لك من حاجة تربها؟ هل تريده بغرض من أغراض الدنيا؟ هل لك عليه من حاجة تربها؟ قال: لا، غير أني أحببته فيه، قال: إني رسول الله، أخبرك أن الله يحبك.
وفي الحديث القدسي يقول الله -جل وعلا-: "أين المتحابون في اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي".
أخي المبارك: كم من شخص تحبه لله -جل وعلا-؟ اسأل نفسك هذا السؤال.
واعلم أن المتحابين في جلال الله على منابر من نور، يغبطهم الأنبياء، نالوا هذه المنزلة العالية الرفعية؛ لأنهم أحبوا لله -جل وعلا-، ترى شخصًا من الأخيار والصالحين لا ترجوه ولا تخافه، إنما أحبتته لذات الله -جل في علاه-، فإن الله -سبحانه وتعالى- يحبك.
فعليك -يا أخي المبارك- أن تكثر ممن تحبهم في الله -جل وعلا-، حتى إذا قصر بك العمل يوم القيامة حُشرت معهم، يقول أنس -رضي الله عنه-: "واللهِ ما فرحنا بعد الإسلام بمثل قولِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المرءُ مع مَن أحب"، فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، وأرجو أن يحشرني الله معهم، وإن لم أعمل بعملهم".
ولكن لو تأملتَ اليوم أنك تجد أن كثيرًا من المحبة من أهل الدنيا من أجل الجاه والمنصب والمال، يحب الشخص لجاهه ومكانته ومنصبه.
فعليك -يا عبد الله- أن تجعلَ المعيار الحبُّ والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، الحب والبغض في الله.
ومن أسباب محبة الله -يا عباد الله-: الطهارة: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة: 108].
والطهارةُ تشمل: الطهارة الحسية والمعنوية، يطهر نفسه من الذنوب والآثام، يطهر قلبه من الكبر والعجب والحقد، وسائر الأمراض، ويطهر نفسه بالغسل والوضوء، فإن الله -سبحانه وتعالى- يحب من اتصف بهذه الصفات.
اللهم إنا نسألك حبك وحب مَن يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، نسألك في هذه الساعة المباركة أن تجعلنا ممن طرحتَ لهم المحبة والقبول.
اللهم يا حي يا قيوم، نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، أن تنزل علينا رحمتك، نسألك رحمةً تسعدنا بها في الدنيا وفي الآخرة، نسألك يا الله رحمةً تغنينا بها عن رحمة مَن سواك يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، كما جمعتنا في بيتٍ من بيوتك، اللهم اجمعنا في أعلى الجنان يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تصلح أحوال المسملين، اللهم أصلح أحوالهم، اللهم أصلح أحوالهم، اللهم اجمع قلوبهم، اللهم وحد صفوفهم، اللهم اجمع كلمتهم على الكتاب والسنة.
يا رب، يا قوي، يا عزيز، يا جبار، يا قهار، مَن أراد أحدًا من المسلمين بسوء اللهم فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره يا رب العالمين، اللهم أدر عليه دائرة السوء يا رب العالمين، مَن أراد عزًّا للإسلام وللمسلمين، اللهم أعزه، اللهم تول أمره، اللهم سدد قوله وفعله، اللهم اجزه عنا وعن الإسلام خير الجزاء يا رب العالمين.
اهدِ شباب المسلمين، نور يا رب قلوبهم بالكتاب والسنة، اجلهم هداةً مهتدين بهذا الدين من المتمسكين، وإليه يا رب من الداعين.
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، واكشف كربهم، اللهم اقض الدين عن المدينين يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، نسألك أن تجعلنا ممن يطول عمره، ويحسن عمله يا حي يا قيوم، ولا تجعلنا يا الله ممن يطول عمره ويسوء عمله.
اللهم أحسن لنا الختام يا رب العالمين، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم أظلنا في ظلك يومَ لا ظل إلا ظلك يا رب العالمين.
اللهم يا حي يا قيوم، احشرنا في زمرة سيد الأولين والآخرين، وأسقنا من يده شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا يا رب العالمين، ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد.