البحث

عبارات مقترحة:

القهار

كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...

كورونا صناعة بشرية، أم قدرة إلهية؟!

العربية

المؤلف معين صالح السلامي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. أهم الأخطار على البشرية في نظر أعدائها .
  2. كورونا بين مشيئة الخالق وأفعال الخلق .
  3. آثار كورونا على أهم مصالح الإنسانية. .

اقتباس

وإذا قلنا إن فيروس كورونا من صنع البشر؛ فإن ذلك لا ينافي أن يكون عقوبة من الله؛ لأن الله قد يجعل العقوبة على أيدي البشر، ومما يدل على ذلك: أن الله عندما أمر عباده المؤمنين.. وبهذا يتضح أنه لا تناقض بين أن تكون هذه الفيروسات صناعة بشرية، وأن تكون قدرة إلهية، وعقوبة ربانية...

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، أما بعد:

عباد الله: حديثُنا في هذه الخطبة سيكون عن حقيقة فيروس كورونا، هل هو صناعة بشرية، أم قدرة إلهية، وعقوبة ربانية؟!.

ذكر أحد علماء الغرب، وهو العالم البريطاني مارتن ريس في كتاب له نشر عام 2003م: أن من أهم الأخطار التي تهدد البشرية فيروسات مميتة معدلة وراثياً وانفلات أجهزة من صنع الإنسان، ثم قال: كل هذا يتم بتدبير من أشرار، أو نتيجة خطأ بشري، غير أن العام 2020 سيكون عام الخطأ البيولوجي الذي يتسبب بمقتل مليون إنسان"!

عباد الله: هذا كلام عالم من علماء الغرب قبل سبعة عشر عاماً، وقد بيَّن أن هذه الفيروسات هي من صنع بشرٍ أشرار، وهو بذلك يميط اللثام ويكشف عن حقيقة ما يسمى بـالحضارة الغربية، وأنها حضارة زائفة، تحمل الحقد على البشرية، وتخطط الخطط الماكرة ضد الانسانية.

ولذلك رجَّح بعض العلماء والمفكرين والباحثين من المسلمين أن هذا الفيروس من صنع أولئك الأشرار الحاقدين. وممن رجَّح ذلك الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي رئيس قسم العقيدة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة - سابقاً، فقد ألَّف كتاباً بعنوان (المسلمون والحضارة الغربية) انتهى من كتابته في إبريل عام 2018م -أي قبل سنتين-، بيَّن فيه حقيقة الحضارة الغربية، وكشف زيفها، وعرَّاها على حقيقتها، ومما قاله في ذلك الكتاب: "ومن الحيل الخبيثة التي يلجأ إليها هؤلاء التجار -أي في الغرب- الضغط على منظمة الصحة العالمية لترويج دواء مُعيِّن يصنعونه، وافتعال أمراض غير موجودة، وربما هوَّلوا منها وأعطوها أكبر من الحقيقة مثل كورونا !! وإنفلونزا الطيور، وأمثال ذلك من الأمراض التي تختفي، ثم تعود لحجمها الطبيعي إذا نفد اللقاح المصنوع، وبيع كله".

عباد الله: هذه هي الحضارة الغربية التي اغتر بها بعض أبناء جلدتنا، وصاروا يشيدون بها وبعلمائها، ولربما فضلوا الغرب الكافر على المسلمين المؤمنين بالله واليوم الآخر!

إنها حضارة زائفة، صنعها من خَبُثَت نفوسُهم، وتنجَّست بالكفر والشرك حياتُهم، وتلطَّخت بالدماء أياديهم ! يعشقون الحياة الدموية، ولا يدينون بدين رب البرية!

وإذا صح أن هذا الفيروس هو من إنتاجهم؛ فهو دليل على حقدهم، واستمرارهم في جرائمهم، التي سُوِّدَت بها صفحات تاريخهم، ويكفي أن أذكركم -إخوة الإيمان- أنهم حصدوا من أرواح البشرية في الحربين العالميتين الأولى والثانية أكثر من مائة مليون إنسان! وعندما دخلوا أمريكا قتلوا أكثر من مائة مليون من سكانها الأصليين!

أما جرائمهم ضد المسلمين في العراق وفلسطين، وأفغانستان والفلبين، وغيرها من بلاد المسلمين، فلا تخفى عليكم معاشر المؤمنين؛ ولنتذكر جرائمهم في البوسنة والهرسك، فقد قتلوا ما يزيد على ثلاثمائة ألف مسلم أغلبهم من النساء والأطفال والمُسِنِّين، واغتصبوا سبعمائة ألف طفلة وامرأة، ولذلك فلا عجب أن يصنعوا مثل هذه الفيروسات القاتلة المميتة!

وبهذا نعرف حقيقة شعاراتهم التي يرفعونها، ويتغنون بها؛ كـ(الإنسانية، والحرية، والديمقراطية، والعدالة، والمساواة، وحقوق الإنسان، وحقوق الحيوان، وحقوق المرأة والطفل) وأنها شعارات كاذبة زائفة.

عباد الله: إذا قلنا إن فيروس كورونا صناعة بشرية؛ فهل معنى ذلك أنه خارج عن القدرة الإلهية؟!

لا يقول ذلك إلا جاهل بالإيمان بالقضاء والقدر؛ لأن كل ما يحدث في هذا الكون من خير أو شر فهو بقضاء الله وقدره، قال الله -تعالى-: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر: 49]، وقال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)[الحديد: 22]، وقال نبينا -صلى الله عليه وسلم- عندما ذَكَرَ أركان الإيمان الستة: "وأن تؤمن بالقدر خيره وشرِّه"؛ فما يفعله الإنسان لا يمكن أن يكون خارجاً عن مشيئة الله وإرادته وخلقه؛ فإذا صح أن فيروس كورونا من صنع البشر؛ فالله هو الذي قدَّره، وهو الذي شاءه، وهو الذي خلقه، قال -تعالى-: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[التكوير: 29]، وقال -تعالى-: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ)[الصافات: 96]؛ فلا يمكن أن يحدث شيء في هذا الكون خارجاً عن إرادة الله ومشيئته وخلقه.

والله -تعالى- حكيم عليم رحيم حكيم في خلقه؛ فلا يقدر شيئاً إلا لحكمة عظيمة. عليم بمصلحة عباده، رحيم بهم؛ فلا يقدر شيئاً إلا وفيه خير لهم، وما يراه الناس شراً فهو شر بالنسبة إلى ماتراه أعينهم، أما في تقدير الخالق -تعالى- فهو خير.

وكم من خير رأيناه في فيروس كورونا !

ألم يُعرِّف الإنسانَ بالله وبعظمته وقوته؟!

ألم يُعرِّف الإنسانَ بضعفه وحقيقة نفسه؟!

ألم يُنكِّس رؤوسَ طغاة الأرض ويُظهر عجزهم؟!

ألم يجعل بعض العصاة والمذنبين من المسلمين يتوبون من ذنوبهم، وينيبون إلى ربهم؟!

أليس في ذلك تحقيق لقول الله -تعالى-: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)[الأنعام: 43],

ألم يجعل القلوب تتجه إلى الله وتوحده، وتتوكل عليه، وتتضرع إليه؟! وصدق الله القائل: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النساء: 19].

عباد الله: وإذا قلنا إن فيروس كورونا من صنع البشر؛ فإن ذلك لا ينافي أن يكون عقوبة من الله؛ لأن الله قد يجعل العقوبة على أيدي البشر. ومما يدل على ذلك: أن الله عندما أمر عباده المؤمنين بالجهاد وقتال الكافرين قال: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ)[التوبة: 14]؛ فجعل تعذيب الكفار وإلحاق الخزي بهم على أيدي المؤمنين، بل قد يعاقب الله الظالمين بعضهم ببعض، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأنعام: 129]؛ قال بعض العلماء -كما ذكر ذلك الإمام الطبري في تفسيره-: "أي نُسلِّط بعض الظالمين على بعض"، ومن ذلك: أن اليهود عندما طغوا وبغوا سلَّط الله عليهم بُختَنَصَّر ملك بابل فقتلهم ودمَّر مدينتهم.

وبهذا يتضح أنه لا تناقض بين أن تكون هذه الفيروسات صناعة بشرية، وأن تكون قدرة إلهية، وعقوبة ربانية.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

عباد الله: من أهم ما يسعى الإنسان لتحقيقه في هذه الحياة ثلاثة أمور؛ الصحة البدنية، والراحة النفسية، وتأمين الجوانب المادية؛ فالإنسان يريد أن يعيش صحيحاً في جسده، معافى في بدنه، مرتاحاً في نفسه، عنده من المال ما يسعد به حياته.

ولو تأملنا في فيروس كورونا لوجدنا أنه استهدف هذه الثلاث؛ أمرضَ الأجساد، وأقلق نفوس العباد، وضرب الاقتصاد.

وأكثر من تضرر به: أعداء الإسلام من أهل الكفر والفساد والعناد، فقد دمّر اقتصادهم، وأقلق نفوسهم، وأمرض أجسادهم، جزاءً وفاقاً بسبب ظلمهم وكبريائهم!

نهبوا ثروات المسلمين ودمَّروا اقتصادَهم؛ فأرسل الله عليهم كورونا ليُدمِّر اقتصادَهم، فالآلاف من شركاتِهم ومؤسساتِهم تغلق أبوابَها وتعلن إفلاسَها.

حاصروا المسلمين في بلدانهم،  وسجنوا الصالحين منهم، فأصبحت اليوم شعوبهم محاصرةً مسجونة، بل أصبح بعض زعمائهم معزولاً عن الناس وحبيساً في بيته أو محجره الصحي.

حاربوا المسلمين نفسياً بمحاربة دينهم، فجاء كورونا ليجعلهم يعيشون حالةً نفسيةً عصيبة، أوصلت بعضَهم إلى الانتحار والجزاء من جنس العمل، وكما تَدينُ تُدان، ولا يظلم ربك أحداً.

أما المسلمون: فمن أُصيبَ منهم بهذا الفيروس فصبر؛ فهو مأجور، ومن مات به فهو شهيد، كما قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "الطاعون شهادة لأمتي ورحمة"(صححه الألباني).

وأما اقتصادهم؛ فهو مُدمَّرٌ أصلاً، منهوبٌ من قبل أعداء الإسلام، فما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ.

وأما الجانب النفسي؛ فلا مقارنة بينهم وبين أعدائهم؛ لأن جذوة الإيمان التي في قلوبهم تجعلهم يُسلِّمون بقضاء الله وقدره، ويُفوِّضون الأمر إليه، فيُكَلِّلُ اللهُ توكُّلَهم عليه، وصبرَهم على قضائه وقدره، برضاً في نفوسهم، وطمأنينة في قلوبهم، أما الكفار فهم لا يؤمنون بالله ولا بقضائه وقدره، ولذلك فلا عجب أن يكون هذا الوباء وبالاً عليهم؛ يقلقهم، ويقض مضاجعهم، وصدق الله القائل: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا)[طه: 124].

عباد الله: توبوا إلى ربكم، واتبعوا نبيكم، وتمسكوا بدينكم، ففي ذلك فوزكم وفلاحكم.

اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وتجاوز عن سيئاتنا، ولا تؤاخذنا بذنوبنا، وارفع عنا الغلاء والوباء والبلاء، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والحمد لله رب العالمين.