الباطن
هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...
العربية
المؤلف | خالد بن عبدالله الشايع |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - التاريخ وتقويم البلدان |
فهل تألمنا لما يحصل لإخواننا في سائر بقاع الأرض؟ إنه بقدر تألمك تعلم قدر الإيمان في قلبك، فكلما قويت أواصر المحبة في قلبك لإخوانك دلَّ على إيمانك وتقواك، والعكس بالعكس، فلو سأل المسلم نفسه: ماذا قدمنا لإخواننا في بورما وأركان؟ إن كل مسلم منا يستطيع أن يقدم لهم الكثير، ولكن هل بادرنا بذلك، فوالله إننا لمسئولون عنهم وعن نصرتهم..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد فيا أيها الناس! إن لله الحكمةَ البالغة في ابتلاء المسلمين في كل زمان، بدأ بزمن آدم عندما ابتُلِيَ بالأكل من الشجرة والخروج من الجنة والنزول للأرض، ومن بعده من الأنبياء لم يسلموا من البلاء، حتى نبينا -صلى الله عليه وسلم- ابتُلِيَ بمعاداة قومه له، وحصاره في الشِّعْب ثم قتالهم له في أُحُد، فأصيب وشُجَّ وقُتِلَ سبعون من أصحابه.
وهكذا يستمر البلاء بالمسلمين على مر العصور والأزمان، وقد تضمن ذلك البلاء حِكمًا وفوائد عظيمة؛ علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وهذه سُنّة الله في خلقه قال -جل في علاه-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت: 2- 3].
عباد الله: يمر المسلمون في هذا الزمان في سائر أصقاع الأرض بمِحَن عظيمة، فهم يُقتَلُون على الإسلام، وسنتحدث اليوم -بإذن الله- عن محنة إخواننا المسلمين في بورما وأركان؛ حيث المذابح والمحارق التي ينصبها البوذيون لإخواننا المسلمين هناك.
معاشر المسلمين: إن البعض من المسلمين لديه برودة عاطفية تجاه إخوانه، فلا يعرف عن بورما وأركان شيئًا، ولنتعرف سويًا على تلك المنطقة وأهلها؛ يبلغ عدد سكان بورما أكثر من خمسين مليون نسمة, منهم خمسة عشر بالمائة مسلمون؛ حيث يتركز نصفُهم في إقليم أراكان ذي الأغلبية المسلمة.
وقد وصَل الإسلام إلى أراكان في القرن السابع الميلادي, وأصبحت أراكان دولة مسلمة مستقلة, حتى قام باحتلالها الملك البوذي البورمي (بودا باي)، في عام 1784م، وضمَّ الإقليم إلى بورما خوفاً من انتشار الإسلام في المنطقة, وعاثَ في الأرض فساداً فدمَّر كثيراً من الآثار الإسلامية من مساجد ومدارس، وقتل العلماء والدعاة.
ومنذ تلك الحقبة, والمسلمون يتعرَّضون لكافة أنواع التضييق التنكيل والإبادة؛ ففي عام 1942م تعرَّض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قِبَل البوذيين الماغ بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قِبَل البوذيين البورمان والمستعمرين وغيرهم, راح ضحيتها أكثر من مائة ألف مسلم, أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشُرِّدَت مئات الآلاف خارج الوطن، ومن شدة قسوتها وفظاعتها لا يزال الناس -وخاصة كبار السن- يذكرون مآسيها حتى الآن.
كما تعرَّض المسلمون للطرد الجماعي المتكرِّر خارج الوطن بين أعوام 1962م و1991م؛ حيث طُرِدَ قرابة المليون ونصف المليون مسلم إلى بنجلادش في أوضاع قاسية جداً.
ولا يزال مسلمو أراكان يتعرضون في كل حين لكل أنواع الظلم والاضطهاد من القتل والتهجير، والتشريد والتضييق الاقتصادي والثقافي، ومصادرة أراضيهم، بل مصادرة مواطنتهم بزعم مشابهتهم للبنغاليين في الدين واللغة والشكل؛ وذلك لإذلالهم وإبقائهم ضعفاء فقراء، وإجبارهم على الرحيل من ديارهم.
والعجيب في الأمر هو أن أكثر المسلمين الأراكانيين ينحدرون من أصول عربية؛ حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية. ويوجد أيضاً عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلاديشية وهندية.
وقد وصل هؤلاء المسلمون إلى أراكان وجارتها بنغلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام، وهناك استقر الكثير منهم، ونشروا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف.
وقد هاجر نسبة كبيرة من السكان إلى السعودية والإمارات وبنغلاديش والباكستان؛ بسبب القتل الجماعي والاضطهاد الذي واجهوه من قِبَل البوذيين والحكومة المينمارية.
ويواجهون اليوم الكثير من التحديات للعيش في مجتمعاتهم الجديدة. ومن أهم التحديات الحصول على حق التعليم، والعلاج، والعمل البسيط لهم ولأبنائهم، ناهيك عن حق العيش في تلك الدول.
أما عن عدد المسلمين هناك وإن كانت الإحصاءات الرسمية لا تنصف المسلمين في هذا العدد؛ حيث يذكر أن عدد المسلمين -حسب الإحصاءات الرسمية- بين الخمسة والثمانية ملايين نسمة، ويُعَدُّ المسلمون من أفقر الجاليات في ميانمار، وأقلها تعليماً، ومعرفتهم عن الإسلام محدودة..
اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الموحدين، أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن ما يجري لإخواننا المسلمين في كل مكان، سواء في بورما أو غيرها من بلاد الله، هو إصابة في جسد الأمة التي ينبغي لها أن تتألم لمصابها، وتسعى في علاجه كما أخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- عن مثل المؤمنين؛ فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث النعمان بن بشير قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
فهل تألمنا لما يحصل لإخواننا في سائر بقاع الأرض؟ إنه بقدر تألمك تعلم قدر الإيمان في قلبك، فكلما قويت أواصر المحبة في قلبك لإخوانك دلَّ على إيمانك وتقواك، والعكس بالعكس، فلو سأل المسلم نفسه: ماذا قدمنا لإخواننا في بورما وأركان؟ إن كل مسلم منا يستطيع أن يقدم لهم الكثير، ولكن هل بادرنا بذلك، فوالله إننا لمسئولون عنهم وعن نصرتهم.
يقول -جل وعلا-: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72]، الكل يستطيع نصرهم بالدعاء وبالمال عبر الجمعيات الرسمية، وعبر وسائل التواصل، بنشر قضيتهم عالميًّا، وتدويلها، والمطالبة بالتحرك لنجدتهم، لنخبر العالم أجمع بمأساتهم.
فإن لم يتحرك المسلمون فقد يقيِّض الله لهم من ينصرهم من غير المسلمين، فوالله إن حالهم يُرثَى لها، فقد أُغلقت عنهم الحدود من كل بلد، وحُوصِرُوا في بلادهم للقتل والتنكيل بأبشع الصور، انظر إليهم على حدود بنجلادش، وقد أَغلقت دونهم حدودها بمئات الآلاف فرارًا من الموت، في العراء والجوع والبرد، والبعض يهرب عن طريق الأنهار من خلال السفن المتهالكة، ويكون مصيرهم الغرق، والعياذ بالله.
أيها المؤمنون: اجأروا إلى ربكم بالدعاء لإخوانكم فقد عظُم الخطب، وتفاقمت الأمور، ولا نصر إلا من عند الله.
أيها المسلمون هؤلاء هم إخوانكم في بورما وأركان يُبادُون على مرأى ومسمع من العالم أجمع، ولم يتحرك أحد، أين حقوق الإنسان؟! أين مدعو الحرية والعدالة؟! أين من يحمل بين جنبيه الإنسانية فضلاً عن الإسلام؟!
اللهم أعز الإسلام....