الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
العربية
المؤلف | حمزة بن فايع آل فتحي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
كلمة هي أقوى من الصخر، وأكبر من الجبال، تنجي الأتقياء، وتذل الأعداء. هي عز المؤمنين وظهورهم، وغيظ الكافرين وهزيمتهم. كلمة دكدكت حصون الكافرين، وأقامت بنيان المؤمنين، كلمة ما قالها مؤمن إلا عز جانبه، وظهر أمره، وانشرح صدره، فهي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) [الأحزاب: 70].
أيها المسلمون: "لا حول ولا قوة إلا بالله" كلمة العز والنصر والظهور والتمكين، كلمة هي رضا الرحمن وغضب الشيطان، هي جزء من توحيد الله -تعالى- وتعظيمه وإجلاله، كلمة ما أحب أن لي بها حُمْرَ النعَّم، كلمة هي أقوى من الصخر، وأكبر من الجبال، تنجي الأتقياء، وتذل الأعداء. هي عز المؤمنين وظهورهم، وغيظ الكافرين وهزيمتهم.
كلمة دكدكت حصون الكافرين، وأقامت بنيان المؤمنين، كلمة ما قالها مؤمن إلا عز جانيه وظهر أمره، وانشرح صدره، فهي كلمة الإنابة والتسليم والتفويض للحى القيوم.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" إنها أنفس الكنوز، وألذ من البهارج والقصور، إنها من ذخائر الجنة، ونفائس محصلات الدار الطيبة.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" جالبة للخير، ودافعة للشر، مفتاح كل نفع، ومغلاق كل ضر.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" سراج التوفيق والتسديد، وعدة العمل والتحصيل.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" العصمة والنجاة من المعصية، والقدرة والاستعداد للطاعة.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" مائدة المؤمنين، وزاد المتقين، وقرة عيون الموحدين.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" أصدق الله يصدقك، لا يكفي نطقها باللسان، بل ثبتها بالجنان، واشفعها بعمل الأركان.
إن من مقتضيات التعويل والتسليم والتفويض على الله في كل شيء في حالك ورزقك وضرك ونفعك وعملك ووظيفتك.
"لا حول ولا قوة إلا بالله" بيده مقاليد كل شيء، وإليه يرجع الأمر كله.
يا أيها القوي: لا تفخر بقوتك فأنت هزيل كسير.
يا أيها المطيع: لا تغتر بطاعتك، فأنت ضعيف مسكين.
يا أيها المتعلم: لا تتعالَ بعلمك فأنت جاهل مهين، ثبت في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يا عبد الله بن قيس ألا أعلمك كنزاً من كنوز الجنة "لا حول ولا قوة إلا بالله؟"، وعند الحاكم بسند قوي عن أبي هريرة: "إذا قال العبد "لا حول ولا قوة إلا بالله" قال الله: أسلم عبدي واستسلم".
إن كنوز الدنيا وأموالها، وبال عليك إذا لم تقدك إلى نعيم الجنات، وإن لذائذ الدنيا وزخارفها بهارجها، لا تساوى شيئاً عند حلاوة الذكر ولذته وسعادته.
أيها المسلمون: كم هو مؤسف أن نقول هذه الكلمة ونرددها بألسنتنا، ولا نعيها عقولنا، أو تدريها قلوبنا؟
عبد الله: كيف تقول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقد فوضت أمرك لغير الله؟ كيف تقولها وقد وكلت رزقك للدكان والوظيفة؟! كيف تقولها وقد طلبت شفاؤك من الساحر؟ كيف تقولها وقد علقت قلبك ببشر حقير لعلة يفنى ويبيد قبلك، ما نفع نفسه فكيف ينفع غيره؟!
يا أيها الذين آمنوا: أما سمعتم بفضل هذه الكلمة العظيمة، وما صح فيها من فضل عظيم وأجر كريم؟!
إذا كنتم تعدون المليون ريال كنزا في الدنيا ثمين، ف "لا حول ولا قوة إلا بالله" كنز مجيد في دار النعيم، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس".
يا أيها المصلون الذاكرون: إن ثمرات الذكر وأرباحه لا تضاهيها ثمرة ولا ثروة من ثروات الدنيا وكنوزها، فابقوا على ثروتكم، ونموها بصنوف الذكر والأدعية، ومن أعظمها: "لا حول ولا قوة إلا بالله".
كم من ثريّ أنسته ثروته ذكر الله وتلاوة القرآن؟!
تباً لمال ينسيك قراءة القرآن، وسحقاً لتجارة تحرمك من صلاة الفجر؛ ثبت في المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال، يحجون ويعتمرون ويجاهدون، ويتصدقون فقال: "ألا أعلمكم شيئا تدركون به مَنْ سبقكم، وتسبقون به مَنْ بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "تسبحون وتحمدون وتكبرون، خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" قال أبو صالح الراوي عن أبي هريرة لما سئل عن كيفية ذكرهن، قال: يقول "سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، حتى يكون منهن كلُّهن ثلاثا وثلاثين".
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو التواب الرحيم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام: روى الإمام الترمذي في سننه بسند صحيح عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أنبئكم بخير الأعمال، وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم"، قالوا: بلى، قال: "ذكر الله -تعالى-".
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابة الممتع المفيد: "الوابل الصيب من الكلم الطيب": "إن ذكر الله -تعالى- يزيل الهم والغم عن القلب، ويجلب له الفرح والسرور والبسط، وهو يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة.
وقد جعل الله لكل شيء سبباً، وجعل سبب المحبة دوام الذكر، فمن أراد أن ينال محبة الله -عز وجل- فليلهج بذكره، فإنه الدرس والمذاكرة، كما أن باب العلم والذكر باب المحبة، وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم".
وقال رحمه الله: "وذكر الله -تعالى- من أكبر العون على طاعته، فإنه يحببها إلى العبد ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها، ونعيمه وسروره بها، بحيث لا يجد لها من الكلفة والمشقة والثقل ما يجد الغافل، والتجربة شاهد بذلك؟".
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) [الأحزاب: 41 - 43].
اللهم انصر دينك وعبادك المؤمنين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.