المحسن
كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...
العربية
المؤلف | ملتقى الخطباء - الفريق العلمي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
ومن أنفع وسائل تزكية النفس وتهذيبها: تدبر القرآن، وجمع الفكر على معانيه وأحكامه وآدابه وعلومه، فآيات الله القرآنية تُطْلِع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وتبين له طرقهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة في الدنيا والآخرة، وتزكي عقله بالعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا الفانية والآخرة الباقية...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير, والحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه؛ فيجازيهم بعملهم والله بما يعملون بصير, فسبحانه من رب عظيم وإله غفور رحيم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والملك والتدبير, وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله البشير النذير والسراج المنير, أرسله الله بين يدي الساعة فختم به الرسالة وأكمل له الدين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
اتقوا الله -عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، يومَ ينفخ في الصورِ، ويبعث من في القبورِ، ويظهرُ المستورُ، يومَ تُبلىَ السرائر، وتُكشَفُ الضمائرُ ويتميزُ البرُ من الفاجر، واعلموا أن تقوى الله والحرص على رضاه من الأمور التي تقرّب العبد من الجنة وتبعده عن النار، ومن أفضل وسائل تزكية النفس وتكميلها.
أيها الناس: اتقوا الله تعالى بإصلاح البواطن والظواهر، وتقربوا إلى ربكم بطيب المقاصد وحسن السرائر. قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس: 9- 10]، وقال: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى: 14- 15]، فعلق -سبحانه- الفلاح على من زكّى نفسه وطهّر قلبه من كل خلق سافل، وذكر اسم ربه فصلى وتحلى بالفضائل، وجعل الخيبة والخسارة على من دسَّ نفسه فغمسها بالرذائل.
وما جعل -سبحانه- الفلاح لمن زكى نفسه إلا لأنه عظيم، وبحصوله للعبد يتم كل خير عميم. فرحم الله عبدًا اعتز بصلاح قلبه فنقَّاه من مرآة الخلق، وزكاّه بالصدق والإخلاص للحق. نقَّاه من العجب والتعاظم والتكبر على الناس، وحلاه بحلية التواضع التي هي خير لباس. نقَّاه من الغش والغل والحقد، وجمله بإرادة الخير والنصح لكل أحد. نقَّاه من الميل إلى المعاصي، وهو مرض الشهوات، ومن أمراض الشكوك والريب والشبهات، وجمَّله بالعقل الراجح لفعل الخيرات، والإقلاع المصمم الصادق عن المحرمات، وسعى في العلوم النافعة الجالبة لليقين، وتحصيل الأدلة الصحيحة والبراهين.
وإذا لزم العبد هذه الطريق شفاه الله من الأهواء والأدواء، وبذلك يحصل فلاحه ويستقيم على الهدى، ولا يحصل له ذلك إلا بتوفيق وإعانة من المولى، قال تعالى: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور: 21]، وكان -صلى الله عليه وسلم- يتضرع إلى ربه في طلب التقوى وتزكية النفس، من كل رديء فيقول: "اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها" [أخرجه مسلم 2722].
وتزكية النفس -أيها المسلمون- لها ركنان أساسيان لا تكون إلا بهما: الأول: تخليتها وتخليصها عما لا يعنيها، والثاني: تحليتها وشغلها بما يعنيها وبما فيه نجاتها.
أيها المسلمون: إن المرء ينبغي له أن يهتم بما فيه نجاته وخلاصه، وأن يقصر اشتغاله على ما فيه سعادته وفلاحه، وذلك منحصرٌ فما يجلب له مصالح دنياه وآخرته، وفيما يدفع عنه مفاسدهما؛ فحقيق بك -أيها العبد- الجد في تزكية نفسك لتنال الفلاح، وتستعين الله على إصلاح قلبك فإنه الجواد الفتاح، فإن الله لا ينظر إلى الصور والأموال، وإنما ينظر برحمته إلى القلوب الطاهرة وصادق الأعمال.
عباد الله: ولا يصل العبد إلى الجنة ولا ينجو من النار إلا بتزكية نفسه وتهذيبها، ومن أراد تزكية نفسه وتكميلها، فإن عليه أن يخطو في تربية نفسه خطوتين:
الأولى: أن يُلزم نفسه -وإن كانت كارهة- بالقيام بالفرائض والواجبات الشرعية، ويلزمها فوراً بترك كل ما نهى الله ورسوله عنه ويأخذها في الفعل والترك بالقوة والحزم، ثم على التحلي بمكارم الأخلاق، وجميل الآداب.
وهذا هو المنهج النبوي في إصلاح النفس وتزكيتها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ". [أخرجه البخاري 6137].
والخطوة الثانية في تزكية نفسه: أن يبحث عن عبد صالح عالم بالكتاب والسنة، وسيرة سلف الأمة، بصير بعيوب النفس، خبير بأحوالها، ويطلب منه التعاون معه على البر والتقوى، وبذل النصيحة، وإعانته على تربية نفسه، وحملها على طاعة الله، ويتعهد له بالطاعة الكاملة فيما يأمره وينهاه مما ورد في شرع الله ويصبر على ذلك.
أيها الإخوة: إن هلاك الأمم إنما يكون بسبب انتشار المعاصي والسيئات والمنكرات، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف:59]، أي: أهلكناهم بسبب كفرهم وعنادهم، ولذلك قال الله -عز وجل-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا -وفي قراءة أمَّرنا مترفيها- فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء:16]، فإذا تآمر المترفون من أهل الفساد فأشاعوا المنكرات والسيئات بين المسلمين، وسكت الناس عن تغييرها ولم يقوموا بواجبهم في تغيير المنكرات والأمر بالمعروف عمَّهم الله -سبحانه وتعالى- بعقاب من عنده، ثم يدعون فلا يُستجاب لهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].
أيها الإخوة: وجدير بالأمة في سبيل تزكية نفوس أبنائها وتزكيتهم أن تلزم خطوات مهمة؛ منها: اختيار أهل الإيمان والتقوى من العلماء والدعاة والخطباء والوعاظ، ليتم تعليم وتوجيه الأمة وتربيتها بواسطتهم كما قال -سبحانه-: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
ومنها: أن يتم توجيه وتعليم وتربية الأمة من مصدرين كاملين لا ثالث لهما، وهما كتاب الله وسنة رسوله، ويُطرح ما سواهما من كتب البدع والأباطيل، لتنشأ الأمة على معرفة الحق والعمل به وترك ما سواه كما قال -سبحانه-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة: 3].
ومنها: أن يحرص المسلمون على التخلص من الهوى والشبهات والشهوات، فإذا صُفَّي المسلم ونُظِّف من الأهواء والشبهات سهل عليه معرفة ربه ومعبوده وخالقه ورازقه، وعندها يستقبل الأحكام والأوامر الشرعية عن حب ومعرفة وإيمان، وتلذذ بأدائها، وسُرَّ بفعلها: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، نسأل الله الهداية والتوفيق.
عباد الله: ديننا هو ملاذنا، وسفينة نجاتنا التي يجب المحافظة عليها؛ لئلا تغرق في بحار الجاهلية، والدين مسئولية الأمة جميعاً، وانتشار المعاصي تؤثر على سلامة سفينة الدين وتضعف الأمة، فترك الصلاة خرق في السفينة، وترك الزكاة خرق في السفينة، وترك الدعوة إلى الله خرق في السفينة، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خرق في السفينة، وترك النصيحة خرق في السفينة، ومخالفة أوامر الله ورسوله خرق في السفينة. فاحذر -يا عبد الله- أن تخرق السفينة، أو تسكت عمن يخرق السفينة، فإن من فعل ذلك سينال خزيًا في الدنيا، وعذابًا شديدًا في الآخرة. نسأل الله السلامة والعافية.
عباد الله: والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة بيد الله وحده لا شريك له، والله عنده خزائن كل شيء، ويفعل ما يشاء بقدرته، ولا يحتاج إلى أحد، وهو -سبحانه- الذي جعل الفوز والفلاح لكل إنسان بامتثال أوامر الله على طريقة النبي -صلى الله عليه وسلم-.
فكل من يطيع الله ورسوله ويفعل الأوامر ويجتنب المحرمات، واستقام على ذلك حتى يلقى ربه، فهذا قد فاز بالجنة ونجا من النار كما قال -سبحانه-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء: 13]. وفي المقابل فإن كل من كفر بالله وعصى الله ورسوله أدخله الله النار كما قال -سبحانه-: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 14]، فالله -سبحانه- رتَّب دخول الجنة على طاعته وطاعة رسوله، ورتب دخول النار على معصيته ومعصية رسوله.
أيها الفضلاء: ومن أنفع وسائل تزكية النفس وتهذيبها: تدبر القرآن، وجمع الفكر على معانيه وأحكامه وآدابه وعلومه، فآيات الله القرآنية تُطْلِع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما، وتبين له طرقهما وثمراتهما ومآل أهلهما، وتضع في يده مفاتيح كنوز السعادة في الدنيا والآخرة، وتزكي عقله بالعلوم النافعة، وتثبت قواعد الإيمان في قلبه، وتريه صورة الدنيا الفانية والآخرة الباقية، وتريه صورة الجنة والنار، وتحضره بين الأمم وتريه أيام الله فيهم، وتعرفه بذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله وعدله وإحسانه، وتبين له ما يحبه الله ويرضاه، وما يكرهه ويسخطه من الأقوال والأعمال.
وتدبر القرآن يُعرِّف العبد بالطريق الموصل إلى ربه، وما له بعد القدوم عليه من الكرامة. ويعرفه كذلك بالشيطان وما يدعو إليه، والطريق الموصلة إليه، وما لمن أطاعه من الإهانة والعذاب يوم القيامة. فما أحسن تدبر القرآن، والاتعاظ بمواعظه، والتأدب بآدابه، والعمل بسننه وأحكامه، والتفكر في معاني آياته، (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29].
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرح صدور المؤمنين، فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، فلم يجدوا حرجًا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- والزموا أوامر ربكم، وتعلموا أحكام دينكم، وما ينجيكم من عذاب ربكم، تدخلوا جنة ربكم، وتنالوا عنده الدرجات العالية.
أيها الإخوة: ومن وسائل تربية النفس وتذكيتها: دراسة سُنة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنها المكملة للقرآن والموضحة له، وهي أحد الوحيين، وهي التي فصّلت لنا كتاب الله، وما جاء -صلى الله عليه وسلم- بشيء منها من عنده، وإنما هو من عند الله: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:4].
ومن وسائل تزكية النفوس وتهذيبها: الحرص على الرفقة الصالحة والزملاء الصالحين، الذين يعينونك على طاعة الله، ويذكرونك إذا غفلت، فهؤلاء من أسباب علاج نفسك وتزكيتها.
أيّها المسلِمون: ومن وسائل تزكية النفوس وتهذيبها: سلامة الصدر للمسلمين وعدم الحقد عليهم، وأن ينشغل العبد بنفسه عن غيره، فإنَّ القلوبَ السليمةَ والنفوسَ الزكيّة هي التي امتلأت بالتقوَى والإيمان، ففاضَت بالخير والإحسَان، وانطبع صاحِبها بكلِّ خلُق جميلٍ، وانطوَت سريرته على الصفاء والنقاءِ وحبِّ الخيرِ للآخرين، فهو من نفسِه في راحةٍ، والناس منه في سَلامة.
أمّا صاحب القلبِ الخبيث والخلُق الذميم فالنّاس منه في بلاء، وهو من نفسه في عَناء. وإنَّ المسلم لا يحمل في قلبِه على إخوانه سوءًا ولا ضغينة، ولا تطيبُ السيرةُ إلا بصفاءِ السريرةِ، وأصحابُ الأخلاق الحميدةِ هم أقرب الناس مجلسًا من رسول الله ، وأخلاقهم الصادقة وصفاءُ قلوبهم توصِلهم إلى مراتب عليا من الجنّة، لم يكونوا ليبلغوها بِنَوافل العباداتِ الأخرى.
عباد الله: ومن وسائل تزكية النفس وتهذيبها: الاستقامة على منهج الله -سبحانه-، والاستقامة كلمة جامعة لشرائع الدين من قيام بين يدي الله والصدق معه والوفاء بعهده، والاستقامة أمرها عظيم، وقد أمر بها الأنبياء والرسل، وهي شاقة على النفس، فتحتاج إلى المراقبة والملاحظة والتسديد والمقاربة، ومدار تحقيق الاستقامة على حفظ القلب واللسان، فمن صلح قلبه صلح حاله، وهي أعلى مقامات الدين.
أيها الإخوة: إن الإيمان والتوحيد والعبادة حق الله على العباد، فينبغي أن نتذكر هذا الحق دائمًا، لنقوم بهذه العبادات لله رب العالمين كما تؤديها جميع الكائنات والمخلوقات لله وحده لا شريك له كما قال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) [الحج: 18]، جعلنا الله وإياكم من المستقيمين على شرعه، ومن الذين زكت أنفسهم وصفت على شرع الله -سبحانه-.
أيها الإخوة: عودوا إلى ربكم، واعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واستقيموا على شرعه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا.
اللهم نجنا من النار ومن حرها، وجنبنا سوء أحوال أهلها، واجعلنا من الناجين يوم القيامة.
اللهم املأ قلوبنا ثقة بك، وتوكلاً عليك، ومحبة لك، اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، ولسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا.