المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحياة الآخرة |
اتقوا النار؛ فإنها دار البوار والبؤس، ودار الشقاء والعذاب الشديد، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر. ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم، قال الله -تعالى- لإبليس: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)[ص: 84- 85]. دار فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم. ولئن سألتم عن مكانها؛ فإنها...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مستحق الحمد وأهله، المجازي خلقه جزاء دائرا بين عدله وفضله.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وحكمه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وتابعي هديه، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-: (وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ)[آل عمران:131].
(وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آل عمران:132].
اتقوا ذلك؛ بامتثال أوامر الله، واجتناب نواهيه، فإنه لا نجاة لكم من النار إلا بهذا.
اتقوا النار؛ فإنها دار البوار والبؤس، ودار الشقاء والعذاب الشديد، دار من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
ساكنوها شرار خلق الله من الشياطين وأتباعهم، قال الله -تعالى- لإبليس: (فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)[ص: 84- 85].
دار فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، وغيرهم من طغاة الخلق وفجارهم.
ولئن سألتم عن مكانها؛ فإنها أسفل السافلين، وأبعد ما يكون عن رب العالمين.
طعام أهلها؛ الزقوم، وهو شجر خبيث مر المطعم، كريه المنظر: (لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ)[الغاشية:7].
وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ)[آل عمران:102] فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم"(الترمذي (2585) وقال: "حسن صحيح" ابن ماجة (4325) أحمد (1/338)).
هذا طعامهم إذا جاعوا، فإذا أكلوا منها التهبت أكبادهم عطشا: (وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ)[الكهف: 29].
وهو الرصاص المذاب، يشوي وجوههم حتى تتساقط لحومها، فإذا شربوه على كره وضرورة؛ قطع أمعاءهم، ومزق جلودهم.
هذا شرابهم، كالمهل في حرارته، وكالصديد في نتنه وخبثه، يضطر شاربه إلى شربه اضطرارا: (يَتَجَرَّعُهُ وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَآئِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ)[إبراهيم:17].
أما لباسهم؛ فلباس الشر والعار: (قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ)[الحـج: 19].
(سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ)[إبراهيم:50].
فلا يقيهم هذا اللباس حر جهنم، وإنما يزيدها اشتعالا وحرارة، ولا يستطيعون أن يقوا به وهج النار وحرها عن وجوههم: (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[الحج: 19 - 22].
عباد الله: اتقوا النار؛ فإن حرها شديد، قد فضلت على نار الدنيا كلها بتسع وستين جزءا، يصلاها المجرمون، فتنضج جلودهم، قال الله -تعالى-: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا)[النساء:56].
يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ)[السجدة:20].
عذابهم فيها دائم: (لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) [الزخرف:75].
يتكرر عليهم فلا يستريحون، ويسألون الخلاص منه ولو ساعة فلا يجابون، يقولون: (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ)[غافر:49].
فتقول الملائكة لهم: (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)[غافر:50].
فلن يستجاب لهم؛ لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله -تعالى-، فكان الجزاء من جنس العمل: (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ)[المؤمنون: 106- 107].
فيقول الله لهم على وجه الإهانة والإذلال: (اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ)[المؤمنون:108].
فحينئذ ييئسون من كل خير، ويعلمون أنهم فيها خالدون، فيزدادون بؤسا إلى بؤسهم، وحسرة إلى حسرتهم: (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ)[البقرة:167].
(خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[الأحزاب: 65 - 66].
عباد الله: اتقوا النار؛ فإن قعرها بعيد، وأخذها شديد، قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمعنا وجبة -أي صوت شيء وقع- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفا -أي سنة- فالآن حين انتهى إلى قعرها"(مسلم (2844) أحمد (2/371)).
إذا رأت أهلها: (مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)[الفرقان:12].
تتقطع منه القلوب، فإذا: (أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ)[الملك: 7-8] أي تكاد تتقطع من شدة الغيظ والغضب على أهلها، فهي دار حانقة غاضبة على أهلها، وهم في جوفها، فما ظنك أن تفعل بهم؟
عباد الله: اتقوا النار؛ احذروا أن تكونوا من أهلها، ولقد بين الله لكم صفات أهل النار، وصفات أهل الجنة جملة وتفصيلا: (لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)[النساء: 165].
قال الله -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)[النازعات: 37 – 41].
اللهم إنا نسألك النجاة من النار، والفوز بدار القرار... إلخ...