العربية
المؤلف | أحمد شريف النعسان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن عقد الزواج عندنا عقد شرعي، وليس عقداً مدنياً كما هو الحال في الغرب، عقد الزواج عندنا عقد شرعي مقدَّس، شرعه الله -عز وجل- لنا بنص القرآن الكريم. عقد الزواج عقد شرعي يترتَّب عليه الجزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ فإن...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]، ومن جملة هذه العقود التي يجب علينا أن نفي بها: عقد الزواج.
وكلُّ عقد يترتب عليه واجبات كما يترتب له حقوق، وكل طالب عقد يجب عليه أولاً أن يقدم الواجب الذي عليه، ثم بعد ذلك يطالب بالحق الذي له.
وإن عقد الزواج يطلبه الرجل قبل المرأة، ولذلك يسمى: مريد الزواج، وهو يبحث عن الزوجة خاطباً، والزوجة التي يريدها الزوج تسمى: مخطوبة؛ فالرجل خاطب، والمرأة مخطوبة، والرجل طالب، والمرأة مطلوبة، لذلك وجب على الرجل أن يقوم بالواجب الذي عليه أولاً.
إذاً علينا -أيها الإخوة- عندما نسمع قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة:1]. ونحن نريد عقد الزواج، أن نعلم ما هو الواجب الذي علينا أولاً حتى نفي هذا العقد حقه.
أيها الإخوة: إن عقد الزواج عندنا عقد شرعي، وليس عقداً مدنياً كما هو الحال في الغرب، عقد الزواج عندنا عقد شرعي مقدَّس، شرعه الله -عز وجل- لنا بنص القرآن الكريم بقوله تعالى: (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) [النساء: 3]، وبقوله: (وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) [النور: 32].
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي" [رواه البخاري].
عقد الزواج عقد شرعي يترتَّب عليه الجزاء؛ إن خيراً فخير، وإن شراً فشر؛ فإن وفيت به كما شرع الله لك أُجرتَ، وإن ضيَّعته -لا قدر الله- حملتَ الوزر يوم القيامة.
الزواج عبادة يتقرَّب بها الأزواج إلى الله -تعالى-؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا" [رواه مسلم].
أيها الإخوة: لذلك وجب علينا أن نعلم ماذا يترتَّب على عقد الزواج من واجبات على الرجل، ويجب علينا أن نعلِّم أبناءنا هذا قبل زواجهم إذا كنا حريصين على سلامتهم دنيا وأخرى.
نعم -أيها الإخوة- أكثرنا يعلَّم أولاده ماذا يجب عليه أولاً إذا كان طالباً، أو كان موظفاً، أو كان تاجراً، يعلِّمه الواجب الذي عليه من أجل سمعة طيبة في الدنيا، ومن أجل سلامته.
ولكن أكثر الناس لا يُعلِّمون أبناءهم ماذا يترتب عليهم من خلال عقد الزواج، لذلك رأينا كثرة الخلافات الزوجية التي أدَّت إلى الشقاق، ثم إلى الطلاق، وانظروا مصداقية هذا في المحاكم الشرعية.
أما في الآخرة فالله -تعالى- يبيِّن لنا نتيجة عدم الوفاء بالعهد والعقد، بقوله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيه * وَصَاحِبَتِهِ) [عبس: 34-36]؛ أي زوجته، لماذا يفرُّ من زوجته؟ لأنه ضيَّع حقها الذي هو واجب عليه في الدنيا.
أيها الإخوة: أكثر شبابنا اليوم في حالة نسيان ليوم القيامة، في حالة نسيان ليوم الفصل الذي هو ميقات الجميع؛ كما قال تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلاَ هُمْ يُنصَرُون * إِلاَّ مَن رَّحِمَ اللَّهُ) [الدخان: 40-42].
أيها الإخوة: علِّموا أولادكم ماذا يترتَّب عليهم نحو عقد الزواج، ثم بعد ذلك لِيُقدِموا أو لِيُحجموا؛ لأنه ميثاق غليظ، كما قال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 21].
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أبناءكم أن عقد الزواج يترتب عليه واجبات، وأول هذه الواجبات على الرجل: المهر، الذي قال فيه مولانا -عز وجل-: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) [النساء:4]؛ فالله -تعالى- يأمر الزوج أن يؤتي الزوجة المهرَ، قلَّ أو كثر ما دام مسمَّى في عقد الزواج، قال تعالى: (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [النساء: 25] يعني مهورهن، ومهما كان المهر كبيراً، وذلك لقوله تعالى: (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا) [النساء: 20].
أيها الإخوة: ربُّنا -عز وجل- الذي شرع لنا عقد الزواج، وأمرنا بإعطاء المرأة حقَّها من المهر المتَّفق عليه، خاطبنا بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1] ولكن كيف ينظر شبابنا إلى المهر اليوم؟
نظرة شبابنا اليوم إلى المهر بأنه حِبر على ورق لا قيمة له، وما يشعر أحدهم بأنه دين في ذمته سوف يُسأل عنه دنيا وأخرى، الكثير من شبابنا من يستهين بالمهر، ولا يشعر بمسؤوليته نحو هذا المهر، وخاصة بعد أن انتشر في المجتمع غلاء المهر، وجُلُّه يُسجَّل غير مقبوض.
أكثر الشباب لا يبالون الآن بالمهر مهما كثُر لأنه دَين كلُّه، فإذا ما اختلف مع زوجته وأدى الخلاف إلى طلاق الزوجة فإنه يطلِّق زوجته ولا يدفع لها شيئاً من مهرها، ويرضى بالسجن لمدة أشهر معدودة، ثم يخرج من سجنه بدون مبالاة، وربما كان الآباء والإخوة عوناً له في التهرُّب من مهر الزوجة.
اعلم -أيها الزوج الذي لا يبالي بالمهر- بأن الدنيا دَين ووفاء، والجزاء من جنس العمل، هل ترضى أن تُعامَل ابنتك بهذا الشكل؟ هل ترضى من زوج ابنتك أو زوج أختك أن يأكل صداق ابنتك أو أختك؟
تذكَّر قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" [رواه البخاري ومسلم].
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أبناءكم قبل الزواج بعض الأحكام الإجمالية التي تتعلَّق بمهر الزوجة:
أولاً: يستحبُّ دفع المهر كاملاً للزوجة قبل الدخول، وذلك لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) [الأحزاب: 50] يعني مهورهنَّ؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعطي نساءه مهورهنَّ قبل الدخول، وهذا أكرم لهنَّ من تأخيره، وهو بنفس الوقت تبرئة لذمة الزوج مباشرة.
قد يقول قائل: وما هو الضمان أن تبقى الزوجة في عصمة زوجها بعد أخذ الصداق كاملاً؟
الجواب: الضمان لك هو حسن اختيارك لزوجتك، وذلك من خلال قوله -صلى الله عليه وسلم-: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ" [رواه البخاري ومسلم].
فالمستحبُّ دفع المهر كاملاً عند العقد؛ فلا تؤخر المهر وتجعله ديناً في ذمتك لسنوات طويلة، وأنت ترى بأن القيمة الشرائية للأموال في حالة هبوط مستمرٍّ.
ومن كان مستحضراً الآخرة بين يديه يكون حريصاً على براءة ذمته أمام العباد، وخاصة حتى لا يكون مفلساً يوم القيامة -لا قدر الله- إذا لم تسامحه الزوجة عن طيب نفس منها.
ثانياً: المهر حقٌّ خالص للزوجة تتصرف فيه كيف تشاء:
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أبناءكم بأن مهر الزوجة من مقدَّم ومؤخَّر وملبس وحليٍّ هو حقٌّ خالص للزوجة، وذلك تعظيم لشأنها، وهي حرة في هذا المال تتصرف فيه كيف تشاء في حدود طاعة الله -عز وجل-، والأولى في حقِّها أن تستشير زوجها في التصرف، ولكن إن تصرَّفت فيه من غير استشارة فلا تُلام على تصرُّفها.
هي حرَّة في ذهبها ومالها من مهر أو من ميراث أو من كسب، تهب منه لمن تشاء، وتعطي منه لمن تشاء، وتقرضه لمن تشاء، ولا يجوز للرجل أن يضيِّق عليها.
المهر حقٌّ خالص للزوجة؛ إن شاءت فرشت البيت منه، وإن شاءت امتنعت؛ لأن النفقة أوجبها الله -تعالى- على الزوج، قال تعالى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ) [الطلاق: 7]؛ فلا تُجبَر على نفقة في بيتها ولا على فرشه إلا إذا تطوَّعت من طيب خاطرها.
علِّموا هذا لأولادكم، وحذِّروهم من أن يضيِّقوا على نسائهم إذا تصرفْنَ في أموالهنَّ من غير استشارة لأزواجهنَّ، وعلِّموا أولادكم أن هذا المهر والذهب ليس من حقِّ الرجل؛ لأنه دخل في ملكها.
واحذروا -أيها الآباء- أن تعلِّموا أولادكم خلاف هذا، لأن الكثير من الآباء من يعلِّم أولاده أن هذا المال هو حقُّه وليس حقاً للزوجة.
ثالثاً: لا يجوز التضييق على الزوجة حتى تتنازل عن مهرها
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أولادكم قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ) [النساء: 19].
هناك من يضيِّق على زوجته إذا كرهها حتى تفتدي نفسها منه بترك مهرها وذهبها أو جزء منه، وهذا ليس من شأن صاحب الدين؛ لأن صاحب الدين إذا أحبَّ زوجته أكرمها، وإذا كرهها لم يظلمها؛ فإما أن يصبر عليها، وأما أن يسرِّحها بإحسان، ومن الإحسان أن يدفع لها صداقها كاملاً، بل يزيد في صداقها متعة؛ كما قال تعالى: (وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [البقر: 236]، والمتعة مالٌ فوق المهر الذي لا يجوز للرجل أن يأكله، وذلك لقوله تعالى: (وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا) [النساء: 20-21].
واحذروا -أيها الآباء والأمهات- أن تعلِّموا أولادكم خلاف هذا؛ لأن الكثير ممن يعلِّم ولده أن يضيِّق على زوجته حتى تفتدي نفسها منه بترك مهرها وذهبها أو جزء منه: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيم * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين) [المطففين: 4-6]؟
رابعاً: لها نصف المهر إذا طُلِّقت قبل الدخول:
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أولادكم قول الله -تعالى-: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) [البقرة: 237].
الكثير يجري العقد على فتاة، وقد تطول فترة العقد قبل الدخول، وربما يحصل خلاف فيريد الزوج أن يطلِّقها، ويظن أنه إذا طلَّقها بعد العقد وقبل الدخول أنها لا تستحقُّ شيئاً من المهر.
أيها الإخوة: من أراد أن يطلِّق زوجته قبل الدخول يجب عليه أن يدفع لها نصف المهر قلَّ أو كثُر، وهذا من حقِّها، ولا يجوز أن يأكل شيئاً من حقِّها إلا أن تعفو الزوجة عن شيء منه بطيب نفسٍ منها.
فحقُّ الزوجة قبل الدخول إذا طلَّقها زوجها نصف المهر بنصِّ القرآن العظيم، والكثير من الآباء من يعلِّم ولده خلاف هذا، فما هو قائل لربِّه يوم القيامة؟ وماذا سيقول الزوج يوم القيامة إذا لم يدفع لها نصف المهر إذا طلَّقها بعد سماعه هذه الآية الكريمة؟
خامساً: إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول تستحقُّ المرأة مهرها كاملاً:
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أولادكم بأن المرأة تستحقُّ المهر كاملاً إذا مات أحد الزوجين قبل الدخول، فمن مات عن زوجته قبل الدخول فإن المرأة تستحقُّ مهرها كاملاً بدون نقصان، وتستحقُّ إلى جانب هذا ميراثها من زوجها.
وكذلك إذا ماتت الزوجة قبل الدخول بها فإنها تستحقُّ المهر كاملاً، وطبعاً زوجها يرثها من مهرها ومن سائر مالها إن كان لها مال.
هذا فضلاً عن الدخول بها ثم طلَّقها بعد الدخول، فمن دخل بزوجته ثم طلَّقها وجب عليه أن يدفع لها صداقها كاملاً مهما كانت الأسباب التي دفعته لطلاقها؛ لأن الواجب على الرجل إذا كانت زوجته سيئة الأخلاق وأراد طلاقها وهو لا يريد أن يدفع لها صداقها كاملاً أن يجعل حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ليقضوا في مسألة المهر بسبب سوء أخلاقها.
سادساً: احذر أن تنوي عدم دفع المهر للزوجة:
أيها الإخوة: اعلموا وعلِّموا أبناءكم حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يقول فيه: "أيما رجل تزوج امرأة بما قلَّ من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤدي إليها حقها، خدعها، فمات ولم يؤد إليها حقها، لقي الله يوم القيامة وهو زان" [رواه الطبراني ورواته ثقات].
علِّموا هذا لأبنائكم وخاصة بعد أن صار المهر كلُّه غير مقبوض، فكم وكم من الشباب من يتزوج على مهر غير مقبوض، وهو ينوي أن لا يدفع لها صداقها.
ينسى هذا العبد قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" [رواه مسلم].
فاحذروا -أيها الأزواج- من أن تكون نيَّتكم عدم دفع المهر للزوجة، واعلموا أنه دين في أعناقكم ستسألون عنه يوم القيامة إلا إذا سامحت الزوجة بذلك، فمن تزوَّج امرأة وهو ينوي أن لا يدفع لها صداقها لقي الله -تعالى- يوم يلقاه هو زان -والعياذ بالله تعالى-.
أيها الإخوة: إنه لمن العجيب أن ترى بعض الناس عندما يسمعون مثل هذا التكريم للمرأة في دين الله -عز وجل- ينظر إلى ذلك نظرة سخرية واستهزاء، وقد يقول: ما هذا الكلام؟
ولكنه إذا سمع ممن ينعق خلف الغرب بأنه يجب على الناس اليوم أن ينصفوا المرأة ويعطوها حقَّها صفَّق لهذا الكلام، وربَّما يتهجَّم على الإسلام ويقول بأن الإسلام ظلم المرأة ولم يعطها حقَّها.
أيها الإخوة: الذي كرَّم المرأة هو الإسلام والإسلام فقط، وما عداه فقد ظلم المرأة أي ظلم، عرف هذا من عرف وجهله من جهله، ظلم الغرب للمرأة اليوم ظلم فاضح لا مثيل له وربِّ الكعبة.
وإن المرأة الغربية اليوم تغبط المرأة المسلمة على مكانتها، وتتمنى أن يكون حظُّها كحظِّها، تتمنى أن تكون مخطوبة لا خاطبة، تتمنى أن يكون لها مهر، تتمنى أن ينفق عليها، تتمنى وتتمنى...
أيها الإخوة الكرام: يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل رجل من المسلمين على ثغر من ثغر الإسلام، الله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك" [رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب السنة].
أعطوا المرأة حقَّها بعد عقد الزواج، وأول حقٍّ لها هو المهر، واعلموا أن المهر لها تكريم لها، وهي حرَّة في هذا المهر تتصرَّف فيه كيف تشاء في حدود طاعة الله، واحذروا من أكل أموال الناس بالباطل، والتي من جملتها المهر، وذلك لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29-30].
أقول هذا القول، وكلٌّ منا يستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: أناشدكم بالله أن لا تشتروا جوالات لنسائكم ولا لبناتكم فيها كاميرة تصوير، وشدِّدوا وضيِّقوا على نسائكم في هذا؛ لأن المسألة خطيرة وخطيرة جداً، حيث تقوم بعض النساء بتصوير بعض النساء في حفلات الأعراس، ثم ترسل مقطعاً من هذا التصوير على بعض الجوالات بدون تعيين، والآخر يرسلها لآخر، وهذا قد يؤدي إلى ارتكاب الجرائم.
شدِّدوا على هذا، ومروا نساءكم في حفلات الأعراس أن يمنعن دخول أيِّ امرأة تحمل معها جوالاً فيه كاميرة تصوير لحفل العرس، لأن الطامة كبرى، ولا أريد أن أوضِّح أكثر من هذا.