البحث

عبارات مقترحة:

الرقيب

كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المهيمن

كلمة (المهيمن) في اللغة اسم فاعل، واختلف في الفعل الذي اشتقَّ...

المحسن

كلمة (المحسن) في اللغة اسم فاعل من الإحسان، وهو إما بمعنى إحسان...

البر والتقوى

العربية

المؤلف أسامة بن عبدالله خياط
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. البر والإثم وحقيقتهما .
  2. التقوى والإثم وحقيقتهما .
  3. المعينات على تحقيق البر والتقوى .

اقتباس

كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربى حتى يكون مصدره عن الإيمان؛ فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض وليس العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لا بد أن يكون مبدأه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب؛ ولهذا فالمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا

 

 

 

 

الحمد لله الذي يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أحمده سبحانه وهو البر الرؤوف الرحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، صاحب الخلق العظيم والنهج القويم، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، فإن العبد لا يزال بخير ما اتقى الله وأخذ من دنياه لأخراه، وخالف هواه.

أيها المسلمون: آية من كتاب الله -تعالى- اشتملت على جميع مصالح العباد في معاشهم ومعادهم، وفيما بينهم وبين ربهم؛ فهي جديرة بإدامة النظر في معانيها، وفهم مراميها، وكمال الحرص على العمل بما جاء فيها، إنها قوله -عز اسمه-: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]

فإن كل عبد -كما قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- لا ينفك عن هاتين الحالتين وهذين الواجبين؛ وهما: "واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق".

فأما ما بينه وما بين الخلق، من المعاشرة والمعاونة والصحبة؛ فالواجب عليه فيها أن يكون اجتماعه بهم وصحبته لهم تعاوناً على مرضاة الله وطاعته، التي هي غاية سعادة العبد وفلاحه، ولا سعادة له إلا بها؛ وهي البر والتقوى اللذان هما جماع الدين كله.

فإن حقيقة البر: هو الكمال المطلوب من الشيء، والمنافع التي فيه والخير، كما يدل عليه اشتقاق هذه اللفظة، فالبر كلمة جامعة لجميع أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد.

وفي مقابله الإثم: وهي كلمة جامعة للشرور والعيب التي يذم العبد عليها؛ فيدخل في مسمى البر الإيمان، وأجزاءه الظاهرة والباطنة.

ولا ريب أن التقوى جزء هذا المعنى وأكثر ما يعبر به عن بر القلب، وهو وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته، وما يلزم من ذلك من طمأنينته وسلامته وانشراحه وقوته وفرحه بالإيمان؛ فإن للإيمان لذة وفرحة في القلب، فمن لم يجدها؛ فهو فاقد الإيمان أو ناقصه.

وقد جمع الله خصال البر في قوله -تعالى-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [البقرة:177].

فأخبر سبحانه أن البر هو: الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وهذه هي أصول الإيمان الخمسة التي لا قيام للإيمان إلا بها، وأنه الشرائع الظاهرة من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنفقات الواجبة، وأنه الأعمال القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد؛ فتناولت هذه الخصال جميع أقسام الدين، ثم أخبر سبحانه أنها هي خصال التقوى بعينها.

وأما التقوى فحقيقتها: العمل بطاعة الله إيماناً واحتساباً، أمراً ونهياً يحمل العبد على أن يفعل ما أمر الله به إيماناً بالأمر، وتصديقاً بوعده، ويترك ما نهى الله عنه إيماناً بالنهي، وخوفاً من وعيده، كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعت الفتنة فأطفئوها بالتقوى، قالوا: وما التقوى ؟ قال: أن تعمل بالطاعة على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله"


وهذا من أحسن ما قيل في تعريف التقوى وبيان حقيقتها؛ فإن كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العمل طاعة وقربى حتى يكون مصدره عن الإيمان؛ فيكون الباعث عليه هو الإيمان المحض وليس العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لا بد أن يكون مبدأه محض الإيمان وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب؛ ولهذا فالمقصود من اجتماع الناس وتعاشرهم هو التعاون على البر والتقوى، فيعين كل واحد صاحبه على ذلك علما وعملا.

فإن العبد وحده لا يستقل بعلم ذلك ولا بالقدرة عليه؛ فاقتضت حكمة الرب -سبحانه- أن جعل النوع الإنساني قائما بعضه ببعض معينا بعضه لبعض، ثم قال تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، والإثم والعدوان في جانب النهي نظير البر والتقوى في جانب الأمر.

والإثم: هو ما كان جنسه محرما كالزنا والسرقة ونحوها، والعدوان: ما حرم لزيادة في مقداره، وهو تعد حدود الله التي قال فيها: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة:299]، وقال سبحانه: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) [البقرة:187]؛ فنهى عن تعديها وعن قربانها لأن حدوده -سبحانه- هي النهايات الفاصلة بين الحلال والحرام.

فهذا حكم العبد فيما بينه وبين الناس، وهو أن تكون مخالطته لهم تعاوناً على البر والتقوى علماً وعملاً، وأما حاله فيما بينه وبين الله -تعالى- فهو إيثار طاعته وتجنب معصيته، وهو قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ)، وهو إرشاد إلى ذكر الواجب للعبد بينه وبين الخلق وإلى واجبه بينه وبين الخالق -سبحانه-.

واللبيب من قام بهذين الواجبين أتم قيام ورعى حقهما أتم رعاية لتكمل له أسباب السعادة في الحياة الدنيا ويحظى بالرضوان ونزول رفيع الجنان في الآخرة.

وإن من أظهر المعينات على ذلك -ياعباد الله-: تربية النفس وتعويدها على هذا الخلق؛ لا سيما في مراحل النشأة الأولى داخل الأسرة بأن ينشأ أفرادها على أساس متين من التعاون على الخير فيما بينهم، ويبين لهم ضرورته ولزومه وجميل آثاره وحسن العاقبة فيه، ثم تتسع الدائرة لتعم ذوي القربى والجيران ببذل الحقوق وأداء الواجبات المفروضة من صلة وإحسان وتآزر وتراحم، تمتد حلقاته فتشمل المجتمع المسلم كله الذي وصف واقعه رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "مَثَلُ المؤمِنينَ في توادِّهِمْ وترَاحُمُهِم وتعاطُفُهِم كمثلِ الجسدِ إذا اشْتكَى منهُ عضوٌ تَدَاعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهَرِ والحمَّى" أخرجه الشيخان في صحيحيهما.

فاتقوا الله -عباد الله-، واعملوا على القيام بما أمرتم به من تعاون على البر والتقوى وما نهيتم عنه من تعاون على الإثم والعدوان استجابة لأمر الله الذي فيه نفعكم واستقامة أحوالكم وطيب عيشكم، وقياما بحقوق إخوانكم عليكم بالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضها كما أخبر بذلك رسول الهدى -صلى الله عليه وسلم-.

وليكون لكم -أيضاً- نصيب في الدعوة إلى دينكم، وإلى سبيل ربكم بالإسهام في إظهار الصورة الحقة للآثار العظيمة للتعاون على البر والتقوى في بناء المجتمع المسلم الذي يقدم للعالمين المثل والأنموذج للحياة الطيبة الناشئة في رحاب الإيمان، والمهدية بهدي القرآن، وسنة سيد ولد عدنان -صلى الله عليه وسلم-.

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار؛ فاستمسكوا -عباد الله- بهذا النور، وحذار من الحيدة عن كتاب ربكم وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- تكونوا من المفلحين الفائزين المتعاونين على البر والتقوى.

واذكروا على الدوام أن الله -تعالى- قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين؛ فقال سبحانه في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]

اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الأربعة -أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي- وعن سائر الآل والصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك ياخير من تجاوز وعفا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعداء الدين وسائر الطغاة والمفسدين، وألف بين قلوب المسلمين، ووحد صفوفهم، وأصلح قادتهم، واجمع كلمتهم على الحق يارب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعبادك المؤمنين المجاهدين الصادقين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا وولي أمرنا، وهيء له البطانة الصالحة، ووفقه لما تحب وترضى ياسميع الدعاء، اللهم وفقه ونائبيه وإخوانه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وإلى ما فيه صلاح العباد والبلاد يامن إليه المرجع يوم التناد.

اللهم أصلح عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يارب العالمين، اللهم إنا نسألك أن تكفينا أعداءك وأعداءنا بما شئت يارب العالمين، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم اكتب النجاح والتوفيق لطلاب العلم وطالباته، اللهم اكتب النجاح والتوفيق والتسديد لطلاب العلم وطالباته، وألهمهم الإجابات المسددة الصائبة يارب العالمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.