الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | سعد بن ناصر الشثري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
من المفارقات التي نشهدها هذه الأيام ما تشهدونه هنا في هذا الحي من بناء هذا المسجد تقربا لله -عز وجل- رغبة من بانيه أن ينال أجره لوالده.. وإن من عمارة المساجد؛ أن نصلي فيها جميع الأوقات الخمس نتقرب بذلك إلى الله -عز وجل-، فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ)..
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ تصرف في الكون كيف يشاء أباد امما وخلد ذكرى أخرى رفع أقواما وأعزهم وأذل آخرين، يتصرف في الكون كيف يشاء لا راد لما قضى ولا مانع لما أعطى، أفلح من تعلق قلبه بربه خوفا ورجاء ومحبة وتوكلا عليه -سبحانه وتعالى-.
وأعظم العبودية؛ تعلق القلب بالله إلها ومعبودا، وهو معنى؛ شهادة التوحيد: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له"
نقر بها ونؤمن بها ونجزم بها، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه- أما بعد:
أيها المؤمنون: اتقوا الله -عز وجل- بأن تستشعروا بأن الله يراقبكم ويطلع على أحوالكم وأنكم ستقفون بين يديه عما قريب.
أيها المؤمنون: من المفارقات التي نشهدها هذه الأيام ما تشهدونه هنا في هذا الحي من بناء هذا المسجد تقربا لله -عز وجل- رغبة من بانيه أن ينال أجره لوالده -رحمه الله-؛ إنها صورة عليا من صور البر والإحسان وصورة من صور العبودية لرب العزة والجلال، يقول -جل وعلا-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)؛ فعبودية الله من مظاهرها إقامة مساجد الله (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) [الجن:18].
وبر بالوالدين بعد وفاتهما وبر بالوالد بعد وفاته، وهذا يجسد لنا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، وهذا كله متمثل فيما بين أيديكم
وأما المفارقة الأخرى؛ فما تسمعون عن أنباءه من الفرق الضالة المضلة ترغب الناس في قتل آبائهم وأمهاتهم، وتجعل ذلك مما ترغبه نفوسهم غافلين عن هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أمر القرآن.
أما هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فكان قرابته المشركين وكان قرابته يصدون الناس عنه ومع ذلك لم يفكر إلا في الإحسان إليهم.
وكان -صلى الله عليه وسلم- يسير في الموسم يدعو الناس إلى توحيد الله وترك عبادة الأصنام، ويقول للناس: "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وعمه خلفه يحذر منه ويقول "قومه أعلم به احذروا به لا تستمعوا لكلامه"، ومع ذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحسن إليه، واسمع إلى قول الله -عز وجل- (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) [لقمان:15].
حادثة تدمي القلب ويحزن لها الفؤاد وتدمع لها العين عند تذكرها أم عبادة مصلية كبيرة السن يستدرجها أولادها ليقوموا بطعنها مرات عديدة بسبق إصرار وترصد واستعداد بالسلاح المسبق ثم يذهبوا إلى من في البيت يريدون قتلهم جميعا أخا ووالدا وقرابة هل يمكن أن نتصور أن من في قلبه إيمان يحرض على مثل هذا الشنيع لا أشنع منه.
ثم هذه بيوت الله والمسلمون في الأوقات الفاضلة في العشر الأواخر من شهر رمضان يؤمر هؤلاء السذج بأن يذهبوا إليهم؛ ليسفكوا دمائهم ويروعوا المصلين في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبره -صلى الله عليه وسلم- يقول الله -جل وعلا-: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [البقرة:114].
إن المؤمن ليعلم أن هذه الأفعال الشنيعة مضادة لدين الإسلام، وأن من في قلبه إيمان وإسلام لا يمكن أن يتصور منه؛ أن يحرض على مثل هذه الأفعال وحينئذ نعلم حقيقة هؤلاء.
والعجب أن يوجد من يغتر بأنهم على دين الإسلام، لا والله لا يستحل مثل هذه الأفعال مؤمن، وإن أظهر أسماء براقة وأفعال يخدع بها الخلق، لقد قام المنافقون واليهود في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بأفعال مماثلة وكان -صلى الله عليه وسلم- يقف لهم بالمرصاد.
وكان اليهود؛ يأمرون أتباعهم يقولون آمنوا أول النهار واكفروا أخره لعلهم يرجعون، وهكذا فعل هؤلاء، والمنافقون يبنون مسجد في المدينة انظر بناء مسجد يظهرون الخير ويحسنون للناس فعلهم لكن مقصدهم خبيث يريدون به الإضرار بالإسلام وأهل الإسلام؛ فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بهدمه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التوبة:108].
ومن هنا لم يبقى لمؤمن درجة من درجات الخديعة بهؤلاء، حقيقتهم ظهرت محاربة لله ورسوله ومحادة لأوليائه ورغبة في القضاء على الإسلام وأهل الإسلام يتأمرون مع أعداء دين الله من الكافرين والمنافقين، ويظهرون أنهم يعادونهم لينخدع الخلق بهم؛ فلم يبقى محل للخديعة بهم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 204 - 206].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا، واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله الإله الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين -صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم- تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد:
أيها المؤمنون: فاتقوا الله بتعلق قلوبكم بربكم -سبحانه وتعالى- واعلموا أن بناء المساجد من أفضل الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المؤمن إلى ربه يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجدا بنى الله له قصرا في الجنة".
وإن من عمارة المساجد؛ أن نصلي فيها جميع الأوقات الخمس نتقرب بذلك إلى الله -عز وجل-، فقال تعالى: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 36- 38].
وقال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [التوبة:18].
وجاء في الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال "من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح" ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا حفتهم الملائكة ونزلت عليهم الرحمة وغشيتهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده".
وروى الإمام أحمد بإسناده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رأيتموه يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".
ألا صلوا أيها المؤمنون على هذا النبي الكريم؛ فقد أمركم ربكم بذلك، فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود وارض الله عن صحابة نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك وكرمك واحسانك يا أرحم الرحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.