المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | يحيى جبران جباري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
كانت هذه الدولة المباركة، وولاة الأمر فيها -حفظها وحفظهم الله- ولمدة طويلة، يتجاوزون عن كثير من المخالفات، ويخففون عن المقيمين العقوبات، ويتساهلون في كثير من المعاملات، حتى ظهرت فئة من القادمين غير النظاميين، أساءت للبقية، وهدمت الأواصر المبنية، ودمرت الهوية الحقيقية، وهي الهوية الإسلامية، فضيَّعوا الأمانة وسعوا للأذية، وتعاملوا بالكذب والخداع وكل رزية، وأكلوا الأموال بالباطل وبالسرقة المنهية، ولاذوا بالفرار إلى وجهة غير معنية..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أمر بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولي الأمر، أحمده على نعمائه وأشكر، وأستعينه تعالى، وأستهديه سبحانه، ومن كل ذنب أستغفر، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له على كل شيء قادر، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، عاش صادقًا أمينًا صابرًا، فهدى الله به كل من شاء من طاغية وضالّ وكافر، صلِّ اللهم وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن سار على نهجه، إلى يوم تبلى فيه السرائر.
ثم أما بعد: فأوصيكم ايها المسلمون ونفسي المقصرة بتقوى الله -عز وجل- وخشيته باطنًا وظاهرًا، فمن اتقى الله حق التقوى سلم المخاطر، وعاش راضيًا وصابرًا، وكفاه الله الفتنة وعذاب المقابر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أيها المسلمون: يقول ربكم -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13]، وقال –سبحانه-: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) [البقرة: 251].
كم من الأمم سبقت! وكم من بعدها خلفت! وكم من دولة أسست! وكم من زعامات ترأست، وكم من القوانين الوضعية أصدرت، ثم تبدلت وتغيرت! وبين هذا كله أمر مشترك، وهو حاجة الناس لبعضهم، وكدّهم جميعًا وسعيهم لكسب لقمة عيشهم ورزقهم، سواء في بلدانهم، أو في أي بلد يسَّره الله لهم.
والحاجة قائمة في كل مكان وزمان، للمعلمين، والمهندسين، والبنائين، والخياطين، والحلاقين، والتجار، وغيرهم فكل مخلوق أعطاه الله موهبة يمتاز بها عن غيره، ولتكثر أسباب الرزق بين العباد والخلق.
والعمل مطلب لكل إنسان، ومصدر لبناء الأسرة والمحافظة عليها والاطمئنان، روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم--: "ما أكل أحد طعاماً خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".
فهذا يحث على كسب الحلال، والحرص على طلب الحلال، والأمانة في ذلك مطلوبة من كل عامل وفي كل عمل، فمن أخذ الأجرة حُوسِبَ على العمل، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [التوبة: 105].
وفي هذا الزمان دعت الحاجة كثيرًا من الناس لترك أوطانهم وكسب لقمة العيش في دولة أخرى غير دولتهم، إلا أن لكل دولة أنظمة وقوانين تُلزِم بها القادمين إليها والعاملين، والجلُّ يعلم ذلك ويفهمه.
وقد كانت هذه الدولة المباركة، وولاة الأمر فيها -حفظها وحفظهم الله- ولمدة طويلة، يتجاوزون عن كثير من المخالفات، ويخففون عن المقيمين العقوبات، ويتساهلون في كثير من المعاملات، حتى ظهرت فئة من القادمين غير النظاميين، أساءت للبقية، وهدمت الأواصر المبنية، ودمرت الهوية الحقيقية، وهي الهوية الإسلامية، فضيَّعوا الأمانة وسعوا للأذية، وتعاملوا بالكذب والخداع وكل رزية، وأكلوا الأموال بالباطل وبالسرقة المنهية، ولاذوا بالفرار إلى وجهة غير معنية.
فوقعت بسببهم البلايا، على كل من تعامل معهم، سواء من المواطنين والمقيمين أو حتى من بني جلدتهم، فضيَّعوا بذلك دنياهم ودينهم، وتسبَّبوا في قطع أرزاق غيرهم، والتشديد عليهم، بل والابتعاد عنهم، وكم من القضايا التي امتلأت بها مراكز الشرط، ومكاتب القضاة، تحكي ما تقدم به المجني عليهم، وما واجهوه ممن أعطوهم الثقة، وظنوا الخير فيهم، فكذبوا عليهم وسلبوهم، وهربوا، فلم يعثر عليهم، والسبب أنهم مجهولو الهوية، ولم يعملوا بطرق نظامية.
وكم لبعضهم من قصص مأساوية، تدل على أنهم، ليسوا فقط، بلا هوية، بل وبلا دين ولا إنسانية، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله نطيعه ابتغاء عفوه ورضاه، أحمده سبحانه وأشكره على ما تفضَّل به وأولاه، وأشهد أن لا أله إلا الله، اختار محمدًا للرسالة واجتباه، فعليه صلى الله وعليه سلم الله، وعلى آله وأصحابه وأتباعه ومن اهتدى بهداه.
وبعد يا من ناداه ربه للصلاة، فلبَّاه، اتق الله فمن اتق الله اشترى آخرته بدنياه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
عباد الله: أسهبت ومهَّدت، وجمعت قولي ولخصت، وعن الحاجة العظيمة للعمل والعمالة تكلمت، ولما تواجهه المملكة العربية السعودية من تحديات وما حيك ويحاك بأبنائها والمقيمين فيها من قبل مخالفي الإقامة والعمل، ممن لا يخشون الله ذكرت، وقد أمرت بالوعظ من الله وبهذا الأمر من ولي الأمر فبلغت، وعن التعامل مع كل مخالف، ها أنا حذرت وأنذرت.
وستبدأ حملة بهذا الخصوص، في تاريخ السادس والعشرين من هذا الشهر، للحد من معاناة الدولة واهلها من أهل الخديعة والشر، وإن كانوا ليسوا كلهم سواء، إلا أن الشر يعم، والخير يخص.
ثم الصلاة والسلام على خير البشر، كل مؤمن بذكرها أُمِرَ، من لم يقلها قد تعدَّى وخسر. فاللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد....