الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | السيرة النبوية |
أهل الإيمان الحق يستمدون من الهدي النبوي كل أمورهم، فلا تستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه -عليه الصلاة والسلام- يهتدون، وعلى ضوء سُنَّته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها يجاهدون، أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعاراتِ الزائفةَ، ولم يُبقوا إلا شعارَ التوحيد والمتابعة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمة بنعمة خير البرايا، وجعل التَّمَسُّكَ بسنته عصمةً من الفتن والبلايا، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأسأله الثباتَ على السنة والسلامة من المحن والرزايا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عالِم السر والخفايا، والمطلع على مكنون الضمائر والنوايا، وأشهد أن نبينا وحبيبنا وقدوتنا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، كريم الخصال وشريف السجايا، والمجبول على معاني الأخلاق والمعصوم من الدنايا، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهَد في الله حقَّ جهاده، جيَّش في سبيل ذلك الجيوشَ وبعَث البعوثَ والسرايا، عليه من الله وعلى آله وأصحابه وأتباعه أفضل الصلاة وأزكى السلام، وأشرف التحايا.
أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله -تبارك وتعالى-؛ فبتقوى الله تصل الأمة إلى أسمى المدارك وتسلَم من دركات الشر والمهالك.
أيها الإخوة الأحبة في الله: ما أكرم الله هذه الأمة؛ أمة محمد صلى الله عليه وسلم بمثل ما أكرمها به ببعثة سيد الأولين والآخرين ومنة الله ورحمته للعالمين، (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 164].
إخوة الإسلام، أحباب سيد الأنام: -عليه الصلاة والسلام-، الشخصية الفذة التي تتضاءل عند عظمتها عظمة كل عظيم من البشر هي شخصية الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي حبيب القلوب والمبلغ عن علام الغيوب بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته العطرة بما فيها من شمائل نبوية ومعجزات محمدية ووقائع مصطفوية كلها معين ثَرّ وينبوع صاف متدفق يرتوي من نميره كل من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي الشمس الساطعة، والسَّنَا المشرق المتلألئ، والمشعل الوضاء، والنور المتألق الذي يبدد ظلمات الانحرافات كلها.
أيها المسلمون: إن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذاك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخِر يجعل الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- قدوتَه، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أسوتَه؛ كما قال عز وجل: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الْأَحْزَابِ:21].
وأهل الإيمان الحق يستمدون من الهدي النبوي كل أمورهم، فلا تستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه -عليه الصلاة والسلام- يهتدون، وعلى ضوء سُنَّته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها يجاهدون، أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعاراتِ الزائفةَ، ولم يُبقوا إلا شعارَ التوحيد والمتابعة، عليه يحيون وعليه يموتون، وفي سبيله يجاهدون، وعليه يلقون الله رب العالمين.
أمة الإسلام: ولد -عليه الصلاة والسلام- في هذه البقاع الشريفة وكانت ولادته إيذانا ببزوغ فجر الحق وغروب شمس الباطل
ولد الهدى فالكائنات ضياء | وفم الزمان تبسم وثناء |
الله أكبر إنه ضياء الحق والإيمان أشرق على الدنيا فبدد سحب ظلام الجاهلية وقضى على معالم الشرك والوثنية وانطلق بالإنسان إلى آفاق الحرية الشرعية، وبين بطاح مكة ورباها نشأ وترعرع -عليه الصلاة والسلام- ودرج مدارج الصبا محفوظا بحفظ الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية، نشأ يتيما تكلؤه عناية الله، وعندما بلغ الأربعين من عمره الشريف أكرمه الله بحمل الرسالة وبعثه إلى كافة الناس للهداية والبشارة والنذارة، وكم لقي في سبيل تبليغ دعوة ربه من الأذى فصبر وصابر واستمر وثابر، ثلاث وعشرون سنة لم تلن له قناة ولم يفتر عن تبليغ رسالة الله، أيده الله بالمعجزات الباهرة، والآيات الظاهرة، وجبله على أكرم سجية، وخصه بأفضل مزية، عليه من الله أفضل صلاة وأزكى سلام وتحية، وهبه من الأخلاق أعلاها ومن المكارم أزكاها ومن الآداب أفضلها وأسناها، وحسبكم بمن وصفه ربه بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [الْقَلَمِ: 4]، وعندما اشتد أذى خصومه له في مكة أذن الله له بالهجرة إلى المدينة قاعدة الدعوة ومنطلق الرسالة، وأساس دولة الإسلام، فأقام سوق الجهاد والدعوة إلى الله، حتى انتهت بعز الإسلام ودخوله -صلى الله عليه وسلم- مكة فاتحا، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وبعد حياة حافلة بجليل الأعمال وكريم الأقوال والفعال توفاه الله عز وجل ولحق بالرفيق الأعلى بعد أن بلغ البلاغ المبين، وأنار الطريق للسالكين فجزاه الله عن أمته خير ما جزى نبيا عن قومه، وصلوات الله وسلامه عليه دائما وأبدا إلى يوم الدين، هذه يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- إشارات إلى جوانب من السيرة العطرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
يجب أن يكون المسلمون على معرفة بها على الدوام ليأخذوا منها الأسوة الحسنة؛ فهو -عليه الصلاة والسلام- القدوة المثلى، والأسوة العظمى للناس جميعا على اختلاف فئاتهم فالحاكم المسلم يجد فيه -عليه الصلاة والسلام- المثل الأسمى في إقامة صرح الدولة الإسلامية وسياسة أمور الرعية، عدل في الرعية وقسم بالسوية، وتطبيق لشرع الله جل وعلا في كل قوية، والعالم والداعية يجد فيه -عليه الصلاة والسلام- القدوة الحسنة في البذل والبلاغ والحكمة، والصبر والتحمل والرفق والتيسير والصدع بالحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وهكذا الأغنياء بذلا وعطاء وإنفاقا في سبيل الله، والمجاهدون ضربا في سبيل الله لإعلاء كلمة الله، وهكذا الشباب والنساء فلكل نصيبه ودوره وهكذا في البيت والأسرة ومع الأولاد والزوجات، تلك هي شخصية المصطفى -صلى الله عليه وسلم- التي لم تكن غائبة يوما ما عن سلوك محبيه رفع الله ذكره وأعلى في العالمين قدره وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
إخوة الإيمان: لم تكن حاجة الأمة في عصر ما إلى معرفة السيرة العطرة، معرفةَ اهتداء واقتداء؛ أشدَّ إليها من هذا العصر الذي تقاذفت فيه الأمةَ أمواجُ المحن، وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء، واستحكمت الزعوم والآراء، وواجهت فيه الأمةُ ألوانًا من التصدِّي السافر، والتحدي الماكر، والتآمر الرهيب مِنْ قِبَل أعداء الإسلام على اختلاف مِلَلهم ونحلهم، يتولَّى كِبْر ذلك مَنْ لعنهم الله وغضب عليهم، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبدة الطاغوت؛ من اليهود الصهاينة، ويوالي مسيرتَهم دعاة التثليث، وعبدة الصليب، ويشد أزرَهم المفتونون بهم والمتأثرون بصديد أفكارهم، وقيح ثقافاتهم، من أهل العلمنة ودعاة التغريب، ويزداد الأسى حين يجهل كثير من المسلمين حقائق دينهم وجوهر عقيدتهم، ويسيرون مع التيارات الجارفة دون تمحيص وتحقيق، ودونما تثبت وتدقيق أو يجمدون على موروثات مبتدَعَة دون تجلية ولا تدقيق، وحينما يُضرب المثل في ذلك على نظرةِ كثيرٍ من المسلمين للسيرة المباركة فإنك واجدٌ العجبَ العجابَ! ففئات تغلو في الجناب المحمدي وترفعه إلى المقام الإلهي، وفئات تجفو وتعرض.
من الناس من نظروا إلى السيرة النبوية على أنها قَصَص يوردونها، وفصول يسردونها، دون متابعة واقتداء، فلا تحرك قلوبًا، ولا تثير وهممًا، وأبو القاسم محمد -صلى الله عليه وسلم- مع كونه عظيمًا من عظماء التاريخ؛ فإن شرف النبوة وتاج الرسالة هو الذي يحتِّم له المحبةَ والاتباعَ، وإن ارتباطنا برسولنا وحبيبنا -صلى الله عليه وسلم-، وسيرته العطرة؛ ليس ارتباطَ أوقاتٍ ومناسباتٍ، ولا حديثَ معجزاتٍ وذكرياتٍ، بل إنه ارتباط وثيق في كل الظروف وجميع الشئون وأحوال الحياة إلى الممات.
وشخصيته -صلى الله عليه وسلم- ليست شخصية مغمورة، ولا في ثنايا التاريخ مطمورة، تبرز حينًا وتطوى حينًا، حاشاه -عليه الصلاة والسلام- فداه أبي وأمي، بل إن ذكره يملأ الآفاق، والشهادة برسالته تدوِّي عبرَ المآذن والمنابر، وتنطلق عبر الحناجر والمنائر، والمسلم الذي لا يعيش الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- في ضميره، ولا تتبعه بصيرتُه في عمله وتفكيره في كل لحظة من لحظاته؛ لا يُغني عنه أبدًا التغنِّي بسيرته، ولا صيغة النعوت في مدائحه، وليس هناك أغلى وأعلى من مدح ربه جل وعلا له وثنائه عليه، وما جنح المسلمون إلى مثل هذا اللون في الإفصاح عن تعلُّقهم بنبيهم إلا يومَ أن أعياهم حملُ العمل، وتركت نفوسُهم العزماتِ، واستسلمت للتواني والكسل، فالجهد الذي يتطلب العزائمَ هو الاستمساك والاقتداء، فبدلًا من التغني والترنم ينهض المسلم الجادّ إلى تقويم نفسه، وإصلاح شأنه حتى يحقِّق الاقتداءَ برسوله -صلى الله عليه وسلم-، وحتى يترجم تلك الدعاوى إلى واقع عمليّ في كل شئونه، في معاشه ومعاده، وحربه وسلمه، وعلمه وعمله، وعباداته ومعاملاته.
وإن تحويل الإسلام إلى هز للرؤوس وتضخيم للعمائم، وإطالة للسبح يصاحب ذلك تعلق بأذكار وتسابيح، وتمسُّك بقصائد وتواشيح؛ لشيءٌ عجيب يحار العقلُ في قبوله، والأدهى من ذلك أن تكون هذه الأمور معاييرَ لصدق المحبة وعدمها، ومقاييسَ يُرمى كلُّ مَنْ تركها واستبان عَوَرَها بتنقصه للحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وتلك شنشنة نعرفها من أخزم، فحبُّ رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في أعماق النفوس، وفي شغاف قلوبنا مغروس، ولا يغيض حبُّه إلا من قلب منافق متعوس منحوس.
ومن أسف أن أعداء الملة تمكنوا في غفلة من المصلحين أن يصدِّعوا بناءه وينقضوا أركانه، (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [الْأَنْعَامِ: 70].
يا مدعي حب طه لا تخالفه | الخلف يحرم في دنيا المحبين |
فكيف يا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُترك ميراث النبوة نهبًا للعوادي؟ وكيف يقع التبديل والتغيير في دين الله في غفلة وسكون؟ وكيف يُمَهَّد للجاهلية الأولى أن تعود من جديد؟ ألا فَلْيَفْقَهِ المسلمونَ سيرةَ رسولهم -صلى الله عليه وسلم- فِقْهًا مؤصَّلًا بالدليل والبرهان والسير على منهج سلف الأمة قبل أن تأخذ السبلُ الملتويةُ بهم؛ فتطوح بهم بعيدًا عن الجادة، وهم يحسبون أنهم يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
أمة الإسلام: لقد جربت الأمة هذه المظاهرَ بعد انحسار القرون الثلاثة المفضلة فلم تُجْدِ شيئًا، لم تُعِد عزةً، ولم تُورِثْ منعةً، ولم ترجع مقدسات، وإذا كانت الأمة في هذه الظروف الحرجة التي تمر بها تتحدث عن سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فكيف يطيب الحديث؟ وكيف يحلو الكلام ومقدَّسات المسلمين يعيث فيها أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود الأخباث؟ وها هم يصعِّدون عدوانَهم ويزيدون في إذكاء نار الفتنة، تحديا لمشاعر المسلمين في استنقاص نبي الإسلام والاستهانة بدستور المسلمين، في صور ساخرة ورسوم مغرضة فاجرة، كيف يجمل الحديث وأعداء الإسلام من الوثنيين يصرون على صلفهم وعدوانهم ضد إخواننا في كشمير المسلمة، كيف يحلو الكلام وأعداء الإسلام يمعنون في حقدهم السافر عبر قنواتهم ضد عقيدة الأمة وقيمها ومثلها، كيف وكيف وقضايا المسلمين معلقة وأوضاعهم متردية إلا من رحم الله، إننا بحاجة إلى تجديد المسار، وتصحيح المواقف والوقوف طويلا للمحاسبة والمراجعة، نريد من مطالعة السيرة ما يزيد الإيمانَ، ويُزْكي السريرة، ويعلو بالأخلاق ويسمو بالقيم، ويقوم المسيرة، إن عز الأمة وسعادتها وصلاحها وهدايتها مرهون باتباع سنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- وشواهد ذلك جلية في نصوص الشرع وحوادث التاريخ، فيوم أن كانت الأمة متمسكة بإسلامها الحق مهتدية بنور الوحيين، مقتفية آثار النبوة دانت لها المشارق والمغارب، اجتمعت كلمتها وتوحدت صفوفها ولم تجد البدع والأهواء طريقا إلى مجتمعها، وتمر القرون وتمضي الأعصار والسنون وتبتلى هذه الأمة بالفرقة والاختلاف في أمور دينها حتى تسربت إلى صفوف الأمة ألوان من العقائد المنحرفة وتسللت عبر الحصون دروب من الطرق الفاسدة التي تشوش على الأمة في أعز ما تملك، في عقيدتها واتباعها وحبها لرسولها -صلى الله عليه وسلم-، مما يجسد المسئولية على حماة السنة وحراس الملة ليهبوا من رقدتهم وليفيقوا من سباتهم وليكفوا عن انشغالهم بالجزئيات، وانقسامهم إلى مذاهب وجماعات ليذبوا عن سنة حبيبهم -صلى الله عليه وسلم- تعلما وتعليما ودعوة وجهادا وصبرا.
فيا حَمَلَة السُّنَّة، ويا حراس الملة: إنه نظرا لما أصاب كثيرا من المجتمعات ولما حصل لكثير من التطورات من انحراف وغبش في أذهان كثير من الناس حتى اختلطت الأوراق وانقلبت الموازين فإنه من الضروري أن يتحرك أهل الإسلام، أهل المنهج الحق، أتباع سلف هذه الأمة بتجلية الأمور دون مواربة وكشف الحقائق وبيان ما هو دخيل مما هو أصيل والتركيز على أمور العقيدة والسنة والاتباع وكشف كل ما يخالف ذلك من المقولات والشبهات وفضح كل ما يعارضها من الشعارات فالحق أحق أن يتبع، وإلى متى تظل الأمة تائهة حيرى؟ لا تميز العدو من الصديق، أين الجهود المركزة في خدمة السنة النبوية والدفاع عنها؟ أين دور العلماء في توضيح السنة للعامة ورصدهم المخالفات عند تطبيقها وبيانهم للناشئة حتى لا يحدث إفراط ولا تفريط؟ أين نصيب العناية بالسنة في مناهج الدعوة الموجودة في الساحة وجهود الدعاة؟ ما مدى العناية بالسنة في مناهج التعليم رواية ودراية وأين العناية بها في وسائل الإعلام لا سيما في عصر القنوات الفضائية، ولو برد ما يخالفها؟ أين تطبيق السنة في البيت والأسرة والمجتمع إلى متى تستمر المخالفات لهدي المصطفى -صلى الله عليه وسلم-؟ ماذا جنت الأمة لما أهملت أو كادت أمور السنة النبوية؟
ألا ما أحوج حملة السنة إلى تنسيق جهودهم وتلاحمهم مع علمائهم لدرء الأخطار المحدقة بهم، أما آن لنا أمة الإسلام أن نجمع قلوبنا على كتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ونتخلى عن كل ما يخالف ذلك؟ من للسنة النبوية يعمل بها ويرفع لواءها ويذب عنها ويدعو إليها ويجاهد في سبيلها إلا أنتم أيها المسلمون فكونوا كما أمركم الله ينجز لكم ما وعدكم، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، فيا من يحب نجاته السنةَ السنةَ والاتباع الاتباع، عرفت فالزم وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التَّوْبَةِ: 128-129].
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه كان حليما غفورا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسله رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرا عديدا مديدا مزيدا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وتمسكوا بسنة رسولكم -صلى الله عليه وسلم- تفلحوا واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، واعلموا رحمكم الله أن من أفضل ما تقرب به المتقربون وعبر به الصادقون عن محبتهم لرسولهم -صلى الله عليه وسلم- كثرة الصلاة والسلام عليه، فقد أمركم الله بذلك بقوله جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56]، كما حث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ذلك وأخبر أن فيه الأجر العظيم كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"، وروى الإمام أحمد والنسائي بسند صحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَرَفَعَهُ بِهَا عَشْرَ دَرَجَاتٍ"، ولما قال له أبي بن كعب -رضي الله عنه-: إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْهَا؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ" قَالَ: الرُّبُعُ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ، وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قَالَ: النِّصْفُ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ" قَالَ: الثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْعَلُهَا كُلَّهَا لَكَ؟ قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ". رواه الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح والحاكم ووافقه الذهبي، وقد ذكر العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم: "جلاء الأفهام" قرابة أربعين ثمرة وفائدة في الدنيا والآخرة من فوائد الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فيا من يريد الخير في الدارين أكثر من الصلاة والسلام على سيد الثقلين، لكن ذلك الأجر مرهون بالإخلاص والالتزام بالصلوات المشروعة دون المبتدعة وأجمعها الصلاة الإبراهيمية التي يقرؤها المسلم في تشهده ومما يلحق بمكانة المصطفى المختار مكانة أهل بيته الأطهار وصحابته الأبرار وآله الأخيار وزوجاته أمهات المؤمنين بحبهم ومعرفة قدرهم وفضلهم جميعا وعدم تنقصهم أو الوقيعة بهم فإن ذلك أمارة الخسران والكف عما شجر بينهم فإنه علامة الإيمان والترضي عنهم جميعا، -رضي الله عنهم- وأرضاهم وجمعنا بهم مع رسولنا الحبيب -صلى الله عليه وسلم- في دار كرامته بمنه وكرمه.
ألا وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة والنعمة المسداة صلاة متبع له مقتف لسنته، اللهم صل على محمد ما ذكره الذاكرون الأبرار وصل على محمد ما تعاقب الليل والنهار وصل على محمد وعلى المهاجرين والأنصار اللهم صل عليه ما ظهرت النجوم وتلاحمت الغيوم، اللهم صل وسلم على صاحب المقام المحمود والحوض المورود واللواء المعقود، اللهم صل وسلم وبارك على صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر والمقام الأطهر والمجد الأسنى الأظهر، اللهم ارزقنا شفاعته وأوردنا حوضه واسقنا بيده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا إلى ما تحب وترضى، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك واتباع سنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، اللهم دمر أعداء الدين من اليهود المعتدين وسائر الطغاة والمفسدين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أنقذ المسجد الأقصى من براثن اليهود المعتدين، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وعبادك المؤمنين، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [الْبَقَرَةِ: 201].
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.