الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة الاستسقاء |
جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ –صَرَاحَةً- عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ إِنْ لَزِمَتِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ حَفِظَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْعَذَابِ، وَمِنْ تَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَبَسَطَ لَهَا الْأَرْزَاقَ، وَمَتَّعَهَا مَتَاعًا حَسَنًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا.
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ، الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ؛ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَيَسْتُرُ الْعُيُوبَ، وَيُجِيبُ الدُّعَاءَ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنَ السَّمَاءِ، نَحْمَدُهُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ، وَنَسْتَغْفِرُهُ اسْتِغْفَارَ التَائِبِينَ، وَنَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ؛ فَهُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ، الْبَرُّ الرَّحِيمُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ كَانَ يُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ، وَيُكَرِّرُهَا فِي الْيَوْمِ مِئَةَ مَرَّةٍ، وَقَدْ عَدَّ لَهُ أَصْحَابُهُ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ -تَعَالَى- وَأَطِيعُوهُ، وَتُوبُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، وَأَنِيبُوا إِلَيْهِ وَاسْأَلُوهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَاسِعُ الْعَطَاءِ، مُجِيبُ الدُّعَاءِ. وَقَدِ اجْتَمَعْنَا فِي صَلَاتِنَا هَذِهِ لِنَسْتَغْفِرَهُ لِذُنُوبِنَا، وَنُقِرَّ لَهُ بِخَطَايَانَا، وَنَسْأَلَهُ الْغَيْثَ الْمُبَارَكَ لِبِلَادِنَا، وَقَدْ عَوَّدَنَا -سُبْحَانَهُ- أَنْ نَسْأَلَهُ فَيُعْطِيَنَا، وَأَنْ نَدْعُوَهُ فَيُجِيبَنَا، وَقَدْ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ يَرْفَعُ الْعَذَابَ، وَيَسْتَجْلِبُ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبٌ لِمَحْقِ الْبَرَكَاتِ، وَقِلَّةِ الْأَرْزَاقِ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)[الْمَائِدَةِ: 66]؛ أَيْ: لَوْ أَطَاعُوا اللَّهَ -تَعَالَى-، وَأَقَامُوا كِتَابَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ، وَالْعَمَلِ بِمَا فِيهِ؛ لَيَسَّرَ اللَّهُ -تَعَالَى- لَهُمُ الْأَرْزَاقَ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْأَمْطَارَ، وَأَخْرَجَ لَهُمْ ثَمَرَاتِ الْأَرْضِ.
فَمِنْ رَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ أَنَّهُ جَعَلَ الِاسْتِغْفَارَ سَبَبًا لِمَحْوِ الذُّنُوبِ، وَرَفْعِ الْعَذَابِ، الَّذِي مِنْهُ مَنْعُ الْقَطْرِ مِنَ السَّمَاءِ، وَجَدْبُ الْأَرْضِ، وَعَطَشُ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَالثِّمَارِ؛ كَمَا قَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الْأَنْفَالِ: 33]، فَلْنَمْحُ ذُنُوبَنَا بِكَثْرَةِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَلْنَسْتَمْطِرْ بِهِ السَّمَاءَ.
بَلْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ سَبَبٌ لِلْإِمْدَادِ بِالْمَالِ وَالْبَنِينَ، وَتَتَابُعِ الْأَرْزَاقِ، وَكَثْرَةِ الْخَيْرَاتِ، وَجَعْلِ الْأَرْضِ أَنْهَارًا وَجَنَّاتٍ، كَمَا حَكَى اللَّهُ -تَعَالَى- عَنْ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ يَحُثُّهُمْ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ آثَارَهُ وَثِمَارَهُ: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا)[نُوحٍ: 10-12].
وَجَاءَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَيْهِ الْجَدْبَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ الْفَقْرَ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَا إِلَيْهِ آخَرُ عَدَمَ الْوَلَدِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ هُودٌ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِقَوْمِهِ: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ) [هُودٍ: 52].
وَقَدْ رَوَى الشَّعْبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: أَنَّ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- خَرَجَ يَسْتَسْقِي، فَمَا زَادَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا رَأَيْنَاكَ اسْتَسْقَيْتَ! قَالَ: لَقَدِ اسْتَسْقَيْتُ بِمَجَادِيحِ السَّمَاءِ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْمَطَرُ.
وَالْأُمَّةُ الْمُسْلِمَةُ فِي هَذَا الْعَصْرِ تَحْتَاجُ إِلَى الْأَرْزَاقِ الَّتِي سَبَبُهَا الْأَمْطَارُ، وَهِيَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إِلَى الْقُوَّةِ الَّتِي تَرُدُّ بِهَا بَأْسَ الْأَعْدَاءِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
بَلْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مَا يَدُلُّ –صَرَاحَةً- عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ إِنْ لَزِمَتِ التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ حَفِظَهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الْعَذَابِ، وَمِنْ تَسَلُّطِ الْأَعْدَاءِ، وَبَسَطَ لَهَا الْأَرْزَاقَ، وَمَتَّعَهَا مَتَاعًا حَسَنًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا؛ وَذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ)[هُودٍ: 3].
وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَالتَّوْبَةَ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى- مِنَ الذُّنُوبِ سَبَبٌ لِأَنْ يُمَتِّعَ اللَّهُ -تَعَالَى- مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى شَرْطِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَتَاعِ الْحَسَنِ: سَعَةُ الرِّزْقِ، وَرَغَدُ الْعَيْشِ، وَالْعَافِيَةُ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ قَتَادَةُ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: إِنَّ الْقُرْآنَ يَدُلُّكُمْ عَلَى دَائِكُمْ وَدَوَائِكُمْ؛ أَمَّا دَاؤُكُمْ فَذُنُوبُكُمْ، وَأَمَّا دَوَاؤُكُمْ فَالِاسْتِغْفَارُ.
فَلْنَلْزَمْ –عِبَادَ اللَّهِ– التَّوْبَةَ، وَلْنُكْثِرْ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ؛ تَكْفِيرًا لِذُنُوبِنَا، وَتَكْثِيرًا لِأَرْزَاقِنَا، وَاسْتِمْطَارًا لِأَرْضِنَا؛ فَإِنَّ لِلِاسْتِغْفَارِ أَثَرًا كَبِيرًا فِي ذَلِكَ.
نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ.
نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ.
نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا.
اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا، هَنِيئًا مَرِيئًا، مَرِيعًا غَدَقًا، مُجَلَّلًا عَامًّا، طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ، اللَّهُمَّ إِنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلَادِ وَالْبَهَائِمِ وَالْخَلْقِ مِنَ اللَّأْوَاءِ وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لَا نَشْكُوهُ إِلَّا إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ وَالْجُوعَ وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنَ الْبَلَاءِ مَا لَا يَكْشِفُهُ غَيْرُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا؛ فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا.
اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَكَ وَبَهَائِمَكَ، وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وَأَحْيِ بَلَدَكَ الْمَيِّتَ.
اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، لَا عَذَابٍ وَلَا بَلَاءٍ وَلَا هَدْمٍ وَلَا غَرَقٍ. وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
عِبَادَ اللَّهِ: حَوِّلُوا أَلْبِسَتَكُمْ تَفَاؤُلًا بِأَنَّ اللَّهَ -تَعَالَى- سَيُغَيِّرُ حَالَنَا، فَيُغِيثُنَا غَيْثًا مُبَارَكًا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَادْعُوهُ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ وَأَيْقِنُوا بِالْإِجَابَةِ، وَأَكْثِرُوا الصَّدَقَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.