الكريم
كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...
العربية
المؤلف | صلاح الدين بورنان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
والتدخين هو سُمٌ من السموم القاتلة المؤدية للوفاة, وآفة التدخين صارت ظاهرة آخذة في الانتشار والإتساع بين الناس ومن مختلف الأعمار, حتى صغار السن أصبحوا يتعاطون التدخين, حتى النساء أصبحن يدخن مثل الرجال...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: أبتليت الأمة الإسلامية بداء خطير ومرض عضال, وصار من الصَّعب على الناس أن يتركوه أو يبتعدوا عنه ولو للحظات قليلة, فهم قد أدمنوا عليه لدرجة كبيرة؛ فأصبح الكثير من الناس معتمداً عليه أكثر من الطعام والهواء والشراب, أظنكم قد عرفتم هذا الدّاء, إنّه مِسواك الشيطان.
إنّه التدخين هذا السُمُ القاتل الذي حصد أرواح الملايين من البشر عبر العالم, ولا زال ضحاياه يتساقطون يوما بعد يوم, فالتدخين آفة انتشرت منذ أزمنة بعيدة, وشاع بين الناس على أن تعاطي التدخين هو مكروه فقط, لكن لما تطورت وسائل العلم وخاصة في مجال الطب, أدركوا حقيقة أن للتدخين مضار, وأن عواقب التدخين على جسم الإنسان خطيرة في النهاية تؤدي للوفاة, عندها أفتى علماء الإسلام بحرمة تعاطي التدخين, وأن صاحبها إن مات بسبب التدخين فهو منتحر, وليست موتةً طبيعية.
وقد ورد وعيد شديد في الأحاديث النبوية على العبد الذي يُقدم على جريمة الانتحار, والمنتحر هو خالد مخلد في نار جهنم, وهذا لعموم الأحاديث النبوية, روى أبو هريرة أن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قال: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده, يتوجأ بِها في بطنه في نار جهنم, خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تحسَّى سُمًا فقتل نفسه, فسمُّه في يده يتحسَّاه في نار جهنم, خالدًا مخلدًا فيها أبدًا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه, فهو يتردى في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا" (رواه البخاري ومسلم).
فدل هذا الحديث على أن من أقدم على قتل نفسه بارتكاب أحد الأفعال الواردة في هذا الحديث, أو ما كان في معناها؛ فإن عقوبته العذاب في جهنم بنفس الفعل الذي أجهز به على نفسه.
فمن ألقى نفسه من مكان عال مرتفع, أو موقع شاهق, أو ضرب نفسه بحديدة كالسيف أو السكين أو المسدس أو نحو ذلك, أو تناول مادة من المواد السامة القاتلة, فأدى ذلك كله إلى موته؛ فإنه يعذب في النار بفعلته الشنعاء التي أقدم عليها.
وظاهر هذا الحديث يدل على خلوده في النار وبقائه فيها معذبًا أبد الآبدين؛ فإنه قال: "فهو في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا".
وكل من يقدم على شيء من ذلك فإنما هو لضعف إيمانه، وغفلته عن خالقه، وعدم التجائه إليه عند إصابته بشيء يسوؤه, روى جندب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كان برجل جراح أو كانت به قرحة بوجهه، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته فنكأها- أي: فجرها وفتحها- فلم يقف الدم حتى مات، فقال الله -تعالى-: بادرني عبدي بنفسه، قد حرمتُ عليه الجنة" (متفق عليه).
والتدخين هو سُمٌ من السموم القاتلة المؤدية للوفاة, وآفة التدخين صارت ظاهرة آخذة في الانتشار والإتساع بين الناس ومن مختلف الأعمار, حتى صغار السن أصبحوا يتعاطون التدخين, حتى النساء أصبحن يدخن مثل الرجال.
وأنت يا من أبتليت بالتدخين: حاول أن تستر نفسك؛ فلا تدخن أمام أبناءك أو زوجتك حتى لا يقلدوك, وإن كنت من أهل القدوات فلا تدخن أمام طلابك وتلاميذك؛ حتى لا يتعلموا منك هذه الآفة الخطيرة, قد يقول قائل: أنا عندي القدرة على مواجهة المرض عند نزوله, أواجهه بالأموال التى عندي, أواجهه بالمسكنات, أواجهه بالحقن المخففة للألم, فأقول لك: أتحداك أن تقاوم مرضا من الأمراض؛ لأن الأمراض جند من جنود الله, (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر: 31], والذي يتحدّى قدرة الله -عزّ وجلّ- فمعركته مع الله من البداية خاسرة, والذي عنده شك فليجرب المعركة مع الله -عزّ وجلّ-, ولينظر من هو المنتصر في النهاية.
انظروا إلى ضحايا التدخين كم جنو على أنفسهم, فمنهم من أصيب بالعمى الأبدي؛ لأن السموم صعدت إلى العين, ومنهم من أصيب بالكحة الشديدة, ومنهم من بٌترت رجله, ومنهم من صار أبكما لا يتكلم, ومنهم من جعلوا له ثقبا في رقبته كي يتنفس منه, ومنهم من تفحمت رئتاه, والأخطر من ذلك كله من أصيب بمرض السرطان القاتل.
اسألوا ضحايا التدخين الذين أصيبوا بعاهات مختلفة جراء التدخين,كم يصرفون من الأموال من أجل استعادة صحتهم؟! الكثير منهم دفع الأموال الطائلة وطاف بجميع الأطباء والمستشفيات لكن دون جدوى, الكثير منهم سافر إلى الخارج من أجل التداوي, فعاد إلى أهله في صندوق مغلق إلى القبر مباشرة, ثم إلى جهنم وبئس القرار, المؤمن العاقل المتبصر هو الذي يأخذ العبرة من غيره.
فيا عبد الله: الله -عزّ وجلّ- وهبك هذه الصحة وأعطاك هذا الجسد الجميل فلا تعبث به, ولا تورده موارد الهلاك, وليكن في علمك أن جسدك وروحك ليست ملكك, بل هو ملك لله وحده, هو الذي خلقها وأوجدها, وهو الذي يأخذها في الوقت المناسب بالموت.
فحرام على العبد أن يزهق أنفسا بغير حق ولو كانت نفسه التي بين جنبيه, فاحذر أن تهدم بنيان الله, يقول الله -عزّ وجلّ- : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29], (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].
جعلنا الله وإيّاكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى, والصلاة على عبده المصطفى, والآل والصحب ومن سار على السنة واقتفى.
أيها المؤمنون: فليتق العبد ربّه, وليحاول جاهدا الإقلاع عن التدخين, ويحاول مرة تلو المرة ويدعو ربّه أن يعينه على ترك هذه المعصية, وليجالس الأخيار من أبناء حيّه ربما يعينونه على تركه.
أنا أعلم جيدا أنَّ ترك التدخين ليس بالأمر الهين, أعلم أنّه صعب صعب جدا, لكن حاول أن تتخذ قرارا رجوليا وتقول إلى هذا أكتفي من تعاطي التدخين, فدينار وقاية خير من الآلاف الملايير علاج, فالأموال التي تنفق في شراء علب السجائر لو أنفقتها في زوجتك وعيالك وأقاربك وجيرانك, أو أنفقتها في سبيل الله؛ لكان خيرا وأفضل من هذه السموم التى تشتريها بمالك؛ لتقتل بها نفسك في النهاية.
فحافظ -يا عبد الله- على جسدك وعلى صحتك وعلى أموالك, وأنت الآن في نعمة عظيمة نعمة الصحة والعافية, قد لا تعلم حقيقتها الآن, لكن عندما تفقد صحتك وينزل بك المرض وتبدأ رحلة العلاج, وتنقل بين أروقة المستشفيات والانتقال بين طبيب وطبيب؛ عندها تعرف حقيقة أنّك كنت في نعمة عظيمة ولم تقدّرها حقّ قدّرها, وكما قيل: "الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء, لا يراه إلاّ المرضى", وفي الحديث: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه, وعن شبابه فيما أبلاه, وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه؟".
وبعض مرضى السرطان بالتدخين يعانون من سوء معاملة الأطباء والممرضين لهم, فنقول لهم: أنتم لم ترحموا أنفسكم؛ فكيف تنتظرون أن يرحمكم أحد؟ وليتذكر العبد دائما أن العبرة بالخواتيم فليقلع العبد عن هذه المعصية, وليتجنب هذه السموم القاتلة, وليعلم أنّه إن مات بسبب التدخين فقد مات منتحرا, والمنتحر جزاؤه أنّه خالد مخلد في نار جهنم.
على كل حال أنت حرٌ والقرار بيدك, وأنت أعلم بمصلحتك أكثر من غيرك, نجانا الله وإيّاكم والمسلمين جميعا من هذه الآفة الخطيرة آفة التدخين, وعافانا وإيّاكم والمسلمين جميعا منها.
ألا وصلوا وسلموا على من أُمرتم بالصلاة عليه, إمام المتقين, وقائد الغرِّ المحجلين وعلى ألهِ وصحابته أجمعين, وأرض اللهمَّ عن الخلفاءِ الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي.